يوسف بزي: مهرجان 14 شباط: العودة إلى ما قبل خريف 2004 …إيمان الحريري بسحر التسويات، وبروعة الإعمار والازدهار، يجعل من أي إميل لحود ينقلب من عدو إلى صديق! ألم يكن هذا خطأ رفيق الحريري المميت؟

92

مهرجان 14 شباط: العودة إلى ما قبل خريف 2004
إيمان الحريري بسحر التسويات، وبروعة الإعمار والازدهار، يجعل من أي إميل لحود ينقلب من عدو إلى صديق! ألم يكن هذا خطأ رفيق الحريري المميت؟

يوسف بزي/المدن/الجمعة 15/02/2019

يوحي صوته المخدوش، وهذا التورم الطفيف في الوجه، أنه رجل معذّب. تعبيراته الفيزيولوجية تدل أنه يكابد، كي يتغلب على لوعة مقيمة في داخله، وكي يخفيها ويغلبها.
هذا يتضاعف أكثر في يوم 14 شباط من كل سنة.
الوقوف على قبر الوالد وأمام صوره وطيفه، مع شريط الذاكرة للموت المروع والمباغت في ذاك النهار المشمس قبل 14 عاماً، وما تلاه من مسلسل اغتيالات، وإرهاب علني وعمومي.
وكل هذا معطوفاً على الهزائم وضربات الغدر والمهانات، والأخطاء البائسة التي أوقع نفسه فيها، وارتعاده من النفي السياسي، وضعفه “الموضوعي”.
سعد الحريري، شباط 2019، كأنه خرج أو انشقّ عن سيرته. هو اليوم يريد استئناف رفيق الحريري ما قبل خريف 2004. أي ما قبل انضمام الحريري الأب إلى “المعارضة”. انتهى عهد الصدام بالنسبة له. أنتهى كل ذاك “الإرث” الذي قام على المواجهة والثورة والعداوات. يمكن تعيين مهرجانه الخطابي في 14 شباط 2019، على أنه لحظة اكتفاء سعد الحريري بمهمة “عادية”: رئاسة حكومة لبنان. وعلى نحو حالم، يريد تكرار الخطة والخطى التي سارها رفيق الحريري منذ العام 1992.
“لم يستشهد رفيق الحريري ليخرب البلد”. قالها، بعدما كانت طقوس المهرجان تقدم مقتطفاً من كلمة مصورة للحريري الأب عن تشكيل حكومته تحدث فيها عن “نية جدية لحكم متجانس في البلاد..” وعن “فرصة ذهبية للنهوض”.
كلمات رفيق الحريري المستعادة، تبدو هي عينها النهج السياسي الذي اختاره الإبن راهناً.
المهرجان عرض شريطاً دعائياً عن إنجازات الأب وأبرز مشاريعه ومحطاته السياسية الأساسية، ومنها مؤتمر باريس 1، ليكمل الشريط ويقارن مع مسيرة سعد الحريري وإنجازاته، ومنها مؤتمر “سيدر”. الشريط مدبّر بوعي تام من أجل صورة المطابقة والتماثل بين الأب والإبن، ولترويج ما قرره سعد الحريري منذ لحظة “التسوية الرئاسية”. بهذا المعنى، يبحث الحريري الآن عن شرعية فعلية له: “أطلب الثقة من جمهور رفيق الحريري، جمهور تيار المستقبل”. قالها، مدركاً أنه يطوي صفحات ثقيلة من تاريخه، خارجاً من كل التحالفات والانقسامات، ساعياً لإقناع نفسه والآخرين: “لدينا فرصة ذهبية”. ولذا، ما بين الأمنيات والسلوك، هو يسعى الآن إلى ما أسماه صفر مشاكل مع الجميع، في الداخل والخارج.
فقط احتراماً للذكرى كان هذا المهرجان. أي غاب عنه التعبئة والحشد ومظاهر الاستنفار والعصبية. مناسبة واجبة، في مشهد من شطرين: “جماهير” بقاعية وشمالية منفصلة عن “حضور” شخصيات ووجهاء وأصحاب مكانة. لقاء حزبي بالأحرى، ضيق، ومحدود.
وإذا تغاضينا عن فقرة إعلامية بالغة الرداءة عن جريدة “المستقبل”، كما عن الاستسهال في صنع الريبورتاج التلفزيوني، الذي يختزل، على نحو بات مبتذلاً، سيرة رفيق الحريري وتكراريتها الممجوجة: المطار، المدينة الرياضية، وسط بيروت..إلخ، بالرطانة الزجلية عينها.
إذا تغاضينا عن كل هذا، كان سعد الحريري يعرف الهدف من هذه اللحظة: العودة إلى المتاح الوحيد له: الترويج للأحلام، أو لما يسميه هو: المستقبل.
إذاً، ورشة “إعادة الإعمار” وأيديولوجيتها البسيطة والواضحة، هي مهمة سعد الحريري الآن، متسلحاً بثلاثة بنود: الطائف، عودة النازحين الطوعية، النأي بالنفس.
كل ما عدا ذلك (مشروع حزب الله والممانعة وحروب المنطقة ومحاورها..) فهي “وجهة نظر لا تلزم الحكومة اللبنانية”.
هكذا، ببساطة.
في هكذا مناخ، ولولا السطر المخصص للمحكمة الدولية، لربما ما كان من مانع حضور وفد حزب الله إلى المهرجان.
وعلى كل حال، الحضور العوني كان أساسياً وعناق سليم جريصاتي للحريري، يؤكد هذه “المرحلة الجديدة”.
فإيمان الحريري بسحر التسويات، وبروعة الإعمار والازدهار، يجعل من أي إميل لحود ينقلب من عدو إلى صديق! ألم يكن هذا خطأ رفيق الحريري المميت؟