راجح الخوري: خائفون، يا فخامة الرئيس

319

خائفون، يا فخامة الرئيس
راجح الخوري/النهار/08 آب/2019

ها نحن ندخل مرحلة جديدة من سياسة المكاسرة العمياء، التي سبق لها ان قادتنا مراراً الى الحروب الأهلية، والى ان نكون أحياناً وقوداً لحروب الآخرين وحساباتهم ورسائلهم النارية.

لم نتعلّم شيئاً من الماضي البشع، ولا نتذكر ان سياسة المكاسرة كانت مدمرة وخاسرة بالنسبة الى الجميع، سواء أولئك الذين يعملون لتكبير رؤوسهم، أم أولئك الذين يُعمل لتكسير رؤوسهم!

نسى الكثيرون اننا في بلد من فخار، ونسوا في معظمهم أيضاً أنهم يملكون أيضاً رؤوساً من فخار، كما نسوا انه كان هناك دائماً في تاريخ هذا البلد المسخرة، سياسيون تصرّفوا ويتصرفون عن وعي أو عن تسرّع، بما قد يدفعنا الى الصراعات المدمرة والحروب، ونسوا، ويا لمرارة السخرية، أن هناك في الظل من تصرف ويتصرّف عن وعي يعمل ويخطط للوصول الى النتيجة الوحيدة:

فخار يكسّر بعضه! ما سمعناه ونسمعه من تراشق بالبيانات والمواقف السياسية بين المسؤولين، ليس سوى بداية تكسير الفخار، والبعض يقول تكسير الرؤوس، على رغم أننا في بلد لا يحتمل لا تكسير رؤوس جماعة من هنا ولا تكبير رؤوس جماعة من هناك، فلقد جربنا كل عمليات التكسير ثم عدنا الى الطاولة، وعزفنا ألحان الوفاق والتوافق وكل الأكاذيب التي نعرفها.

في الواقع لم يكن العزف السياسي على حادث قبرشمون، سوى محطة جديدة في التصعيد والتعقيد، وكذلك في تأجيج العداوات التي صارت تستحكم بالمواقف، وستتصاعد أكثر، وليس من الواضح الى أين ستصل، ولا من الواضح إذا كان هذا الهشيم السياسي سيتنبّه الى ان هناك من يعمل من داخل ومن خارج لإشعال النيران فيه!

عن أي قضاء يتحدث السياسيون بعدما جعلوه رياحاً، يراد لها ان تهب ذات اليمين وذات اليسار، ودائماً على الوقع الآذاري الذي مزق البلاد على حد السكين بين ٨ و١٤ من آذار ذلك الشهر الربيعي الذي جعلناه بلون الدم؟

فعلاً عن أي قضاء يتحدثون وكانوا قبل حادث قبرشمون يغرقون البلاد بالذهول عبر إتهامات وحتى إعتقالات وعمليات عزل طاولت عناصر من القضاء وألقت ظلالاً من الشكوك والريبة على هيبة القانون ونزاهته وطهره؟

حرام ان تجتاح هذه الصراعات السياسية المتصاعدة بيوت القانون والعدل، وحرام أيضاً ان تطاول هذه الصراعات الطائشة هيبة الأمن وسمعة الأمن وإحترام أجهزة الأمن في البلد، وكأنه لم يكن كافياً ان يكون لكل طائفة جهازها الأمني، فإذا بهذه الطوائف تكاد ان توقع أجهزة الأمن في إنقساماتها المخربة!

ماذا بقي من هذا الفخار، وماذا يبقى من هذا الهشيم سواء أشعلتموه أنتم، أو الذين يخططون لإشعاله؟

متى ترفعون أيديكم السياسية وحساباتكم الشخصية عن الأمن والقضاء وحياة لبنان، ومتى تتذكرون أنكم في بلد من فخار وفي وطن من هشيم، ومتى تتذكرون ان هذا الشعب صار من بارود وأنه سينفجر ولن توقفه بعد الآن اطفائياتكم الطائفية؟

لن أدخل لا تفاصيل التراشق بين الحزب الإشتراكي والتيار الوطني وغيرهما، ولا في المحاولات الجديدة لقراءة مواد الدستور وبنوده وكل كلمة صارت تحتاج إلى مجمع لغوي، لكنني أعجب فعلاً عندما يدعونا رئيس الجمهورية الى “عدم الخوف على مصير لبنان، لأن التاريخ أظهر أننا قادرون دوماً على النهوض من الكبوات”.

لكن التاريخ أظهر أيضاً فخامتك أننا فخار لا يتردد في تكسير نفسه!