الأب سيمون عساف: ماذا يعني ماروني؟…أهيب بكل ابنائنا الموارنة العودة لتاريخهم ليعرفوا ما لديهم من دفين كنوز في خزائنهم المطمورة

185

ماذا يعني ماروني؟
أهيب بكل ابنائنا الموارنة العودة لتاريخهم ليعرفوا ما لديهم من دفين كنوز في خزائنهم المطمورة
الأب سيمون عساف/27 كانون الثاني/19

ان تكون مارونيا وتجهل تاريخك فانت ضليل معرفة، وانتماؤك اليه غرابة. لا يجوز ان تحمل هوية تجهل اصالتها وتفاصيلها ومفاصلها بالتفصيل. انه من الفخر بمكان ان تجيب على مستفسر ما معنى “ماروني”، ومن العيب ايضا ان تجهل الرد على سائل عن اصولك.

تراثك الزاخر بالمآثر والمآتي يعتبرك دخيلا ما لم تترسَّخ فيك عراقته وتتجذَّر. ان القديس مارون لا يعرفنا ارضا فهو لكل جماعة المسيح، اجدادنا تيمَّنوا بسيرة حياته وعيشته النسكية فانتهجوها حياة، لذلك سمِّيت جماعتهم الأولى “بيت مارون”، ومن ثم الكنيسة المارونية. وسار المثل المأثور “في كل ماروني يختبي راهب” اي يحيا كالقديس مارون ويقتدي بسلوكياته السماوية.

على اثر المجمع الخلقيدوني سنة 451م القائل ان في المسيح طبيعتين الهية وانسانية انطلقت شرارة الموارنة. كيف؟ قَدِمَ سلوقس القائد الثاني لأسكندر المقدوني وقسم سوريا الى ثلاث ولايات عام 300 ق.م.

وبعده جاء الرومان وحافظوا على التقسيم ذاته: سوريا الصغرى عاصمتها منبج سوريا الوسطى عاصمتها افاميا وسوريا الكبرى عاصمتها انطاكية. اقام الرسل تحت ظل الأمبرطورية الرومانية الكراسي الرسولية: اورشليم الاسكندريه انطاكيه روما ولاحقا القسطنطينية. اما كرسي انطاكيه البطريركي الذي اسسه بطرس الرسول فقد عيّن على الولايات الثلاث اساقفة. اشترك اسقف سوريا الثانية تودريطس القورشي وحده من الشرق في المجمع الخلقيدوني المذكور.

وكان القديس مارون قد توفي سنة 410 اي قبل مجمع خلقيدونيه ب41 سنة.
نظرا لخلاف السريان مع بيزنطيه حضاريا وعقائديا آنذاك، اعتكفوا عن الاشتراك وثاروا على الأسقف تودريطس اسقف سوريا الثانية. كان من البديهي ان يقف جنبه رهبانه وابناء ابرشيته الذين شيَّدوا ديرا فخما على اسم شفيعهم القديس مارون. للتشفّي بهم واعتراضا على الاسقف تودريطس الصقوهم للهزؤ والتعيير لقب الموارنة نسبة للدير الذي بَنَوه. حمل الجدود السريان الموارنة اللقب باعتزاز وكوَّنوا هوية جديدة قوامها “المارونية” متميزة عن اخوتهم المعارضين عقيدة المجمع الخلقيدوني اي أن في المسيح طبيعتين كاملتين: اله وانسان.

ولجأوا الى جبال لبنان الوعرة العاصية الا عن عين الله منذ ذلك التاريخ هربا من اضطهاد اخوتهم لهم تاركين سهول سوريا الخصبة في سبيل: حرية العقيدة وعقيدة الحرية. وتدرجوا في لبنان يفتِّتون الصخور بسواعد من فولاذ ويحوِّلون التلال الى جلول لكسب لقمة العيش بعيدين عن كل مشاكسة ومعاكسة لقناعاتهم.

وبقي انتماؤهم الروحي الى بطريركية انطاكيه التي شغرت حوالى 41 سنة بسبب الغزو الاسلامي عام 638م بقيادة أبي عبيدة عامر بن الجراح،. الى ان اقاموا عليهم بطريركا من ديرهم في سنة 702 يوم اصبح بنو البطريرك بانطاكيا بلا رئيس فعلي، وهكذا تأسست البطريركية المارونية لأن الموارنة لم يخلقوا بطريركية جديدة بل اقاموا بطريركا لكرسي شاغر.

ولما كانوا قد استقلوا استقلالا تاما في كل امورهم الدينية غضب الخليفة عليهم وحاول ان يفرض عليهم بطريركا آخر لكنه فشل وظل الموارنة يقيمون بطريركا من عندهم. ثم راحوا بين مد الاضطهاد والاستشهاد وجزره يناضلون الى ان اسسوا مدرسة روما المدرسة المعروفة بالمدرسة المارونية سنة 1584م خرَّجت علماء ضَرب فيهم المثل المأثور:”عالِم كماروني”. اهيب بكل ابنائنا الموارنة اليوم ان يعودوا الى تاريخهم ويستنبشوه ويعرفوا ما لديهم من دفين كنوز في خزائنهم المطمورة.
ا.د.سيمون عساف 26/1/2019