مقالات 5 من صحف لبنانية تتناول الإنتفاضة اللبنانية ضد المحتل الإيراني وادواته وأذرعته المحلية/طوني بولس: ما المصير السياسي لصهر العهد جبران باسيل/أحمد عياش: الشيعة لبنانيون أولاً ونصرالله أمام طريقين، مقتدى الصدر أم سليماني؟/عقل العويط: تابوت العهد بل تابوت الفساد والنظام/خيرالله خيرالله: ثورة في لبنان في عهد حزب الله/ابراهيم حيدر: خطط السلطة لإخماد الانتفاضة ووأد الربيع

149
Lebanese demonstrators stand by a fire a make-shift barricade amidst clashes with security forces during a mass protest at Riad al-Solh Square in the centre of the capital Beirut on October 18, 2019 against dire economic conditions. - Thousands of Lebanese blocked major highways and burnt tyres for a second day to protest corruption and proposed tax hikes, as dozens of people were injured in clashes with security forces that threatened the country's fragile coalition government. (Photo by - / AFP) (Photo by -/AFP via Getty Images)

ما المصير السياسي لـ”صهر العهد” جبران باسيل؟..فرنجية وجنبلاط يجمعان على تحميل وزير الخارجية مسؤولية الفشل
طوني بولس/انديبندت عربية/21 تشرين الأول/2019

الشيعة لبنانيون أولاً ونصرالله أمام طريقين: مقتدى الصدر أم سليماني؟
أحمد عياش/النهار21 تشرين الأول/2019

تابوت العهد” بل تابوت الفساد والنظام
عقل العويط/النهار21 تشرين الأول/2019

ثورة في لبنان في عهد “حزب الله”
خيرالله خيرالله/العرب/21 تشرين الأول/2019

خطط السلطة لإخماد الانتفاضة ووأد الربيع… تطويق الساحات واستنفار العصبيات الطائفي
ابراهيم حيدر/النهار21 تشرين الأول/2019

=====

ما المصير السياسي لـ”صهر العهد” جبران باسيل؟..فرنجية وجنبلاط يجمعان على تحميل وزير الخارجية مسؤولية الفشل
طوني بولس/انديبندت عربية/21 تشرين الأول/2019
لم يتراجع المشهد الجماهيري في الساحات اللبنانية منذ انطلاق الثورة الشعبية ضد عهد الرئيس ميشال عون، فوتيرة الحراك الشعبي بتصاعد لافت فاق كل التوقعات، حيث غصت الساحات من بيروت إلى الشمال والجنوب والبقاع بأكثر من مليونَي مواطن على اختلاف انتماءاتهم وأعمارهم بصرخة موحدة تطالب أركان العهد الحالي بالاستقالة.
مليونا لبناني يجمعون على باسيل
وكان لافتاً إجماع كل تلك التظاهرات على الشعارات اللاذعة ضد رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية جبران باسيل والتي لم توفر توجيه الاتهامات له بأنه أكبر رموز الفساد في لبنان، إضافة إلى اتهامه بالتبعية لحزب الله واستغلال منصبه الوزاري لتنفيذ أجندات إقليمية تتناقض وموقع لبنان العربي، مثلما حصل في اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب حيث خرج عن الإجماع العربي بإصراره على الاعتراف بالنظام السوري وإعلانه نيته القيام بزيارة رسمية إلى دمشق. مصدر سياسي لبناني علّق على إجماع مليوني لبنانَي في الساحات اللبنانية وإطلاقهم شعارات مناهضة لجبران باسيل قائلاً إن “المشكلة هي أن الرئيس ميشال عون لم يقرأ بعد ما يحصل في الشارع، أو لا يريد الاعتراف به وهو لا يزال يستمر بالتصرف كالنعامة، ولكن لا يمكن أن تستمر الأمور على ما هي عليه في ظل اندلاع الثورة”، معتبراً أن أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تراجع ثقة اللبنانيين بالعهد الحالي هو اعتماد الرئيس عون على صهره باسيل بإدارة العملية السياسية في البلاد.
المجتمع الدولي يرصد
وتوقف المصدر عند إطلالة باسيل لمخاطبة الشعب اللبناني في الأيام الأولى لانطلاق الحراك الشعبي من القصر الرئاسي وتوجهه إلى اللبنانيين وكأنه رئيس البلاد، مشيراً إلى قوله إن “التظاهرات ليست موجهة ضده وإن التيار الوطني الحر جزء من الشعب ويحمل مطالبه”، ما أثار ردود فعل سلبية تجاهه، متهمين إياه بالاستخفاف بالرأي العام وإجراء محاولة بائسة للتعتيم على غضب الشارع. ولفت المصدر إلى أن الرأي العام المحلي والدولي تابع نبض الشارع اللبناني ومناهضته سياسة جبران باسيل وهذا أمر كاف للقضاء على أي فرصة مستقبلية للقبول بدعم باسيل لرئاسة الجمهورية، مضيفاً أن “هناك استحالة أن تدعم دول غربية مرشحاً غير مرغوب به شعبياً بهذا الشكل الواسع وقد كشفت تلك التظاهرات حجم الرفض غير المسبوق”.
الصهر الثاني يعرقل الأول
وشددت المصادر عينها على أن عائقاً آخر يقف بوجه وصول باسيل إلى الرئاسة الأولى، وهو انقسام التيار الوطني الحر بين “الصهرين” (صهرَي رئيس الجمهورية) أي بين باسيل والنائب شامل روكز الذي تؤيده مجموعة واسعة من أنصار الرئيس عون. كما أن المعارضة المنشقة عن التيار الوطني الحر بسبب خلافها مع باسيل تدعم روكز علناً، ما يضعف موقف باسيل ضمن بيئته الضيقة. وتعتبر المصادر أن قيادة النائب شامل روكز لفريق واسع محسوب على الرئيس عون يظهر حجم الصراع الحاصل داخل تياره، إضافة الى إمكانية خروج أجنحة أخرى عدة عن عباءة التيار الوطني الحر وهذا أمر يضعف شرعية باسيل ضمن حزبه الذي قد يكون لديه أكثر من مرشح للرئاسة.
التضحية بباسيل
في السياق ذاته، طالب رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، في حديث صحافي الرئيس ميشال عون بالتصرف بأقصى سرعة ممكنة، قبل أن تنفجر الأزمة بين يديه، مضيفاً “أن فريق العهد نال صفر على عشرة في مجال إدارة الدولة، بينما نال عشرة على عشرة في مجال العَرقلة”. وقال فرنجية “إذا أراد عون أن ينقذ الجزء الثاني من ولايته، ربما سيكون مضطراً لأن يضحّي بجبران باسيل”. كذلك شدد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أعلن رفض حزبه للورقة الاقتصادية المقدمة من الحريري، على أن وزراءه لا يمكن أن يبقوا في الحكومة بوجود باسيل، مطالباً إياه بالتنحي عن منصبه، ووصفه بـ “رمز الاستبداد الحكومي”.
الورقة الإصلاحية لن تمر
وحول استجابة المتظاهرين للورقة الإصلاحية التي قدمها رئيس الحكومة وأقرها مجلس الوزراء اللبناني، أكدت مصادر المتظاهرين أن “الشعب اللبناني لن يعطي الثقة لهذه الورقة التي يعمل تحالف الفساد والسلاح على تنفيذها”، معتبرةً أنها “مجرد عملية التفاف واضحة على الشعب باتت مكشوفة ولن تنطلي على أحد بعد الآن”.
ولفتت المصادر ذاتها إلى أن “حزب القوات اللبنانية انسجم مع خطابه بالانسحاب من الحكومة تلبيةً لمطالب الشارع بعكس الفرقاء الآخرين الذين يعانون من انفصام بينهم وبين قاعدتهم الشعبية من ناحية، وازدواجية الخطاب من ناحية ثانية”. وعن سبب تركيز شعارات التظاهرات ضد الوزير باسيل، لفتت المصادر إلى أن الشعارات تُطلق عفوياً من الشارع وتمثل نبض الناس الذين يحمّلون باسيل مسؤولية انهيار البلاد على الصعيدين السياسي والاقتصادي انطلاقاً من الهامش الواسع من الصلاحيات المعطاة إليه من جانب رئيس الجمهورية، رافضةً الاتهامات التي يحاول بعض رجال السلطة توجيهها إلى المتظاهرين بأنهم يتحركون وفق أجندات خارجية. وشددت المصادر على أن ازدراء الطبقة الحاكمة وعدم اكتراثها لنبض الشعب هي المحرك الأول والأخير، متهمةً السلطة السياسية بأنها هي مَن تتحرك وفق أجندات خارجية لدرجة أنها باتت تتصرف وكأنها على كوكب آخر.

الشيعة لبنانيون أولاً ونصرالله أمام طريقين: مقتدى الصدر أم سليماني؟
أحمد عياش/النهار21 تشرين الأول/2019
حدث 17 تشرين الاول الذي صار بداية مرحلة جديدة في تاريخ لبنان، يمتاز بتطور غير مسبوق منذ ثمانينات القرن الماضي، تمثّل بمشاركة الجنوب والبقاع في هذا الحدث الذي شمل لبنان بأسره. وعندما يجري التركيز على هاتين المنطقتين، يعني ذلك ان معقل نفوذ “حزب الله”، وللمرة الاولى منذ عقود، يشهد تحركاً لم يأذن به الحزب، الامر الذي لا يغيّر صورة هاتين المنطقتين فحسب، بل يغيّر صورة لبنان بأسره. في معلومات لـ”النهار” من اوساط شيعية معارضة، انها فوجئت بحجم تجاوب المواطنين في عدد من المناطق الجنوبية، وتحديداً في صور والنبطية، مع حركة التظاهرات التي انطلقت مساء الخميس 17 الجاري في عدد من شوارع بيروت، وكانت في طليعتها مجموعة “حلّوا عنّا” التي يقول الناشط البارز فيها الزميل محمود فقيه إن بدايتها كانت تظاهرة ضمّت 30 ناشطاً وتحوّلت سريعاً الى بضعة آلاف وضمّت مواطنين لا ينضوون تحت أية لافتة.
تروي هذه الاوساط ان أنصاراً لها عندما نزلوا الى شوارع النبطية حاذروا ان يكونوا في مقدّم الصفوف كي لا تُرمى التظاهرة بأية شبهة. لكن سرعان ما تبيّن ان هتافات المتظاهرين أسقطت محظورات سادت عشرات الاعوام في هذه المنطقة وذلك عندما تناولت بالانتقاد الجارح رئيس مجلس النواب نبيه بري، قبل ان يتطور الموقف باستهداف منازل ومكاتب شخصيات تابعة لحركة “أمل” و”حزب الله”. أما في صور فكان المشهد صاخباً، الامر الذي فاجأ مسؤولي “أمل” التي كانت تعتبر المنطقة معقلها الرئيسي منذ أيام مؤسسها الامام موسى الصدر. حتى ان الهجوم على استراحة صور الشهيرة جاء تحت شبهة ملكيتها من أحد افراد أسرة الرئيس بري، على رغم ان هذه الاوساط تنفي هذه الشبهة.
في البقاع عموما، والشمالي خصوصا، كان المشهد مفاجئاً أيضاً، وخصوصاً يوم السبت الماضي، بعد مرور 48 ساعة على اندلاع التظاهرات. في هذا اليوم الذي أعدَّ فيه الحزب العدّة لاحياء ذكرى أربعين استشهاد الامام الحسين في بعلبك، تبيّن للمنظمين ان الحشد الذي كانوا يتطلعون اليه كان دون المرتجى، في وقت كانت التجمعات الغاضبة من الازمة المعيشية تنتشر على امتداد السهل من الجنوب الى الشرق ومن الغرب الى الشمال. وربط المراقبون بين هذا التطور وبين التوتر الذي ميّز خطاب الامين العام للحزب حسن نصرالله الذي ألقاه في المناسبة.
ما قام به الحزب سريعاً بتطويق التظاهرات التي انطلقت في الضاحية الجنوبية لبيروت، والمواجهة المحدودة التي شهدتها صور بين المتظاهرين وبين أنصار “أمل”، أعطى الاشارة الاولى الى ان سيطرة “الثنائي الشيعي” على “البيئة الحاضنة” بدأت تتراجع. وفي رأي المرقبين ان “ثورة لبنان الجديدة إكتمل عقدها بالتحرك الشيعي الذي أكد ان هناك توقاً داخل هذه الطائفة لإثبات ان الشيعة لبنانيون اولاً، وقد حانت هذه الفرصة الآن عبر بوابة الازمة المعيشية التي وحّدت كل اللبنانيين بعد عقود من الانقسام”.
الاسئلة بدأت تكبر حول ما سيفعله “حزب الله” كي يستعيد الولاء الكامل لطائفته تقريباً، كما كانت الحال عشية 17 تشرين الاول. ومَن استمع الى نصرالله السبت الماضي، تبيّن له ان الاخير لوّح بـ”جزرة” الاعتراف بمشروعية التظاهرات وبـ”عصا” الانقضاض عليها بتظاهرات هائلة، وهذا ما أثار مخاوف من تكرار السيناريو العراقي الاخير الذي شهد قمعاً دموياً على يد أدوات تابعة لإيران رداً على انتفاضة العراقيين احتجاجاً على أزمتهم المعيشية. وفي المناقشات الدائرة حالياً في اوساط سياسية، ان المخاوف من عنف “حزب الله” لها مبرراتها، لكنه يصطدم بفوارق بين لبنان والعراق. فلبنان بلد أقليات وليس بلد أكثرية محددة كما هو العراق. وإذا كان الرد قد جاء دموياً في العراق بذريعة انه جرى بيد شيعية ضد شيعة، فهذا الامر صعب في لبنان لإخماد اعتراض عابر للطوائف. في العراق، وبالأمس، أطلق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر تغريدة خاطب فيها المتظاهرين قائلاً: “إن تظاهراتكم جعلت الطبقة السياسية تعيش في رعب كامل”، ما طرح احتمال انضمام أنصار الصدر إلى تظاهرات الجمعة المقبل التي يجري الحشد لها. في إيران، لا تزال تجربة القمع الدموي لقوات النظام الايراني بحق الثورة الخضراء عام 2009 في ذاكرة الايرانيين، والتي حاكاها القمع الاخير في العراق. أين نصرالله من هاتين التجربتين؟ بالطبع جاهر نصرالله، ولا يزال، باقتدائه خطى جيش الوليّ الفقيه، وتحديداً “فيلق القدس” في الحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني. إذا اراد زعيم “حزب الله” اختيار النموذج العراقي فلديه عمامة مقتدى الصدر. أما إذا التزم الانتماء الى الوليّ الفقيه فلديه قبعة الجنرال سليماني. الفارق سيكون مهما بالنسبة الى لبنان تبعاً لما سيقرره نصرالله هذه الايام.

تابوت العهد” بل تابوت الفساد والنظام
عقل العويط/النهار21 تشرين الأول/2019
كان عليكم أنْ تسهروا طويلًا تحت سماءٍ نكراء، وأنْ تنقّبوا عميقًا في جمر الأوجاع غير القابلة للاحتمال، لتعثروا على مسمارٍ ملائم. عندما قيل إنّكم عثرتم عليه، كان ينبغي لكم أنْ تطرقوا المعدن طرقًا مهيبًا، لا لتدجّنوه أو لتروّضوه، ولا خصوصًا لتنالوا من كرامته المشاكسة، بل فقط لترهّفوا عقله الباطن، ولتمسحوه بالزيت، ولتدهنوه، وتطيِّبوه، من أجل أنْ يكون صالحًا في لحظة الصعق لإنجاز المهمّة المستحيلة. إنّكم تعملون بدقّةٍ وبصبرٍ وبطول أناة. يا لكم نحّاتين صابرين. ليلُكُم موصولٌ بنهاراتكم المضنية. لن نشتّت انتباهكم، ولن نطلب منكم أعمالًا أخرى، لئلّا يقع المسمار في غير موقعه.
هذا الشغل الطيّب الأنيق، لا يتطلّب انفعالًا أهوَج، ولا عنفًا متوتّرًا أو موتورًا.
هذا الشغل الطيّب الأنيق يتطلّب فقط حضور الروح بنسائمه، ويتطلّب انشغال الكلّ بالكلّ، واندراج الكلّ في الكلّ، بحيث يستحيل على الحواسّ أنْ تنجز عملها المتقن بدون أنْ ينضمّ بعضها على بعض، وبدون التئام كيمياء الانسجام بين حنكة العقل وذكاء القلب.
نحّاتون، وتعرفون عدّة الشغل، وتعرفون أنّ غبارًا لئيمًا يتصاعد في فضاء عيونكم، وسيتصاعد أكثر وأعمق، وقد يفسد عليكم الإمساك بتلابيب الرؤية لوضع المسمار في موضعه اللائق والأنيق. لكنّكم تحدسون طرق العبور حدسًا، وترون بالشغف ما لا يُرى بالعين.
ها أنتم تتفادون الارتطام بتلك العروق الدفينة في جسد الذهب والخشب، وها أنتم تأنفون المساس بها، لا خوفًا أو تهيّبًا، بل فقط لئلّا يتوسّع التضيّق اللازم في النفق، فيفضي إلى تسلّل هواءٍ مسموم، أو إلى انزياح المسمار عن خطّ المسار.
نحّاتون شغّيلة، تعملون ليل نهار. وجدانُكُم الجمعيّ موصولٌ بفكرةٍ لا تحتاج إلى هواءٍ معلنٍ لتندلع في كلّ مكان. قد تحتاجون إلى جولةٍ أخرى من التعب الجمعيّ، أو إلى جولاتٍ متواليات. وقد تحتاجون إلى ليالٍ عميقةٍ موصولةٍ بليالٍ ولا أعمق. وقد تحتاجون إلى عبقريّاتٍ غير مسبوقة، من أجل استدراج الأمل إلى الصهوة العليا. لكنّ المسمار يدخل رويدًا رويدًا في نخاع الليل، وفي نخاع الذهب والخشب. إنّه يدخل، ببطءٍ وتؤدة، أيّها الأحرار، وقد يتباطأ، لكنّه يدخل حقًّا وحقيقةً. فإيّاكم أنْ تخطئوا التهديف، أو تحرِّفوا المسار. مسمارُكم أمينٌ، هادفٌ، وعارفٌ مصيره. فيا لمواهبكم، ويا لمواهب هذا المسمار! إنّه، كمَن يسيل في الباطن. وكنبعٍ يجري كالأنهار. وهو، كمَن يشقّ ذهبًا أعمى، أو عتمةً بكماء. وهو، كمَن يحفر هواءً واطئًا وثقيلًا في باطن العدم. تعملون، أيّها النحّاتون الأشاوس، على الأرض، وفي كلّ مكان. لن يفلت المسمار من أزميلكم، ولا تابوت الذهب أو الخشب. وأنتم ستدقّون المسمار دقًّا مهيبًا في النخاع الشوكيّ لهذا العدم. وسيأتي الوقت الذي ترتّبون فيه التابوت، ليليق بالمقام الرفيع. وإذا كان التابوت، على قول الكتب، هو “تابوت العهد”، فالتابوت المقصود هنا، هو تابوت النظام، بل، وأيضًا، تابوت العهد والفساد والنظام، أيّها الأحرار.

ثورة في لبنان في عهد “حزب الله”
خيرالله خيرالله/العرب/21 تشرين الأول/2019
في ظلّ الثورة الشعبية الحقيقية التي يشهدها لبنان، من الضروري عدم إضاعة البوصلة السياسية من جهة، والاعتراف بأنّ المأزق اللبناني عميق إلى درجة تجعل من الصعب الكلام عن مخارج من جهة أخرى. هذا عائد أساسا إلى أنّه لا يستطيع أيّ بلد في العالم العيش والنمو والتطور في ظل شرعيتين؛ شرعية الدولة وشرعية الدويلة التي صارت أكبر من الدولة. هناك شباب لبناني نزل إلى الشارع. شباب يبحث عن مستقبله في بلد صار يحكمه “المرشد” الذي بات يعتبر نفسه فوق كل الرؤساء والرئاسات وكلّ المؤسسات. هذا “المرشد” هو حسن نصرالله الأمين العام لميليشيا مذهبية مسلّحة تشكّل جزءا لا يتجزّأ من “الحرس الثوري” الإيراني. هذا هو السبب الحقيقي للمأزق اللبناني الذي جعل الشعب كلّه ينتفض على النظام الجديد الذي فرضه “حزب الله” على لبنان واللبنانيين. اسم هذا النظام هو “العهد القوي” الذي يؤكد نصرالله بلهجة تهديدية في خطابه الأخير أن لا أحد يستطيع إسقاطه. بالنسبة إلى نصرالله، إن هذا العهد هو عهد “حزب الله”.
في النهاية، إن “حزب الله” يدافع عن النظام الذي أقامه في لبنان، والذي حوّل البلد تابعا لإيران بطريقة أو بأخرى. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت هناك تلك الانتفاضة العارمة التي شملت كلّ منطقة من المناطق اللبنانية، بما في ذلك الجنوب اللبناني حيث بات المواطن الشيعي العادي يعترض على سياسات الثنائي الشيعي، أي “حزب الله” وحركة “أمل”. لا يستطيع “حزب الله”، الذي احتكر مع “أمل” كلّ المقاعد الشيعية في مجلس النوّاب اللبناني وكلّ الوزراء الشيعة في الحكومة، نفي مسؤوليته عمّا آلت إليه حركة “أمل” التي يتهمّها الناس بأنّها تحوّلت إلى رمز من رموز الفساد في البلد.
ما كان لحركة “أمل” بلوغ الوضع الذي بلغته من دون “حزب الله”. ما كان لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، رئيس حركة “أمل”، البقاء كل هذه السنوات في موقعه من دون “حزب الله”. من هذا المنطلق، على اللبنانيين الذين تظاهروا، أو الذين بقوا في بيوتهم، ألا يضحكوا على أنفسهم. في أساس الدخول في النفق المظلم الذي دخله لبنان، ممارسات “حزب الله” الذي رفض في أيّ وقت أن يكون حزبا لبنانيا في خدمة لبنان واللبنانيين. ليست لدى الحزب من مهمّة سوى خدمة إيران ومصالحها حتّى لو كان الثمن حصول انهيار لبناني، بكل ما لكلمة انهيار من معنى.
مرت عملية وضع “حزب الله”، ومن خلفه إيران، يده على لبنان بمراحل مختلفة وصولا إلى الوضع الراهن الذي عنوانه “العهد القوي”. لا يمكن عزل ذلك عن فرض “حزب الله” مرشّحه رئيسا للجمهورية، وصولا إلى تشكيل الحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري الذي يبحث منذ سنتين، من دون نتيجة، عن حلول ومخارج انطلاقا من نتائج مؤتمر “سيدر” الذي انعقد في نيسان – أبريل من العام 2018. مرّت عملية وضع اليد الإيرانية على لبنان بحدث في غاية الأهمّية هو القانون الانتخابي الذي كان من صنع “حزب الله”، والذي لم يتنبه لبنانيون كثيرون إلى مدى خطورته على الوحدة الوطنية اللبنانية نظرا إلى أن الهدف من القانون كان واضحا كلّ الوضوح. تمثل الهدف في سيطرة لـ”حزب الله” على الطائفة الشيعية كليّا، وهو ما حصل بالفعل، وتأمين كتلة مسيحية كبيرة لـ”التيّار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل. في المقابل كان مطلوبا كسر زعامة سعد الحريري للسنّة وإضعاف وليد جنبلاط والدروز عموما، وتهميش سمير جعجع، على الرغم من عدد النواب الذي حصلت عليه “القوات اللبنانية”… وإلغاء حزب “الكتائب اللبنانية” وإخراجه من المعادلة السياسية اللبنانية.
ما أوصل البلد إلى هذا الوضع الصعب هو “حزب الله” ولا أحد آخر غير “حزب الله”. كل الباقي تفاصيل مملّة وبحث عن أعذار لتبرير عملية وضع اليد الإيرانية على لبنان بعد عزله عن محيطه العربي. من وضع نهاية لمشروع الإنماء والإعمار في العام 2005، كان “حزب الله” الذي تتهم المحكمة الدولية عناصر قيادية فيه بالوقوف وراء اغتيال رفيق الحريري. توقّف كلّ تطور ونموّ على الصعيد اللبناني منذ 2005. من كان لديه أيّ أمل في عودة لبنان إلى وضع طبيعي بعد خروج الاحتلال السوري من لبنان، تبدّد أمله بعدما نجح “حزب الله” في ملـء الفراغ الأمني والسياسي الذي نجم عن الانسحاب السوري في نيسان – أبريل 2005.
بين 2005 و2019، أي وصولا إلى الثورة الشعبية التي يمرّ فيها لبنان، من الطبيعي سعي “حزب الله” إلى الدفاع عن مكاسبه، وذلك بغض النظر عن حال البؤس والفقر التي يعاني منها المواطن العادي. يُفترض في حال البؤس والفقر ألّا تحول دون أن يطرح المواطن أسئلة بديهية يمكن أن تساعد في فهم الأسباب التي أدّت إلى الانهيار الاقتصادي. ليس ضروريا انسحاب حال البؤس والفقر على العقل اللبناني. لذلك لا مفرّ من التساؤل ما الذي جعل لبنان يزدهر في الماضي؟ الجواب أن ازدهاره لم يكن معزولا عن لعب دور النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية. هناك عرب كانوا يأتون إلى لبنان ويستثمرون فيه ويودعون أموالهم في مصارفه. من يتجرّأ الآن على إيداع أي مبلغ في أي مصرف لبناني بعدما أدخل “حزب الله” لبنان في دوّامة العقوبات الأميركية على إيران وأدواتها الإقليمية. استفاد لبنان في الماضي من كلّ الهزات الإقليمية. كانت الرساميل العربية تهرب إليه ولا تهرب منه. لم يعد لبنان في الوضع الراهن، وفي ظلّ “العهد القوي” الذي أسّس له “حزب الله”، غير مأوى للحوثيين في اليمن ومن على شاكلتهم من الذين أخذوا على عاتقهم الإساءة إلى كلّ دولة من دول الخليج العربي. هل هذه وظيفة لبنان في ظلّ النظام الذي أقامه “حزب الله”؟ تبقى وسط الظلام اللبناني نقطة مضيئة. أظهر شيعة لبنان، بأكثريتهم، أنّهم لبنانيون أوّلا، وذلك على الرغم من الجهود المستمرّة لـحزب الله” منذ ما يزيد على خمسة وثلاثين عاما من أجل تغيير طبيعة المجتمع الشيعي في البلد.
لا تخفي هذه النقطة المضيئة دخول لبنان مرحلة جديدة تتسّم بغياب الحلول السحرية. ليس مسموحا للحكومة التقدّم بأيّ مخارج من أيّ نوع. أما الذين نزلوا إلى الشارع فليس لديهم سوى التعبير عن اليأس. هذا اليأس نتيجة طبيعية لوجود دُويْلة تتحكّم بالدولة اللبنانية، دويلة تعتقد أن “العهد القوي” هو دولتها، وهو ثمرة لتراكمات وإنجازات بدأت تتحقّق في 2005 وتوجّت بتهديد حسن نصرالله لسعد الحريري، من دون أن يسمّيه، من مغبّة تقديم استقالة حكومته… هل من وقاحة أكثر من هذه الوقاحة!

خطط السلطة لإخماد الانتفاضة ووأد الربيع… تطويق الساحات واستنفار العصبيات الطائفي
ابراهيم حيدر/النهار21 تشرين الأول/2019
لم تهدأ ساحات الربيع اللبناني الناشئ، فاستمرت الإنتفاضة التي باتت تشكل علامة مضيئة في تاريخ البلد، وإن كانت اليوم معرضة لشتى أشكال الضغوط بعد القرارات التي اتخذتها الحكومة بإقرار مشروع موازنة 2020 والكلام الذي أغدقه رئيس الحكومة سعد الحريري للبنانيين الغاضبين بأن ما تقرر كانت مطالبه هو وليست مطالبهم، وأن ما تحقق في خمسة أيام هو إنجاز للإنتفاضة. لكن ما لم يقله الحريري كان يتسرب من الغرف الاخرى ومن أرض الإنتفاضة وهو قرار اتخذ لدى تحالف القوى المقررة في الحكم بضرورة تطويق التظاهرات وإخماد الإنتفاضة ووأد الربيع اللبناني من الجنوب إلى الشمال وبيروت، ليس من طريق القمع المباشر، إنما من خلال تمرّس قوى الأمر الواقع وهيمنتها على كل أساليب مصادرة حقوق الناس وتطويعها باستنفار الغرائز واستثارة العصبيات لدى جمهورها لتفكيك الحراك الشعبي.
انتظر اللبنانيون في الشارع كلاماً أكثر إقناعاً من رئيس حكومتهم، فإذا به يخرج بوعود تحت عنوان خطة إنقاذية طبخها بعد التشاور مع شركائه في الحكم، والتي يقول عنهم المتظاهرون شركاءه في المحاصصة، من دون أن يقدم إجراءات ملموسة تفضي إلى تنفيذ ما ورد في الوثيقة الإنقاذية، فيما تساءل شبان وشابات الثورة عن السرعة في إقرارها بعدما امتنعت الطبقة السياسية الحاكمة عن إدخال أي بند إصلاحي في الموازنة السابقة 2019 وقبلها، وهل يستطيع الحريري السير بالخطة إلى النهاية عند إحالة مشاريعها واقتراحاتها إلى مجلس النواب، أم أن القرارات مجرد وعود لكسر النبض اللبناني العابر للطوائف. لذا قرر جزء كبير من أهل الإنتفاضة الإستمرار في الشارع وإن تناقصت الاعداد بعد وعود السلطة بالإصلاح، طالما أن أهل الثورة غير موحدين على المطالب ولا يمكنهم إسقاط النظام في أيام قليلة، فإذا بالإستمرار في الساحات هو لتحسين الشروط ولفرض تنفيذ القرارات، وهو ما يعني استمرار الربيع المرشح للإشتعال مرة أخرى في الأيام المقبلة، وهو ما قد يدفع بالحريري إلى اتخاذ موقف مختلف لاحقاً.
وأياً تكن الخطوات التي ستشهدها الساحات، فإن ربيع الإنتفاضة الذي جمع اللبنانيين من كل الطوائف والمذاهب، يعيش بعد 5 أيام على مفترق طرق. وقد بدا أن شعار إسقاط النظام هو سابق لأوانه وفق مشاركين فاعلين في الإنتفاضة، فيما إستقالة الحكومة والعمل على تشكيل حكومة مستقلة من خارج الإصطفافات تقود عملية الإصلاح هو أقرب لقسم غالب من المتظاهرين. حتى هذا الشعار ليس جامعاً بين كل الذين نزلوا إلى الساحات، إذ أن الجيل الجديد من تلامذة المدارس وطلاب الجامعات يريدون إجراءات ملموسة تتعلق بقضاياهم في الدراسة والعمل والمعيشة، إلى إلغاء الضرائب وغيرها من المطالب المعيشية. وعلى هذا كانت الساحات عصية على الإستثمار السياسي، وهي كسرت الولاءات المطلقة، وواجهت محاولات تطييف التظاهرات ومذهبتها، وقد شهد الجنوب اللبناني المحطة الأبرز في الانتفاضة، إلى حد أن السلطة الحاكمة لم تدرك أن المشكلة الأولى والحقيقية فيها وليست في طرح أوراق إصلاحية وإغداق وعود خبرها اللبنانيون طوال السنوات الماضية. لا يقتنع المتظاهرون بما قدمه الحريري ومعه القوى الأخرى في الحكومة، خصوصاً وأنه تحدث عن مطالبه. ولعل الإنجاز الوحيد كان اعتراف الحكومة بالمحاصصة والسرقات، فكيف يمكن لقوى المحاصصة في الحكم، وفق الناشطين أن تقر خطوات إصلاحية بسرعة قياسية كما ظهر في الورقة الإصلاحية لامتصاص غضب الناس وهي أصل المشكلة في إيصال البلد إلى أزمته الراهنة؟ وهي ورقة لا تقدم إلا جزءاً من الحل، فيما تغييب الحلول الأخرى المرتبطة بقرارات تتعلق بوزراء وأشخاص لا يمكن استمرارهم في مهماتهم بسبب الفضائح التي ظهرت في ملفاتهم، علماً أن الناشطين يذكرون بمناقشات موازنة 2019 وكيف كانت الشروط المتبادلة عنواناً رئيسياً للمحاصصة، فيما أرجأت الحكومة في قراراتها التي تسميها إصلاحية ملفي استعادة الاموال المنهوبة ومكافحة الفساد إلى ما قبل آخر السنة، وهي قد تدفن في الادراج وفي التسويات.
في الغرف المغلقة كانت تحضيرات السلطة تتم على قدم وساق لإخماد الإنتفاضة. الحملات التي بدأت بتخوين المشاركين فيها وارتهانهم لأجندات أجنبية لم تنجح، وكذلك خرق الحراك وإحداث إنقسام فيه. لكن بعد قرارات الحكومة وانتهاء مهلة الـ72 ساعة، تبين أن لا استقالة حريرية من رئاسة الحكومة، فيما يحسم “حزب الله” ومعه العهد بمنع إسقاطها. لكن استمرار الإنتفاضة بالنسبة إلى السلطة يهدد مواقع قوى أساسية فيها، لذا شهدنا عمليات قمع في مناطق سيطرة طائفية وحزبية خصوصاً في الجنوب، ولم تمنع الناس من النزول الى الشارع. فإذا بالمعركة أصبحت مكشوفة بين جمهور لبناني قرر الإنتفاض على الفساد والتجويع والمحاصصة والضرائب وبين السلطة التي بدأت بالتحضير لخطط جديدة لإنهاء الإنتفاضة، من بينها وفق ما ينقله أحد السياسيين التوجه إلى إجراء تعديل حكومي في حال استمرت الساحات بالتحرك بعد القرارات الأخيرة، خصوصاً وأن “حزب الله” أبلغ الجميع بمنع إحداث أي تغيير سياسي حالياً في البنية السياسية للحكم، ولا بالتوجه الى انتخابات نيابية جديدة كما يطالب المتظاهرون، على رغم أن الإصلاح يبدأ بالسياسة وبالبرامج ولا يذهب الى الهامش. والإصلاح لا يمكن أن يعالج الخلل إلا بالتغيير. أما في حال بقيت الأمور على حالها، فإن الخطة بالاتفاق مع القوى النافذة في الحكم تقوم على إخماد الإنتفاضة بالقوة، وإن بطرق غير مباشرة، تبدأ بمحاصرة المعتصمين ومنع إقفال الطرق وترك فسحات صغيرة للتحرك ومنع التجمعات الكبرى الدامجة، ثم لجوء بعض القوى إلى التهديد بشارعها مقابل الإنتفاضة وتفكيكها تدريجاً إلى حد تصل معه الامور الى نسل السلطة يدها من الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة. لكن هذا السيناريو أمامه عقبات وأخطار، طالما أن اللبنانيين قرروا إحداث تغيير ومواجهة القمع المقنع والتخوين في ساحات الربيع.