منير الربيع: من وراء تهريب الدولار من السوق اللبناني إلى سوريا/عزة الحاج حسن الصرافون أحرار بتسعير الدولار والسوق السوداء تنشط

96

الصرافون “أحرار” بتسعير الدولار.. والسوق السوداء تنشط
عزة الحاج حسن/المدن/الخميس 26 أيلول/2019

من وراء تهريب الدولار من السوق اللبناني إلى سوريا؟
منير الربيع/المدن/الخميس 26 أيلول/2019
أسئلة كثيرة تطرح حول سبب فقدان الدولار من السوق، وبيعه في السوق السوداء، وارتفاع سعره. قاعدة العرض والطلب واضحة. لكنها لا تستقيم في لبنان، بما أن سعر صرف الدولار غير محرّر ومثبّت. أسباب عديدة تتداخل فيما بينها تنعكس على مجالات اقتصادية ونقدية ومالية مختلفة، هي التي تؤدي إلى هذه الأزمة. بعض الأجوبة البديهية والسريعة حول الأزمة الاقتصادية والمالية التي تستفحل في لبنان، تكون عادية وتحيل المشكلة إلى الفساد، والهدر وعدم وجود خطط اقتصادية، وكل هذه المعزوفة. بينما في الأساس، هو أن الاقتصاد في دولة مثل لبنان هو اقتصاد سياسي، يرتبط بتحولات وتطورات دولية وإقليمية. أما مسألة الفساد والهدر وغيرهما من هذه “الستائر”، فعلى الرغم من أهميتها ووجوب مكافحتها، إلا أن لبنان اعتاد التعايش معها منذ نشأته إلى اليوم. هو في أساس تركيبته وتكوينه، وعلى هذا الشكل من الصفقات والسمسرات. والجماعات السياسية فيه تعتاش على الفساد والهدر والزبائنية. ولم يسبق أن حصل انهيار أو وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه، لأن المظلة الإقليمية والدولية، والتوازنات هي التي تحفظ استقراره على الرغم من ترهله.
الليرة السورية وتبييض الأموال
الأهم والذي لم يلتفت إليه كثيرون هو أن ارتفاع سعر الدولار في لبنان، وبيعه في السوق السوداء، وفقدانه من الأسواق، تزامن مع انهيار سحيق لليرة السورية أمام الدولار، على نحو خطير. جاء ذلك، بعد أزمة محروقات كبيرة عاشتها سوريا، وحاول لبنان عبر بعض تجاره وجماعاته العمل على بيع محروقات من السوق اللبناني في السوق السوري. وهذا أيضاً يرتبط باستفحال الحديث محلياً وخارجياً حول المعابر غير الشرعية، أو حتى التهريب على المعابر الشرعية. قبل أشهر، تلقى لبنان تحذيرات دولية كثيرة وأميركية خصوصاً، للامتناع عن بيع المحروقات إلى سوريا، وإلا فإن الشركات التي تبيع المحروقات إلى سوريا ستكون عرضة لعقوبات. بالتزامن، كان الأزمات تعصف بالكثير من القطاعات التجارية وغير التجارية، فأدت بالعديد من المؤسسات إلى الإقفال. وبمعزل عن الأسباب الاقتصادية التي تحتّم ذلك فإن الأسباب الأساسية لهذه الإقفالات ترتبط أيضاً بما له علاقة بالسياسة، أو بكلام أوضح: تبييض الأموال، والخوف من العقوبات الأميركية، تحسباً لان تتوسع وتشمل هذه المؤسسات التي قد يكون لها علاقات بشكل أي بآخر مع حزب الله. فتجمعت كل هذه التطورات مع بعضها البعض، وأدت إلى استفحال الأزمة. وهذا لا ينفصل عن ربط الدول منح مساعداتها للبنان بالوصول إلى اتفاقات سياسية، تبدأ بترسيم الحدود ولا تنتهي بإقفال المعابر غير الشرعية، وما بينهما ما يتعلق بحزب الله وإيران.
الربح الوفير في السوق السوري
كل هذه العقوبات، التي تهدف واشنطن من خلالها إلى تطويق طهران، تنعكس بشكل مباشر على لبنان وسوريا. لكن اللبنانيين يعيشون دوماً في حالات إنكار للواقع، أو منهمكين وحسب بالحديث عن الإصلاح ووقف الهدر والفساد.
وبما أن الملفين اللبناني والسوري يرتبطان ببعضهما البعض، وفي ظل العقوبات القاسية التي تفرض على حزب الله أو بيئته، فهي بالتأكيد تؤثر على كل اللبنانيين، وعلى الوضع المالي والاقتصادي اللبناني. وكما كانت هناك محاولات لمراكمة الأرباح من قبل جماعات متعددة بواسطة بيع المحروقات إلى سوريا، هناك من يعمل على بيع الدولار من السوق اللبناني إلى السوق السوري. إذ يكمن الربح الوفير في الفارق بسعر الدولار بين لبنان وسوريا. وقد تسربت كميات ضخمة من عملة الدولار بهذه الطريقة من لبنان إلى سوريا. ولذا لجأ مصرف لبنان إلى وقف السحوبات المالية بالدولار، بعد تحذيرات خارجية، وخوفاً من فقدان المزيد من الدولار من السوق. يعلن الأميركيون أنهم لا يريدون استهداف الدولة اللبنانية، ولكن بشكل مباشر أو غير مباشر هي مستهدفة، وأزمة الدولار والليرة هي إحدى أبرز تداعياتها. وهذه وحدها كفيلة للتأكيد على أن الأزمة الحقيقية سياسية، خصوصاً أن الاقتصاد اللبناني كله مبني إما على المال الخارجي، أو على السوق المفتوح أمام كل الرساميل وتدفقها. وقد بات تدفق التحويلات من الخارج يواجه صعوبات كثيرة حالياً. وفي الفترة الأخيرة، حدثت محاولات كثيرة لإخراج الدولار من سوريا، عبر نقل متمولين سوريين لأموالهم إلى لبنان خوفاً من مصادرتها من قبل النظام السوري. هذا الأمر تقابله عمليات عديدة لإخراج الدولار من لبنان باتجاه سوريا وبيعه هناك، فيتوفر الدولار في السوق السوري، والبائع يحقق أرباحاً كبيرة.
الالتفاف على العقوبات
أميركا تعتبر أنه عقوباتها تضعف حزب الله، بينما العكس هو الصحيح. العقوبات تعزز شعبية حزب الله. وقوته تمنحه فرص التعويض المالي بطرق مختلفة، ومن يتضرر هو الدولة اللبنانية. وحالياً، يجد حزب الله أساليبه للرد على العقوبات الأميركية، بالإلتفاف عليها في ساحات مفتوحة كسوريا وغيرها ربما. وكما واشنطن حريصة على الحفاظ على الدولة اللبنانية، حزب الله أيضاً سيكون لديه هذا الحرص، لأن الوضع اختلف عما كان عليه في السابق. هو الآن منتصر في لبنان ويريد حماية انتصاره. وأي انهيار قد ينعكس عليه أو يغير “الستاتيكو” القائم.
على أي لا يمكن إغفال حقيقة أن الدولة اللبنانية تكذب على نفسها وعلى الناس. إذ أن مصرف لبنان غير قادر على ضخ دولار في السوق، وقد تم تحرير سعره عملياً لدى الصرافين، وتعمل معظم الشركات والمؤسسات على احتسابه وفق سعر السوق، وليس السعر المحدد من قبل الدولة. وهذه عملياً هي عملية احتيال على الناس، لأن المعنيين لا يريدون مصارحة اللبنانيين بحقيقة الأمر، ويكررون أن سعر الليرة مستقر، بينما غايتهم تحرير سعرها، من دون الإعلان عن ذلك، وهذا ما قد يرفع سعر الدولار الأسبوع المقبل إلى 1700 ليرة، بينما سيعمل مصرف لبنان على تغطية شراء السلع الأساسية، من محروقات وطحين، بسعر الدولار الملعن عنه. وهذا يعني أن لبنان دخل في تحول كبير لنظامه المالي والاقتصادي

الصرافون “أحرار” بتسعير الدولار.. والسوق السوداء تنشط
عزة الحاج حسن/المدن/الخميس 26 أيلول/2019
يتساءل كُثر عن الأسباب الحقيقية التي تدفع بقطاع الصيرفة اليوم في لبنان إلى الاستئثار بتسعير الدولار مقابل الليرة. إذ أن بعض الصرافين سجل رقماً قياسياً في تسعير الدولار خلال الـ48 ساعة الماضية بلغ 1600 ليرة، ومن المرجّح استمرار صعود السعر تزامناً مع شحّ الدولار من الأسواق وارتفاع الطلب عليه..
لماذا لا يلتزم الصرّافون بسعر الصرف الرسمي للدولار المحدّد من قبل مصرف لبنان؟ ولماذا لا يفرض مصرف لبنان عليهم التزام سعر الصرف الرسمي؟ وهل من قوانين تُلزم الصرّاف على غرار المصارف باعتماد سعر الصرف الرسمي للدولار؟ أسئلة كثيرة يطرحها مواطنون وحتى رسميين، لم يكلّفوا أنفسهم عناء الإطلاع على قانون مزاولة مهنة الصيرفة.
قانون تنظيم مزاولة مهنة الصرافة في لبنان لا يتضمّن نصاً واضحاً لجهة إلتزام الصراف بسعر الصرف الرسمي، بل يتعامل بموجب القانون المذكور مع العملات كسلع خاضعة لعملية العرض والطلب.
يتضمّن القانون الكثير من التفاصيل التنظيمية، لجهة التأسيس ورأس المال وطريقة الحسابات اليومية وصولاً إلى عملية بيع وشراء العملات. ويحذر بشكل واضح الصرافين من تلقي الودائع والتعامل بالتحويلات المالية وغيرها من المهام الموكلة إلى المصارف.
في لبنان 734 شركة صرافة مرخصة من المجلس المركزي لمصرف لبنان. يحق لها بحسب فئة شركة الصرافة (فئة أ أو فئة ب) شراء وبيع العملات الاجنبية مقابل أي عملة أجنبية أخرى، أو مقابل العملة اللبنانية شراء أوراق نقدية أو قطع معدنية، وشراء وبيع القطع والسبائك المعدنية والمسكوكات والتحاويل والشيكات والشيكات السياحية، ضمن سقف يحدده مصرف لبنان. وكل تلك الصلاحيات والأعمال تخضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف التابعة لمصرف لبنان، ولا تخضع سجلات وقيود ومحاسبة مؤسسات الصرافة لأحكام قانون سرية المصارف. من هنا يوضح نقيب الصرافين محمود مراد في حديث إلى “المدن” أن قطاع الصرافة هو سوق نقدي لا علاقة له بالمنظومة المصرفية، ويرتبط عمله بشكل أساسي بسوق العرض والطلب الذي يحكم مسار سعر العملات.
عرض وطلب
ونظراً إلى شح الدولار في الآونة الأخيرة نتيجة إجراءات اعتمدتها المصارف ومصرف لبنان لضبط عملية تسرّب الدولار، في ظل انخفاض الإحتياطات الأجنبية وتراجع مستوى الودائع، توجّه المواطنون والتجار إلى قطاع الصرافة للإستحصال على العملة الأجنبية، وتعويض النقص بالسوق. فكان بديهياً ارتفاع قيمة العملة التي تتعرض لطلب كبير. وهو ما حصل فعلاً بسعر الدولار إذ بدأ بالارتفاع تزامناً مع ارتفاع الطلب عليه من قبل موزعي المحروقات والمقاولين ومستوردي الأدوية والمواطنين وسواهم، حتى أنه بلغ 1600 ليرة مؤخراً. ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات قياسية دفع ببعض التجار، والمواطنين الطامحين لتحقيق أرباح، إلى الإتجار بالعملة الخضراء بشكل مباشر ومخالف للقانون. وهو ما لم يكن خافياً على مصرف لبنان ولا على لجنة الرقابة على المصارف، لاسيما بعد عرض الصرافين هذا الأمر عليها، وفق تأكيد مراد. فالصرافون تقدّموا بشكوى إلى لجنة الرقابة على المصارف يحذرون فيها من “فلتان” السوق.
وأكثر ما يثير الاستغراب هو إقدام القوى الأمنية مؤخراً على توقيف عدد من الصرافين المرخصين بتهمة صرف الدولار بغير سعره الرسمي، قبل أن يتم إخلاء سبيلهم. هذه الضغوط نقلها وفد من الصرافين إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي أعاد تأكيد قانونية عملهم وفق ما نقل مراد عنه.
“حرية” التسعير
وانطلاقاً من عدم قانونية إلزام الصرافين بالسعر الرسمي للدولار، نعود لنذكّر بحديث أحد أعضاء لجنة الرقابة على المصارف، كانت “المدن” نشرته في وقت سابق، يقول فيه أن الصرافين وإن كانوا يعملون بموجب ترخيص من مصرف لبنان، ويخضعون لرقابة لجنة الرقابة على المصارف، إلا أن القانون يجيز لهم بيع الدولار أو أي عملة أخرى بأعلى من سعرها الحقيقي. فالصراف يعمل وفق مبدأ العرض والطلب ولجنة الرقابة على المصارف ليست غافلة عن قطاع الصرافة، بل تتشدّد بالرقابة عليه. لكن لا يمكنها منع الصرافين من بيع الدولار بأعلى من سعره الحقيقي، طالما أنهم يعملون وفق ما يسمح به القانون. فعلاقة لجنة الرقابة على المصارف مع الصرافين تشمل فقط المخالفات لجهة تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب أو تسهيل تلك الجرائم أو مخالفة الصراف لجهة تلقي ودائع أو تحويلات وغيرها من الأمور التي يمنعه القانون من القيام بها.
“قانونية” التسعير
وعما إذا كان من نص قانوني يفرض على الصرافين الإلتزام بسعر الصرف الرسمي، أوضح المرجع القانوني الدكتور بول مرقص في حديث إلى “المدن”، أن إشكالية قانونية تقع بين النظام الاقتصادي الليبرالي الحر القائم على حرية القطع وحرية التحاويل والتداول من جهة، وبين مقتضيات الحفاظ على سعر الصرف والاستقرار النقدي في البلد من جهة أخرى. وطالما أنه ليس هناك من نص يمنح صراحة وعلى نحو مباشر هامش ربحي للصرافين، نعود إلى الأصل وإلى المبدأ القاضي بحرية القطع وحرية التداول.
سلامة والدولار
وبالعودة إلى كلام حاكم مصرف لبنان منذ أيام، عن أن البنوك اللبنانية تلبي طلب العملاء على الدولار، مع إمكانية السحب من أجهزة الصراف الآلي في معظم البنوك، وتأكيده أن الدولار متوفر في لبنان والكلام عن شحه غير دقيق.. رب سؤال: إذا كان كلام الحاكم دقيقاً، إذاً، ما تفسير ارتفاع الطلب على الدولار؟ وفي حال صحة تطمينات سلامة عن أن احتياطيات البنك المركزي تتجاوز 38.5 مليار دولار، وهو حاضر في السوق ولا حاجة إلى إجراءات استثنائية، إذاً، لماذا تتخذ المصارف إجراءات قاسية للحفاظ على موجوداتها من الدولار؟ ولماذا علّقت عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار؟ ولماذا وضعت سقوفاً للسحوبات بالعملة الأجنبية؟
كل تلك الإجراءات المصرفية الهادفة إلى الحفاظ على السيولة من النقد الأجنبية، وما يرافقها من شح بالدولار في الأسواق والارتفاع الصاروخي لتسعيره لدى سوق الصرافة، وبالتوازي مع إعلان مصرف لبنان عزمه تنظيم عمليات تمويل استيراد القمح والبنزين والدواء بالدولار، وتوضيح ذلك يوم الثلاثاء المقبل، لا يشي سوى بفك الارتباط بين الليرة والدولار، وإن بطريقة غير معلنة حتى اللحظة. واختبار السوق من قبل مصرف لبنان قبل إعلان السوق السوداء للدولار أمراً واقعاً على الجميع التعامل معه باستثناء القطاعات (المحروقات والقمح والدواء) التي ذكرها سلامة وأعلن نية مصرف لبنان تنظيم عمليات تمويل استيرادها بالدولار.