منير الربيع: حزب الله يشكّل حكومته للبنان.. ضارباً الطائف وسايكس بيكو

156

حزب الله يشكّل حكومته للبنان.. ضارباً الطائف وسايكس بيكو
منير الربيع /المدن/الأربعاء 19/12/2018

انتصار جديد يضيفه حزب الله إلى سجّل انتصاراته المحلية والخارجية. الحكومة تتشكل وفق ما رسم. الخلاصة كانت متوقعة ومنتظرة، بمعزل عن التفصيل المتعلق بكيفية تمثيل سنّة “اللقاء التشاوري”، ومِن حصّة مَن. المسألة أصبحت أبعد بكثير من مجرّد توزير سنّي من خارج “تيار المستقبل”، وتكريس الثنائية لدى الطائفة السنّية، حكومياً، بعد أن تكرّست نيابياً، بفعل القانون الإنتخابي الأخير، وما أفرزه من نتائج. أنجز حزب الله اختراق حصون الخصوم في كل الطوائف، وبناء على القواعد الشعبية. وهذا ما تكرّس في السياسة، ولا بد له أن يتكرّس في الدستور والنظام العام مستقبلاً.

الطمأنينة المسيحية
لدى المسيحيين، يثبت حزب الله أنه يرتكز بطمأنينة على ورقة تفاهم 6 شباط 2006 في مار مخايل. فبعد كل التفسيرات والتحليلات المتضاربة، المبنية على سوء تقدير من قبل البعض، حول إمكانية زرع الشرخ والشقاق بين الحزب وحليفه الإستراتيجي، بعد وصوله إلى قصر بعبدا، أثبتت أنها مجرّد وهم وهباء. لقد تأكدت حقيقة متانة هذا “التفاهم”، بغض النظر عن بعض الإختلافات التكتيكية، بين “التيار” والحزب، والتي لا تؤدي إلى أي تغيير في موازين القوى، وفي حقيقة الوضع والمشهد. أيضاً، وإلى جانب التحالف الإستراتيجي مع التيار الوطني الحرّ، كرّس حزب الله الثنائية في الشارع المسيحي، ليس من خلال فوز القوات اللبنانية بكتلة نيابية كبيرة، بل من خلال حلفاء آخرين كتيار المردة وغيره من المستقلين.

الوثبة الدرزية
في الساحة الدرزية، يعيد حزب الله إنتاج الجبهة المعارضة للحزب التقدمي الإشتراكي. أسهمت أحداث الجاهلية مؤخراً في الإستعاضة عن ما فشلت به الإنتخابات، والمراد منها هو كسر التسيّد الإشتراكي الجنبلاطي على الجبل، عبر تشكيل جسم سياسي درزي، يستند على التقارب السياسي بين مكوناته مع دعم مباشر من الحزب ومن النظام السوري. وبذلك، يحقق الحزب وثبة جديدة باتجاه السيطرة والتأثير البعيد المدى على الواقع اللبناني مستقبلاً. والتي على الأرجح أنها لن تقف عند هذه الحدود السياسية فقط.

الضعف السني
أمّاً سنياً، وبعد إنجاز قانون الإنتخاب، نجح الحزب في صوغ كتلة نيابية معارضة لـ”تيار المستقبل”، بل نجح حزب الله بتكريس قواعده في عملية تشكيل الحكومات. وهذه العملية تدرّجت منذ سنوات، وتحديداً بعد أحداث السابع من أيار 2008، حين كرّس حزب الله مبدأ الثلث المعطّل، الذي تخلّى عنه في مراحل لاحقة، بعد تراجع خصومه، وإحرازه المزيد من التقدم السياسي، الذي سمح له التحكّم بالمسار السياسي عند كل استحقاق أساسي. في الأسابيع الأخيرة، انتقل الصراع على الثلث المعطّل إلى التيار الوطني الحرّ، الذي سعى الوزير جبران باسيل إلى المطالبة به، وتكريسه في حصّة رئيس الجمهورية وفريقه. أراد باسيل من خلال ذلك، أن يفعّل دوره الحكومي، ويصبح “رئيس حكومة ظلّ”، قادراً على تعطيل أي جلسة، أو فرض ما يريده على جدول أعماله، وحجب ما لا يريده. بالإضافة إلى التحكم بمسار الجلسات والقرارات إيجاباً أو سلباً.

حاجة باسيل إلى “عُرف” من هذا النوع، تلتقي مع حاجة حزب الله إلى إثبات قوته وإنتصاراته في الميدان السياسي. تحققت غاية باسيل وطموحات الحزب من خلال الممارسة الحالية لإدارة الدولة. وهي تكرّست عملياً منذ الصراع على الصلاحيات بين عون والحريري، التي عمّدها حزب الله باستحكامه وإمساكه بمفتاح أساسي (إلى جانب توقيع وزير المالية الذي يمنح الطائفة الشيعية حق النقض الفيتو) إذ كرّس حزب الله مبدأ عدم تسليمه أسماء وزرائه، قبل تحقيق شروطه وضمان ما يريده في عملية تشكيل الحكومة. وهذا بحدّ ذاته تغيير عميق للأعراف الدستورية، وتجاوز واضح لاتفاق الطائف.. الذي يلتقي عون وحزب الله على معارضته وضربه. قد لا تدعو الحاجة حالياً إلى إدخال تعديل عليه في النص. طالما متوفرة القدرة على تغيير مساره في الممارسة، على نحو ينجز فيه حزب الله السيطرة الكاملة على الحياة السياسية في البلد.

نفوذ الأسد وتغيّر الجغرافيا
هذا المبدأ، سيتكرس أكثر في الممارسة السياسية، داخل جلسات مجلس الوزراء مستقبلاً. كما أنه سيتكرس بمطالب عديدة سيضعها حزب الله على طاولة أي تفاوض، لن تقتصر على شرعنة السلاح، وتشريع احتفاظه بحق الرد (قرار الحرب والسلم)، ومواجهة العقوبات، وكل ما يرتبط بالضغوط الخارجية، بل أيضاً ستطال تحديد وجهة السياسة الخارجية للبنان، وأولها ملف التطبيع مع النظام السوري، أو إعادة لبنان إلى حضن نفوذ النظام في دمشق. فبعدما كان هذا الأمر في السنوات العشر الأخيرة إشكالاً أساسياً لبنانياً خصوصاً في مسألة ترسيم الحدود، فإن الواقع اليوم يقول أن هذه الحدود ستذوب مستقبلاً بفعل إنتصارات حزب الله، التي لن تنفصل لبنانياً عن الواقع السوري، والذي أحرز فيه الحزب سيطرة جغرافية على كل المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، إلى حد أصبحت فيه الحدود “مطاطة” وقابلة لتوسعة لبنان الكبير المعروف، ليصبح مرتبطاً بالقلمون وريف دمشق، وإلى مشارف الساحل السوري. كما أنها قابلة في الوقت ذاته إلى الإنقباض، وفق احتياجات الحزب السياسة والعسكرية والإستراتيجية.

السلطة الأحادية
والأساس في ما حققه الحزب، يبقى راسخاً في أحادية حكمه للبنان في الظل. أي، أن يكون طرفاً مقرراً من وراء الكواليس “الموقعية”، ومن خارج المواقع الرسمية. وما يفرضه هذا الطرف المقرر، يلتزم به أصحاب المقاعد والمناصب. وبذلك يكون حزب الله، قد انتقل بلبنان من منطق الثنائيات، إلى منطق الأحادية. وهو في مرحلة ما بعد التسوية الرئاسية، أعلن مراراً أنه يعارض قيام ثنائية سنية مارونية جديدة.

اليوم، ومن خلال تحالفه مع التيار الوطني الحرّ، وخرقه مختلف الساحات الأخرى، أصبح الحاكم بأمره، والمتخطي لكل الثنائيات أو الثلاثيات أو حتى الرباعيات. هذه تبقى فقط لحاجتها الفلوكلورية، ولحاجة حزب الله أن لا يكون وحيداً في الواجهة.