من أرشيف عام 2009/من تلفزيون المر مقابلة بالصوت مع الأباتي بولس نعمان/ومقالتين ومقابلة معه أيضاً من الأرشيف

175

من أرشيف عام 2009/من تلفزيون المر مقابلة بالصوت مع الأباتي بولس نعمان/ومقالتين ومقابلة معه أيضاً من الأرشيف

من أرشيف عام 2009/من تلفزيون المر مقابلة بالصوت/فورمات/WMA/مع الأباتي بولس نعمان/13 أيلول/2009/أضغط هنا للإستماع للمقابلة

مع الحكيم الاباتي بولس نعمان
علي حماده/النهار/07 تشرين الأول/2008

“الانسان الوطن الحريّة”… مذكرات الأباتي بولس نعمان
الأباتي بولس نعمان
منصور بو داغر/نقلاص عن موقع شهادتنا/24 حزيران/2009

الأباتي بولس نعمان إن حكى: ما يحدث في العالم العربي عشناه منذ ألف سنة من دون ثورات…أمّا عن بقاء لبنان عاصمة للموارنة في العالم فيقول
فريق أليتيا ©هيثم الشاعر | مايو 10, 2016

مع الحكيم الاباتي بولس نعمان
علي حماده/النهار/07 تشرين الأول/2008
في الحديث الذي أجراه بالامس الزميل بيار عطاالله في “النهار” مع رئيس الرهبانية المارونية الاسبق الاباتي بولس نعمان، في مقر اقامته الحالي في دير سيدة المعونات في جبيل، عصارة تجربة غنية في الحياة العامة اللبنانية في فترة من اصعب الفترات التي عبرها الوطن الصغير بمساحته، الكبير بأزماته السياسية والوجودية، وفيه الكثير من حكمة الناظرين الى الامور من موقع “المراقب الملتزم”، واهم ما فيه حكمة من يستخدم اسقاطات تاريخية على واقع راهن يعيشه لبنان الذي لم يتعب من “مواعدة” الصعاب والشقاء. وكأن قلة قليلة وحدها تفيد من التجارب، ولكنها تكاد تكون معزولة امام زحمة من يرفضون الاحتكام الى حقائق، او التعلم مما وممن سبق.
أهم النقاط التي تستوقفنا في حديث الاباتي نعمان، الذي كنا نتمنى لو انه افاض فيه اكثر مما فعل، تركيزه على موقع المسيحيين في لبنان، آسفا لكونهم لم يلعبوا دور الجامع بين المسلمين، فانخرطوا بدل ذلك في صراعات يعتبر نعمان انها سنية – شيعية. لكن نعمان، وهنا الاهم، يعود في مكان آخر ليعتبر “العناية الالهية تدخلت وأوجدت للبنان مدافعين جددا عن الحرية والديموقراطية لم نحلم ان يقفوا بجانبنا (المسيحيين) وهم السنة الذين يحملون شعاراتنا، اما الدروز فكانوا دائما مع شعارات الحرية، وهم اليوم يزايدون (بالمعنى الايجابي) علينا في دفاعهم المستميت عنها. ومن الاكيد ان الهوية الاستقلالية اللبنانية قد عمت غالبية الطوائف اللبنانية…
ومن دون ان نوافق الاباتي نعمان على حصره ازمات لبنان بصراع سني – شيعي لا نؤمن به اطلاقا، نستشف منه مقاربة تاريخية لواقع اسست له ثورة الارز التي انفجرت عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2004، وشكلت مفصلا تاريخيا في مغادرة السنة اللبنانيين ضفة المتعايشين مع الوصاية السورية، فالتقى جناحان لبنانيان اساسيان لصنع استقلال لبناني ثان، عرقله ما يعتبره نعمان في مكان آخر من الحديث “ان الطائفة الشيعية مخطوفة لمصلحة المشروع الايراني بواسطة المال والسلاح”. وما كانت ثورة الارز ممكنة لولا انتقال المسلمين بقيادة الحريري الذي مهد لذلك بالتمرد على السوريين تارة بالمواربة عبر بوابة الاقتصاد عندما عمل على تكبير حجمه بأي ثمن لتذويب السيطرة السورية على مراحل، ثم مجاهرة عندما رفض التمديد لمرشح سوريا في الرئاسة خريف 2004.
واذا كان من ايجابية، اقله نظريا، لفكرة التحالف الرباعي الذي حصل بين قوى 14 آذار الاسلامية والثنائي الشيعي في انتخابات 2005، فهي انها شكلت محاولة (وإن فاشلة) لفتح بوابة واسعة امام الطائفة الشيعية للعبور الى المشروع الاستقلالي، الامر الذي لم يحصل بسبب رجحان ارتباط كل من “حزب الله” وحركة “أمل” بأجندتي ايران وسوريا في لبنان. فسقطت المحاولة التي جرى استغلالها انتخابيا على الساحة المسيحية في الشكل الديماغوجي المعروف، لكي تستبدل بعد اقل من ستة أشهر بوثيقة تفاهم منحت الخيار السياسي الاقليمي للثنائي الشيعي تغطية مسيحية، وسمحت لهذا الثنائي بالتحرر من ضغط مزدوج، الاول الموجة الكبيرة التي نقلت السنة والدروز جهارا الى المشروع الاستقلالي، وكانت ذروته في الرابع عشر من آذار 2005، اما الثاني فهو ضغط القوة الشيعية الاستقلالية التي كانت بدأت تكبر لكسر احتكار الطائفة من ناحية، ونقل شريحة واسعة الى المشروع الاستقلالي تمهيدا لاقناع الثنائي به لاحقا من ناحية اخرى.
على المستوى المسيحي – المسيحي يقول الأباتي نعمان إن المسيحيين يعانون حاليا أزمة رجال وزعامات حقيقية، مستذكرا سيرة رجالات كبار أمثال اميل اده، وبشارة الخوري، وكميل شمعون، وبيار الجميل وريمون اده. عند هذه النقطة ومن دون الدخول في لعبة الاسماء الحالية، نخالف الاباتي نعمان بعدم وجود رجال وقيادات حقيقية، ونحيله الى مرحلة 2004 و2005 التي أسس لها عمليا بيان المطارنة الموارنة في ايلول 2000، وتجسدت خلال تلك السنوات بتجمع “لقاء قرنة شهوان” احد التجارب المسيحية الوطنية المضيئة، اذ أوجد اللقاء من خلال مواقفه برعاية كبير المسيحيين البطريرك صفير ومعه المطران يوسف بشارة المساحة المشتركة التي كانت تفتقدها العلاقة المسيحية – الاسلامية، وأطلق ما يسميه سمير فرنجية “كتلة تاريخية استقلالية”. لكن ظاهرة شعبوية بعد ايار 2005 قطعت الطريق على هذا المشروع الوطني المتقدم وعادت بالواقع المسيحي أشواطا الى الوراء، وأقحمته في ما يشكو منه نعمان معتبرا أنه صراع سني – شيعي، جاعلة من نبش القبور واشعال أحقاد الحرب نمطا سائدا في الحياة السياسية المسيحية. وهذا ما يؤسف له.
أيا يكن الامر، فما نرمي اليه في هذا المقام هو القول ان حكمة الاباتي نعمان في قراءته التاريخ، ومقاربته للحاضر يجب ان تدفعا مسيحيين ومسلمين الى التفكير ملياً في خياراتهم الخاطئة اليوم، خصوصا ان أزمة لبنان الحالية تتمحور على الخيارات الكبرى، أي على ما يسميه نعمان “مشروع الولاء للدولة اللبنانية لبناء الدولة الديموقراطية التي تحمي الجميع، وتمنع الديكتاتورية والهيمنة”… فتحية الى الحكيم بولس نعمان، ابن شرتون الحبيبة.

“الانسان الوطن الحريّة”… مذكرات الأباتي بولس نعمان
الأباتي بولس نعمان
منصور بو داغر/نقلاص عن موقع شهادتنا/24 حزيران/2009
“لأن وراء هذه الكلمات السحرية الثلاث، الإنسان والأرض والحريّة، تاريخًا من النضال يرتقي إلى أكثر من ألف وخمس مئة سنة”.
يوم الخميس الواقع فيه 18 حزيران، وفي قاعة “يوحنا بولس الثاني” داخل حرم جامعة الكسليك، وقّع الأباتي بولس نعمان كتاب مذكراته “الانسان الوطن الحريّة”. حضر حفل التوقيع حشد كبير من الشخصيات الفكرية، وتخلّلته مداخلات لكل من الوزير السابق ميشال إده، رئيس تحرير جريدة الانوار رفيق خوري، الصحافي والكاتب أنطوان سعد الذي أعدّ مع الأباتي نعمان مذكراته، وقدّم لهم الاعلامي جورج غانم.

الوزير السابق ميشال إده استعرض أبرز مفاصل الكتاب مثنياً على غنى المعلومات فيه لشخص عاصر الاحداث اللبنانية بحلوها ومرّها. كما نوّه ببعض الذكريات المشتركة مع الأباتي نعمان، كمشاركتهما في ندوة عنوانها “الموارنة أرض وشعب” عام 1981 بمناسبة عيد مار مارون، بدعوة من “الباش” يومها، بشير الجميّل. وقد طلب إده وقتها من الأباتي تبادل الادوار، فتكلّم إده عن الشق الروحاني، وتكلّم الأباتي عن الشق الوطني والسياسي. وقد علّق الأباتي على الحادثة في مذكراته بقوله “أخذوا الدور الوعظي وتركوا لي الدور الصعب، السياسي”.

رئيس تحرير جريدة “الانوار” رفيق خوري تحدّث في الاهميّة التاريخية للكتاب واستعادتها لمختلف خيارات الموارنة السياسيّة والنتائج التي خلفتها عليهم. واستعاد قول توماس فريدمان “رجل واحد وحقيقة يشكلان أكثريّة”، وقال: “ها نحن في حضرة رجل واحد وحقيقة.. رجل قال الحقيقة وشهد للحق وهو الاهم من الحقيقة.. رجل عرف كيف يعيش في عالمين.. راهب ترهّب لمسيئيه من دون أن يترهّب عن قضايا الانسان، وامتلك الشجاعة لمواجهة كل ما يُلهم لبنان والانسان.. من هذا المنطلق والايمان لعب الأباتي نعمان دور المحاور والمحور.. حاور نخبة المسلمين والسوريين.. ولعب في الوقت نفسه دور المحور في الاحداث، فعمل في المقاومة.. وساهم في كل محاولات المصالحة بين الاطراف، ولم يكن العمل الفكري غائباً عن حياته، فأسّس مركز البحوث في الكسليك..”. وختم خوري بالقول: “أعطانا الأباتي نعمان في مسيرته وكتابه المثال الذي نطبق عليه قول فريدمان: «الاعتدال في المزاج هو دائماً فضيلة، لكنّ الاعتدال في المبدأ هو دائماً رذيلة»”.
الصحافي ومعدّ الكتاب انطوان سعد شدد على أنّ إنجاز الأباتي نعمان المميّز هو “في جعله «الانسان والوطن والحريّة» عنوان الكتاب بين أيديكم قيماً لبنانية عامة يتغنّى بها كل اللبنانيين”… ستجدون الأباتي نعمان في متن هذه المذكرات رجلاً مسؤولاً حاضراً في الشدائد والازمات، في أزمنة عجز فيها الرجال وتخاذل فيها المسؤولون أو نشدوا مصالحهم وتعزيز مواقعهم ونفوذهم… سوف تجدونه يُقوي ويعزّي ويعبر ويشد من عزيمة وأزر ويمد يد العون متجاوزاً كل الاخطار والمحاذير والتهديدات، متوسّلاً الطائرة والطوافة والسيارة… وحتى قدميه بين الحواجز والالغام والهوّات السحيقة التي فصلت بين اللبنانيين… سوف تجدون في هذه المذكرات أيضاً تخليداً لجيل رهباني إنتصر للفكرة اللبنانية… وتحمّل المسؤولية كاملة إلى جانب شعبه المعذّب والمستهدف في وجوده وقيمه وعلى رأسها كرامة الانسان والحريّة”…
وأشار سعد إلى الفترة والجهد اللذين استلزما إنجاز المذكرات، متوجهاً بالشكر إلى كل من ساهم وساعد في إنجازها مسمياً كلاً منهم باسمه.
الأباتي بولس نعمان استبق كلمته بالقول: “إنّ الرد على ما ورد في الكتاب ليس الآن وقته إنما كل كلمة مكتوبة فيه يمكن أن نُدافع عنها، أنطوان وأنا”.
ثمّ استهلّ كلمته بسؤالٍ: لماذا مذكراتٌ حول الإنسان والأرض والحرية؟
وأجاب: (في ما يلي الكلمة الكاملة للأباتي نعمان)
“لأنّها، بكلّ بساطة، ليست مذكّراتٍ شخصيّة وإن كُتِبَتْ بهذا القالب المذكراتي الشخصي.
ولأن وراء هذه الكلمات السحرية الثلاث، الإنسان والأرض والحريّة، تاريخًا من النضال يرتقي إلى أكثر من ألف وخمس مئة سنة. تاريخ، لا بل مأساة إنسانية كنت أتحسّسها في فكري وفي ضميري، مع من عاشها بالفعل وعاناها بالحياة، وأنا لا أزال أدرس تاريخ تكوّن لبنان وطنًا حرًّا سيّدًا مستقلاًّ. وكنت أتساءل: لماذا هذه الواحة من الحريّة في صحراء من الإذلال للإنسان، أيّ إنسان، وللحريّة، أيّة حريّة؟
سوء فهم هو؟ أم سوء حظٍّ ضرب إنسان شرقنا في عمق أعماقه وجعله يفتش بكلّ قواه عن الحريّة، وعن بقعة من الأرض تضمن عيش الحريّة بكلّ أبعادها؟، وكما كتبت في المقدّمة: “هذه القيم، أو هذه الثروة، كما دعاها الأب ميشال الحايك، كانت قد تضعضعت وتبدّدت لو لم تلتقِ بلبنان وتتحصَّن فيه. فالأرض اللبنانية، لولا الإنسانُ اللبناني لأصابها القحط والبوار والتصحُّر ما أصاب غيرها من بقاع الشرق، وهذا الإنسان المميّز التوّاق إلى الحريّة، لو لم يلتقِ بدوره بهذه الأرض لظلَّ هائمًا على وجهه حتى الضياع كما ضاع العديد من أمم الشرق.

ملحمة الأجداد كنت أعيشها قبل الأحداث وفيها وبعدها، ولمّا بدأَتِ الحربُ على لبنان وهدَّدَتِ الوجودَ والثروة معًا، ازدَدْتُ قناعة بأنّ علينا أن نفعل شيئًا غير الدفاع، شيئًا يُذكِّرُ الأجيال القادمة بواجب تحصين هذا الوطن القيمة، هذا الحلم الذي حوّله الآباء والأجداد إلى واقع نُحسَدُ عليه اليوم. فكانت فكرة الكتابة، وكم كنت جبانًا في عينيّ نفسي وفي أعين الأجيال القادمة لو لم أكتب هذه الخبرة الأليمة، وكم كنت غير وفيٍّ للتعب والضنا والقهر التراكميّ منذ أجيال، وكم كنت أسأت تقدير العذابات المحتملة والدماء المهدورة والشهادات الحياتيّة الصافية النقيّة التي أهرقت على مذبح الدفاع عن هذا الوطن القيمة، لو لم أكتب.
كتبت وسأكمل الكتابة لأرتاح ويرتاح ضميري، لأفرغ ذاتي من حلم قديم قد بدأ يٌقلقني. ما بديل لبنان حصنًا للحرية، وقد تطوّرت تقنيّات الشرّ؟ وكنت أظنّ أنّني وحدي أعاني هذا القلق، وإذ بي أفاجأ بأنّ جيلاً من الشباب والشابات يعاني القلق ذاتَهُ، ومنهم أحد تلاميذي وجيران بلدتي الكاتب والصحفي الأستاذ أنطوان سعد، وقد أصابته محنة الأدب والصحافة، كما كان يرددّ أمين نخله، يعرض عليّ المساعدة وله الطاقات الثقافية والأدبية الفضلى كما له الأسلوب الإخباري الجذّاب، بدل الأسلوب التاريخي الجاف، فقبلت، وعهدت إليه بأوراقي ووثائقي، وقد كنت كتبت الفصول الأولى ووضعت التصاميم، وَسَويّةً بدأنا العمل: يكتب ويحقّق في المعلومات مع المعايشين للأحداث، ويرجع إليَّ فأقرأ وأزيد وأنقّص وأصحّح مرات، حتى اتهمني بأنّني قد اقتطعت رجولة المذكرّات، وإنّي أُقرُّ بأنّه قد اعتصرني عصرًا، أو كما قال لي الدكتور الياس قطّار في غير مناسبة، “قد قطّرني تقطيرًا” ودخل إلى عمق أفكاري فله كلّ الشكر والمحبّة والتقدير.
كما إنّي أشكر أصدقائي المحاضرين:
– معالي الأستاذ ميشال إدّه رئيس المؤسسة المارونية للإنتشار، الوزير الأكثر قربًا من الرئيس سركيس آنذاك، الذي كنت أرجع إليه في صعوباتٍ كثيرة خلال تحرّكي، وقد جعلت من بيته العامر ديرًا ألجأ اليه، وفيه المكتبة العامرة والمذابح والأدراج المزينة بأجمل الأيقونات والكتب المقدّسة الفنيّة، وفيه أيضًا ما لذَّ وطاب للراحة بعد العناء.

– كما إني أسوق شكرًا الى الأستاذ رفيق خوري رئيس تحرير جريدة الأنوار الذي أخذته، منذ بدأت العمل في الشأن العام، مُلهِمًا لي في فهم الأحداث والأشخاص، أقرأه هو، كما أقرأ المرحوم ميشال أبو جوده، كلّ صباح قبل أن أتوجّه إلى العمل، أستعين بأرائه الحكيمة ولا أخشى إنتقاداتِهِ لأنّها تصدر عن قلبٍ كبير وفكرٍ نيّر.
كما أتوجّه بالشكرِ إلى الصديق مدير هذه الندوة الأستاذ جورج غانم رئيس تحرير نشرة أخبار المؤسسة اللبنانية للإرسال الوجه المُشرق والفكر النيّر الذي يَزِنُ الأخبار والأحداث بميزانه الذهبي.
ولطالما تمنيّت عليه ألاّ يسمح للتشاؤم بأن يتسلَّل إلى أفكاره.
ولنا جميعًا أقول: إنَّ الوجودَ المسيحيّ في لبنان لم يكن ولن يكون يومًا لوحةً معلّقةً على جدار التاريخ.
فإذا نظرنا إلى المآسي التي خلّفها المماليك والعثمانيون في جبل لبنان، لمّا صدَّقنا كيف قُيِّض للمسيحيين الرازحين تحت مصائب التاريخ أن يولدوا مجدّدًا من رمادهم ويستعيدوا دورَهم الريادي في الأنسنة والمثاقفة الذي وصل إلى أوجه في القرن العشرين.
إنّ من يصنعُ التاريخَ ليس الإنسانُ وحدَهُ، في محدوديّتهِ وتطلّعاتِهِ الخيِّرة أو وفي سعيه المجنون إلى التسلّط وإذلال الآخر وتهميشهِ وإلغائه، بل مَن هو في أصل الوجود ومَصَبِّه، أللهُ المحبّةُ والمصالحةُ والخلاص”.

الأباتي بولس نعمان إن حكى: ما يحدث في العالم العربي عشناه منذ ألف سنة من دون ثورات…أمّا عن بقاء لبنان عاصمة للموارنة في العالم فيقول
فريق أليتيا ©هيثم الشاعر | مايو 10, 2016
هو الرئيس العام الأسبق للرهبانيّة اللبنانية المارونية التي طبعت صفحات القداسة في تاريخ لبنان والشرق، وأصبح رهبانها مثالاً يحتذى به، وقنّوبين حتّى اللحظة تحكي قصّة نساكها وتقواهم.
عايش فترات صعبة من تاريخ لبنان، وهو اليوم يقضي وقته في جامعة الروح القدس في الكسليك بين كتب التاريخ واللاهوت وغيرها ليستقي إضافة إلى تجربته، خبرة ونضجاً قلّ اليوم نظيرهما، وهو شعلة مضاءة في تاريخ الموارنة وقدوة للجيل الجديد من الرهبان والكهنة
نعود الى مقابلة أجرتها معه اليتيا في يوبيل 1600 سنة على وفاة مار مارون، تبقى كلمات الآباتي، صلاة حيّة ورؤية لا يمكن لمسيحيي لبنان المرور عليها مرور الكرام. اليكم بعض ما جاء فيها:
بماذا تميّز تاريخ الموارنة عن غيرهم من شعوب المنطقة، وبماذا عبقت هذه السنوات الطوال؟
ألطريق الذي تسلكه الشعوب العربيّة المشرقيّة بنوع خاص ضدّ العنصريات والديكتاتوريات والحكم الفردي في سبيل الحصول على الديمقراطية، سبق أن سلكه الموارنة منذ ألف سنة تقريباً، لكن من دون عنف وقتال ودماء بل بالمحبة والخدمة والصبر على المحن، وبالعمل الحثيث مع مكوّنات المجتمع اللبناني كافّة. وقد عبّر عن هذه الحقبة الكاتب كمال الصليبي بوصف رائع في بحثه عن الموارنة إذ قال: لقد تمكّنوا وهم الشعب الصغير، من المحافظة على هويتهم التاريخية عن طريق الثبات في الموقف والكفاح المستمر مع الغير، والوفاء لمن أظهر نحوهم التفهّم والعطف، كما تمكّنوا من المحافظة على حق الانسان في الحرية، حريّة كل انسان والعيش الكريم، ومن المساهمة في خلق وطن يضمن هذا الحق لأبنائه. ألجمهورية التي تجمع اللبنانيين اليوم، تستمر عن وعي في حمل الرسالة التي حملها الموارنة في الماضي تلقائياً.
فالشعب الماروني، شعب بسيط يحب الحرية والآخر، يعرف الاختلاط مع الغير، وجاءت نبوءة الصليبي تأكيداً على دور الموارنة هذا: “تأتي ظروف تسمح للبنانيين بأن ينقلوا هذه الرسالة إلى غيرهم”، فما يحدث في العالم العربي، عشناه منذ ألف سنة من دون ثورات. طالبنا بالحرية بالحرية والتعددية والديمقراطية وحصلنا عليها، وبنينا لنا ولغيرنا وطناً يعشق ممارسة هذه القيم الانسانية
إذا أردنا الدخول في صميم التحديات المقبلة على الموارنة، كيف تصف هذه التحديات وكيف نواجهها؟
الموارنة هجروا الجبل وتركوا المعقل وعملوا في المدينة، وفي حال لم يتوافر مورد رزقهم في المدينة، هم يسافرون بحثاً عن لقمة العيش خارجاً. هذه الهجرة المارونية ليست وليدة الاضطهاد وحده، إنما هي وليدة شحّ الوظيفة، وهذه الهجرة قديمة وليست حديثة. لم يسمح لنا ببناء الوطن على أسس متينة لخلق فرص عمل في الجبل والوسط، فازدهار لبنان وبقاء أبناء الجبل والوسط حصلا من خلال الزراعة وتربية دود القزّ والمتاجرة بالحرير
إذاً الأرض هي رمز الصمود الاقتصادي، والموارنة جلّلوا الأرض وزرعوها للبقاء فيها؟
صحيح، وللأسف لا نرى اليوم رجل دولة يعيدنا إلى الوسط والجبل، و”الماروني شجرة سنديان إذا اقتلعتها من جذورها ماتت”. قلت يوماً للمغتربين وهم فرحون ومرتاحون يفاخرون بمارونيتهم ولبنان، إنّه إذا زال لبنان أو موارنته فيه معاذ الله، فلا قيمة لكم في الاغتراب. قيمتكم هي ببقاء هذا الوطن الرسالة، بقاء المؤسسات، مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية التي تتعدّى نطاق الفرد وبناء خطة عمل واضحة عملية لتثبيت الحضور المسيحي وتجذيره في الأرض اللبنانية
التعاون مع اصحاب الشأن والمال في لبنان والانتشار لإقامة مشاريع انتاجية تثبّت اللبناني في أرضه، ولا بد من بناء مؤسسات منتجة في الجبل لتثبيت الماروني في أرضه عبر مواكبة العصر وإقامة مشاريع انتاجية لاستعادة المجتمع الريفي بطريقة متقدمة بواسطة الاختراعات التي أعطانا إياها الرب والعقل الانساني. فالمارونية كما المسيحية المشرقية من دون الارتباط بالأرض تبقى دائماً مهددة بالزوال، والثبات هو عن طريق إيجاد العمل، وعندها لا شيء يدفع المسيحي والماروني إلى الهجرة
لكن المسؤولية لا تلقى على الموارنة فقط، إنما هي مسؤولية الدولة بكامل طاقاتها، اليس كذلك؟
لا شكّ في أنّ هذا الشأن هو شأن الدول طبعاً، لكن على الموارنة التأثير على الدولة والتعاون معها ومساعدتها، وهم يتميزون عن الدولة بشيئين
ما هي الأهداف الروحية التي تحرّكهم للثبات في أرضهم؟
الأرض التي هي الجزء الاساسي من الاقتصاد، لكن نريد المشاريع لنقدّم الأرض. هذه الأرض التي يجب المحافظة عليها وعدم بيعها، لأنها ستصل الى يد أخرى، ونحن محرّم علينا بيع الأرض
إلى جانب التحدّي الاقتصادي، ما هي التحديات الأخرى التي يمكن أن تواجه الموارنة أيضاً؟
إنّ وضع الموارنة الديموغرافي مهدد، وعلينا وضع خطّة ديموغرافية عملية تعزز نمو العائلات وتدعهما وترفع عن كاهلها أثقال المسكن والتربية، كي لا يتهيّب ابناء الطائفة انجاب الأولاد
هل تطلبون عودة المغتربين إلى لبنان بشكل دائم كي يترسّخ النمو الديموغرافي؟
نحن في حاجة إلى تحويل وجهة رسالتنا من الغرب إلى الشرق، فقد جهدنا كفاية مع المغتربين وسنبقى، لكن علينا تحويل بعض هذا النشاط المؤسساتي إلى إخوتنا المسيحيين في الدول العربيّة والافريقية الذين يحتاجون إلى معنويّات، وهذ ما تقوم به الرهبانيّة اللبنانية المارونية حين تساعد إخوتنا الكلدان في العراق
هل أنتم مع بقاء لبنان عاصمة للموارنة في العالم؟
الموارنة لديهم ولد وحيد اسمه لبنان، وعليهم المحافظة عليه قبل كلّ شيء. فإذا هجر الموارنة لبنان، فلن تبقى لهم هوية، ومعهم تزول الحضارة في الشرق. وبنيان لبنان قام على عاتق البطريركية المارونية وعليها الحفاظ عليه