راجح الخوري/المفنّد والمبنّد… وقطع الرقاب

60

المفنّد والمبنّد… وقطع الرقاب!
راجح الخوري/النهار/20 تموز/2019

قصة المليارات الـ11 التي تقرع طبولها في وجه فؤاد السنيورة والحقبة الحريرية تشبه قصة “مقبرة حالات” التي سبق ان اثارها النائب ميشال عون في وجه الدكتور سمير جعجع، ثم عندما انشقت الارض، ظهرت الافتراءات ولم يجد “حفّارو القبور” غير الخيبة والاوهام وبذور الاحقاد.
لا ندري كيف يفكر اولئك الذين يظنون ان الناس عميان الى درجة تصديق ان اجنحة الملائكة نبتت فوق اكتاف هؤلاء الأكارم الغارقين في طهرانية المسؤولية وعرق الجبين، والمقيمين في محبسة الى جانب مار شربل.
ولا ندري لماذا يريد هؤلاء اقناع الناس بأن المليارات الـ11 التي صرفوها مع جهابذة هذه الحكومة في اقل من سنتين، هي مثال في الشفافية والحرص على المال العام، بينما المليارات الـ11 التي صرفت في ايام السنيورة تفتقر الى الشفافية والنزاهة؟
وليس كافياً القول ان مبلغ الـ11 ملياراً المطلوب الموافقة على صرفه من خارج الموازنة “مبنّد ومفنّد”، في حين ان الـ11 ملياراً الاخرى ليست مفندة او مبندة وانه لم يجر “قطع حساب” لها، وكأن الذين يقولون هذا هبطوا من الفضاء الخارجي ولم يعرفوا ما جرى في الاعوام 2006 و2007 و2009!
في ذلك الزمان يا طويل البال والعمر، كان السائد “قطع الرقاب” لا قطع الحساب، اما التفنيد فقد تمثل يومها في “قوائم الاغتيالات”، واما التبنيد فكان بمثابة التفجيرات والحقائب المفخخة التي حصدت الكثيرين. ولكن ماذا نفعل بعناد “الملائكة” وطهارة المرسلين، الذين لا يريدون التوقف مثلاً عند كلام الرئيس نبيه بري الذي قال: “علينا ان نعترف بأن امراً حصل خارج ارادتنا جميعاً هو اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو زلزال وكان من نتيجته تشكيل حكومة تحولت بتراء واعتبرناها غير شرعية وتم اقفال المجلس النيابي واقرت موازنات قلنا انها غير شرعية”.
صحيح ان “كل العالم اتهمت كل العالم” كما قال بري، ولكن الامور تتجاوز عشوائية الاتهام الى التعامي المتعمد عن الوقائع. فعندما تكون زيادة الانفاق في اقل من سنتين 11 ملياراً، أي ما يساوي الزيادة في اربعة اعوام، لا يجوز الحديث عن قديسين وزعران، كما قال بطرس حرب.
اما عندما تكون الحكومات السابقة قد اعدت موازنات منذ عام 2005 ولم يجر اقرارها، إما لأن المجلس النيابي كان مقفلاً وإما لان الحكومة كانت بتراء بالنسبة الى 8 آذار، فلا يجوز خلط الغرضيات السياسية بالارقام وخصوصاً عندما يطلب من النواب قوننة ما يقال انه “مفنّد ومبنّد” وعدم قوننة ما كان من المستحيل قوننته في زمن قطع الرقاب لا قطع الحساب. والى متى ستبقى السياسة السوداء مختبئة وراء اقنعة الشفافية المزعومة؟!