منير الربيع/الأسد ولبنان: عودة المنتقم

92

الأسد ولبنان: عودة المنتقم
منير الربيع/المدن/الثلاثاء 01/01/2019

مثّل عام 2018، سياسياً ومعنوياً، إنطلاقة جديدة في طموح النظام السوري للعودة إلى لبنان. لم يتوان مسؤولون سوريون عن تأكيد استعدادهم للعودة، والإنتقام من المسؤولين اللبنانيين الذين وقفوا إلى جانب الثورة.

محطّات متعددة أبرزت التعطش السوري للتدخّل في لبنان، مقابل إلحاح حلفائه لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام. وكما كانت سنة 2018، سنة هزيمة “الربيع اللبناني” الذي تجلّى برلمانياً بين عاميّ 2005 و2009، فهي أيضاً كانت سنة تكريس هزيمة الربيع العربي أو الربيع السوري نهائياً. إذ تختتم أيامها الأخيرة على انفتاح عربي على دمشق، لتعلن موسم إعادة فتح السفارات والمعابر والعلاقات، فوق، ملايين المهجرين في الأرض والمرسلين تحتها، بأعنف حرب شهدها العصر الحديث على مرأى العالم.

الأسد في الانتخابات
وللتذكير، افتتحت سنة 2018 لبنانياً، على ضغط سياسي في سبيل العودة إلى دمشق، وتوسيع مروحة ما كان قد بدأ في أواخر العام 2017، عبر زيارة وزراء لبنانيين إلى دمشق وعقد لقاءات مع نظرائهم. وما حصل في 2017، أُريد له أن يتوسع في 2018 ليصبح سياسة حكومية عامة، ونهجاً لبنانياً صرفاً.

صحيح أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يزر دمشق منذ انتخابه إلى اليوم، محافظاً على موقف وسطي وملتزماً بقرار جامعة الدول العربية. لكن الأسد، بنفوذه، حضر أكثر من مرّة في لبنان، بينما كان عون يرسل له من ينوب عنه بشكل أسبوعي.

في منتصف السنة، تجلّت فعالية التأثير السوري في المجريات اللبنانية إلى حدّ بعيد، ترشيحاً وانتخاباً وتصويتاً وتصويباً سياسياً، في مرحلة الإنتخابات النيابية وما بعدها.

لم تقتصر عودة النظام السوري من خلال مطالبته بترشيح أسماء لا ضنين بها في بعض المناطق، وإيصالها إلى الندوة البرلمانية. صحيح أن البرلمان المُنتج في هذه السنة، مثّل في بعض وجوهه عودة إلى ما قبل العام 2005، بعدما استعاد رموز النظام وأتباعه بريقهم.. لكنه تجلّى أيضاً في عملية تشكيل الحكومة، أو بالأحرى عرقلتها، نزولاً عند الشروط التي يفرضها حلفاء النظام، كرمى لعيون حلفاء آخرين، لطالما مثّلوا بيادق تتحرّك وفق ما تشتهيه رياح قصر المهاجرين على جبل قاسيون.

الانتقام ولعبة التناقضات
ومن قاسيون أطلّ هؤلاء أكثر من مرّة، في أكثر من محطّة سياسية. لم يتركوا مناسبة فيها من دون التأكيد على استعادة النظام السوري لعافيته، واستعداده للعودة إلى لبنان انتقاماً.

في قاسيون أيضاً، كانت مداولات جلسة شهيرة بين وفد لبناني ورئيس النظام السوري بشّار الأسد. سألوه عن كيفية تعامله مع خصومه اللبنانيين، الذين حسب وصفهم “تآمروا على سوريا”، أي وقفوا إلى جانب ثورتها، فكان جواب الأسد الشهير، بأن الوقت سيحين للانتقام من هؤلاء.

لم يكن نجاح النظام السوري، في إيصال أبرز حلفائه الموثوقين إلى البرلمان، الوجه الوحيد لإستعادة التأثير في لبنان. ثمّة هواية قديمة يعشقها النظام ومارسها في لبنان طوال سنوات وصايته، وهي التلاعب على التناقضات، حتى ما بين حلفائه. فتارّة يشدّ مع طرف ويرخي مع آخر.

هذا ما ظهر في أكثر من واقعة بين التيار الوطني الحرّ وحركة أمل، مع تفضيل سوري واضح من قبل النظام لصالح التيار على حساب الحركة.

فالنظام مطمئن من الناحية الشيعية، لوجود حزب الله في صفّه. وبالتالي، لا بد من الحفاظ على الوثاقة مع الطرف المسيحي. ولم يكن صدفة الجهد الذي بذله نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لجمع باسيل وبرّي، بعد كلام كبير أطلقه الأول بحق الثاني، وصل إلى حدّ التوتر في الشارع بين الطرفين.

البعض فسّر تصرفات باسيل، بأنها مستندة إلى عمق العلاقة مع دمشق، والوثاق الشديد بينه وبينها، مقابل رغبة سورية في “تأنيب” برّي على خلفية تمنّعه عسكرياً، في مواجهة الثورة السورية، وربما لاعتقاده في فترة من الفترات بأن النظام سيسقط.

تكرار الانقلاب
كما في أول السنة وفي منتصفها، فها هي تأفل على إستحقاقين بارزين. النظام يتأكد من إستعادته لعافيته، ويرغب باستئناف لعبته القديمة، الوصاية والمرجعية (تماماً كما مارسهما ما بين 1990 و2005)، وهذا سيكون له تأثيرات فادحة على الحال اللبنانية، لن تقف عند تشكيل الحكومة، المعرقَلة لجملة أهداف، أولها توزير حلفائه السنّة، الذين يمثلون كسراً لاحتكرار الحريرية التمثيل السنّي، وانتقاماً من الحريري شخصياً. وثانيها، الكلام المتواتر عن تأثير عدم دعوة النظام إلى القمة الإقتصادية في بيروت، على عملية تشكيل الحكومة، ووضعها في خانة المقايضة بين المسألتين.

وإذا كانت لائحة تمويل الإرهاب، التي أصدرها النظام السوري في الأسبوع الأخير من السنة، تعيد التذكير بالإستنابات القضائية السورية التي صدرت في العام 2010، فإن الانفتاح الخليجي على النظام يعيد التذكير أيضاً بانفتاح مشابه في العام 2009، عبر ما سمّي تسوية “سين سين”، في لبنان، ما لبث أن انقلب الأسد عليها. يومها كانت مسوغات السين سين، عنوانها إبعاد النظام عن إيران.

واليوم، يتكرر الشعار نفسه. وعلى الأرجح سيقع الإنقلاب نفسه. ومثلما حاول البعض في لبنان، قبل فترة، عبر تشكيل لوبي ضاغط، التأثير على الجامعة العربية، لتوجيه الدعوة إلى دمشق لحضور القمة الإقتصادية ببيروت، فها هو هذا البعض يلعب دوراً، مع أطراف أخرى، داخل الجامعة العربية لتسويغ إعادة سوريا إليها. آثار كل هذا، ستكون واضحة في سنة 2019، بما يرسم مستقبل العلاقات اللبنانية السورية.

رهاب الأكثرية
مثلت سنة 2018 خليطاً من التعقيدات بين الملفين السوري واللبناني، من إعادة تجديد طرح تحالف الأقليات، الذي وصفه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بالتحالف المشرقي الجديد، ولاقاه بطرح آخر ينفي فيه الصراع الأيديولوجي مع إسرائيل، ما يشير إلى عمق الفكرة.. إلى ملف اللاجئين الذين لا يرغب النظام بعودتهم إلى سوريا، ويريد لبنان التخلّص منهم. فتلتقي مصلحة الطرفين على مبدأ تهجيرهم إلى أراض بعيدة عن سوريا ولبنان، للتخلص من رهاب هذه “الأكثرية”. والقانون رقم 10 الذي أقره النظام السوري، لم يكن بعيداً عن هذه الطروحات، ويصبّ في خانة تعزيزها وتكريسها لتغيير وجه سوريا المستقبلي.