توفيق شومان: حول الجزائر والسودان: سيتحدثون عن مؤامرة وأم المؤامرات

61

حول الجزائر والسودان: سيتحدثون عن مؤامرة و”أم المؤامرات”
توفيق شومان/12 نيسان/2019

سيقول بعض العرب إن ما يجري في السودان والجزائر مؤامرة
وسيقول بعض ثان: إن ما يجري “أم المؤامرات”
وسيقول بعض ثالث: إن ما يجري مؤامرة ولا كل المؤامرات
هذا سيقول مؤامرة غربية وذاك سيقول مؤامرة شرقية وثالثهم سيقول مؤامرة اقليمية.
سيتفننون في نظرية المؤامرة وسيبتكرون من جموح خيالاتهم أخبارا وأحداثا وأفكارا ما أنزل الله بها من سلطان.
وسيبدعون في تركيب الأوهام  وفي تزويج الذكر للذكر والأنثى للأنثى.
سيقولون كل شيء إلا الحقيقة
سيتحدثون عن كل شيء إلا الحقيقة
سيخبرون عن كل شي إلإ الحقيقة.
لا أحد سيتحدث عن ملايين الناس الموجودين في الساحات
لا أحد سيتحدث عن آلام الناس
ولا عن جوع الناس
ولا عن الذين لا يجدون عملا
ولا عن الذين يأكلون يوما ولا يأكلون في اليوم التالي
ولا عن الذين يموتون في الطرقات وفي الشوارع وأمام أبواب المستشفيات ولا يجدون علاجا ولا دواء
أهلكتنا نظرية المؤامرة
دمرتنا وخربتنا
عطلت عقلنا
أعمت عيوننا
منعتنا من الرؤية
وحجبت عنا كل حق وحقيقة وكل صحيح وصواب وكل محاولة للتصويب والحؤول دون الإنزلاق الى النار والخراب.
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
لا نعرف غيرها
لا نردد غيرها
لا نحفظ غيرها
لا نرى من حروف أبجديتنا العظيمة إلا حروف المؤامرة
أسقطنا كل حروف الأبجدية وحافظنا على حروف المؤامرة
كل ما عداها خيانة
كل ماعداها خروج عن الهوية ومن الجماعة.
سحلتنا هذه النظرية
أحرقتنا وأخرقتنا
بلد عظيم مثل العراق تسلط عليه معتوه مثل صدام حسين وجره من حرب الى حرب، فدمره وأفقره ومزقه، فحولناه قائدا شهيدا وعظيما مثل صلاح الدين الأيوبي.
بلد عظيم مثل ليبيا يعوم على النفط وخيرات الله، وأنجب عظيما مثل عمر المختار، حكمه مجنون مثل معمر القذافي، فصلب شعبه وقهره أربعة عقود، حولناه قائدا شهيدا في مواجهة الإمبريالية اللعينة والصليبية الجديدة.
بلد عظيم مثل الجزائر أنتج أشرف ثورة عظيمة تصدت للإستعمار وهزمته شر هزيمة، ويختزن خيرات وطاقات يصعب حصرها، حكمه أقليون عسكريون وأقليون أوليغارشيون، فقمعوه وقهروه وأفقروه، وحين خرج الشعب الجزائري العظيم مناديا أين حقي؟ …
جاء من يقصفه بالمؤامرة أو بنظرية الدمار الشامل والقاتل.
بلد عظيم مثل السودان ،يمكن أن تُطعم خيراته كل العرب، لا يجد أهله رغيفا، حكمه جنرال تلو جنرال، فنهبوه وجوعوه، وكانوا يخرجونه من حرب ليدخلونه في أخرى، فوضعوه في قاع الدول والبلدان، مع أن مكانه فوق/فوق ـ في أعلى الصدراة، ولما صرخ الشعب كفى !!!
جاء من يقول لماذا (كفى) الآن؟ ولماذا (كفى) ( ليست في الأمس؟، إذا هي المؤامرة ولا شيء غير المؤامرة.
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
حسنا : ماذا عن الناس؟
ماذا عن ملايين الناس؟
قد يكون من هم “فوق” أو بعض من هم “فوق” مرتبطون ومأجورون وخونة وعملاء.
ولكن: هل تلك الملايين عميلة؟
هل تلك الملايين مضللة؟
خائنة ؟ مأجورة؟
كيف يمكن تضليل كل هذا العدد وكل هذا الرقم وكل هذه الجماعة وكل هذه “الجماهير” الغفيرة؟
كيف تنطلي المؤامرة على الملايين؟
ولماذا تخرج هذه الملايين إلى الميادين؟
ولماذا كل هذه الهوة وكل هذه الفجوة بين الحاكمين وبين المحكومين؟
ولماذا يخرج الفقراء والجوعى والمرضى متألمين وهاتفين وصارخين: من حقي العمل ومن حقي الرغيف ومن حقي الدواء.
هل المشكلة في الناس أو في من يتولى أمر الناس؟
هل المشكلة لدى المرؤس أم لدى الرئيس؟
هل المشكلة في الجوعانين أم في المتخمين؟
هل المشكلة لدى العوام أم لدى النظام ؟
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
لا شيء غيرها
لا شيء إلاها وسواها
لا شيء إلا هي وحدها كأنها وحيدتنا الغالية
لم ننجب نظرية في السياسة إلا المؤامرة
لم ننتج فكرا في السياسة إلا المؤامرة
نأكل مؤامرة ونشرب مؤامرة ونصبح مؤامرة ونغدو مؤامرة ونمسي مؤامرة ونبيت مؤامرة.
ولامرة فكرنا: ما الحل؟
ولا مرنا سألنا: ما العمل؟
ولا مرة قلنا: ماذا علينا أن نفعل؟
ولا مرة تعلمنا من تجارب ذواتنا ولا من حرائق بيوتنا ولا من خرابات أوطاننا ومجتمعاتنا.
ولا مرة تعلمنا من درس مضى ومن فعل انقضى
ولا مرة تعلمنا من حريق بيت الشقيق أو من حريق بيت الصديق
ولا مرة تعلمنا من نار أكلت بيت الجار
ولا مرة تعلمنا من شهب نشب في غرفة من غرفنا
الجواب جاهز دائما: هي المؤامرة
الرد المحكم جاهز سلفا: هي المؤامرة
الرأي المفحم جاهز أبدا: هي المؤامرة
هي المؤامرة : يعني: لا تفكروا
هي المؤامرة : لا تتعبوا أنفسكم في التحليل
هي المؤامرة: لا ترهقوا عقولكم في التفكير
هي المؤامرة: لا تحركوا ألسنتكم عبثا فثمة مهمة عُليا لتحريك الألسنة وهي مضغ الطعام فذاك أنفع وأجدى من عبث الكلام ولغوه.
هي المؤامرة: لا تبحوا حناجركم بفارغ القول وفراغه وخوائه.
لا تصدقوا أن شعبا يثور.
لا تصدقوا أن حراكا شعبيا لا تحركه محركات المتآمرين
لا تصدقوا أن داخلا ينتفض لا يكون للخارج فيه دخل ومداخل ودواخل وقبضات وأصابع.
لا تصدقوا أن النائمين يستقيظون
لا تصدقوا ان الجوعى يصرخون فعلاج هؤلاء كسرات خبز
لا تصدقوا أن العطاشى يهتفون فعلاج هؤلاء قطرات ماء
لا تصدقوا ثورة ولا انتفاضة ولا تمردا ولا حراكا
فتلك تعبيرات عن مؤامرات
وتلك مظاهر خيانات وليس تظاهرات
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
مؤامرة مؤامرة مؤامرة مؤامرة
حسنا وحسنا مرة ثانية وحسنا إلى آخر الأرقام والأعداد:
من الواجب الحذر
من الفطنة الترقب
من الحكمة الإنتظار
ولكن ليس سوء الظن صوابا
وليس قبح الأحكام حقا
وليس تأثيم الناس فضلا
وليس تخوين الناس نضالا
ما يمكن أن يقال لأهل الجزائر:
كونوا جزائريين فقط وفقط وفقط
العنف منبوذ والقوة مرذولة
لا ينفع العنف ولا تنفع القوة
وما يمكن أن يقال لأهل السودان:
كونوا سودانيين فقط وفقط وفقط
العنف منبوذ والقوة مرذولة
لا ينفع العنف ولا تنفع القوة
لا ينفعكم الخارج القريب ولا الخارج البعيد
الجزائر للجزائريين والسودان للسودانيين
عاشت الجزائر بشعبها وجيشها
وعاش السودان بجيشه وشعبه
عاش السودان وعاشت الجزائر.