الدكتورة رندا ماروني: الإستراتيجية الفرنسية الحنونة

355

الإستراتيجية الفرنسية الحنونة
الدكتورة رندا ماروني/22 تموز/18

من يراقب مسار السياسة الخارجية الفرنسية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، بعد إلغاء الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب الإتفاق النووي مع طهران يراها تسير في اتجاهين متماثلين متوازيين لا يلتقيان، محاولة التقريب بينهما، حفاظا على مصالحها، دون جدوى، لتكشف هذه المحاولة عن رغبة فرنسا في حماية الإتفاق النووي وجني ثماره الإقتصادية، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تأييد ودعم واشنطن لباريس. إلا أن هذا التأييد المبتغى لباريس لم يلقى له صدى من واشنطن وإنعكس في الداخل اللبناني جمودا في عملية تأليف الحكومة التي تتجاذبها إرادتان متواجهتان.

فبعد أن وجهت واشنطن تحذيرات واضحة عبر سفيرتها إليزابيث ريتشارد إلى الرئيس المكلف سعد الحريري وإلى سائر المعنيين بعملية تشكيل الحكومة مفادها الإسراع في عملية التشكيل، إلا أنها لن تتهاون إطلاقا في حال أصبح قرار الحكومة في يد حزب الله، ولقد ورد التحذير الحرفي كالآتي: إذا حصل الحزب على غالبية تسمح له بالتحكم بالقرار في الحكومة العتيدة فسيكون هناك حديث آخر، وهذا ما سيدفع الولايات المتحدة إلى أن تتعاطى مع لبنان الدولة كما تتعاطى اليوم مع الحزب الذي تعتبره منظمة إرهابية تقوم بمتابعة عمليات تمويلها وتجفيفها.

إذا بعد أن وجهت واشنطن تحذيراتها المتشددة حول طبيعة الحكومة المقبلة نرى تراخ واضح في الموقف الفرنسي المؤيد للتشكيل والمهمل للطبيعة الحكومية المقبلة وإتجهاتها السياسية، هذا الموقف الذي عبر عنه سفير فرنسا في لبنان برونو فوشيه ليعلن من خلاله دعما للأكثرية كما أسماها، وليظهر إنحيازا واضحا للفريق الموالي لإيران، فدخول باريس على الخط والدعوة إلى تشكيل الحكومة حتى لو كانت حكومة الأكثرية النيابية لأن “الأكثرية هي الأكثرية” يشكل علامة فارقة تستوجب التمعن في فحواها. ومن خلال موقف فوشيه نستطيع أن نلمس الناقض والمنقوض والتخبط في رسم سياسة غير واقعية لكنها مناسبة للتطلعات الفرنسية الخارجية، صعبة المنال صعوبة التوفيق بين مسارين متناقضين يتنازعان النفوذ.

لقد شدد فوشيه على خطورة الوضع الإقتصادي الذي يستوجب تأليف حكومة حتى لو كانت حكومة حزب الله أو حكومة موالية لإيران. فمن خلال حديثه مع مجموعة من الصحفيين عشية العيد الوطني الفرنسي توزع إهتمام السياسة الفرنسية في خطوط متفرقة بين إيران والولايات المتحدة ولبنان بنسب متفاوتة في الأهمية كان لحزب الله الذراع الإيراني في لبنان النصيب الأوفر فيها، حيث أوضح أن فرنسا تعتبر حزب الله هو حزب سياسي لبناني له نواب ووزراء، وأن إشتراكه بقوة في الحكومة اللبنانية لن يكون له تأثير سلبي على إلتزامات سيدر، موضحا بأن سيدر سينفذ عبر وزارات واستثمارات مؤسسات خارجية ولا يمكن لحزب الله من خلال إشتراكه بقوة في الحكومة أن يجمد الأمور. كما لم يوافق فوشيه على الدمج بين الحزب والحكومة لأن التمويل الخاص بالحزب هو المستهدف، وليس تمويل الدولة الذي يمر عبر مجلس الإنماء والإعمار، أو مؤسسات وفق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

هذا القرب المسجل للسياسة الفرنسية من إيران قابله تماشيا مع التوجهات الأميركية من خلال تأكيده موقفا ثابتا بأن حزب الله هو حزب لبناني ويتم التعاطي مع لبنانيته، إلا أن فرنسا لا تعترف بنشاطه خارج لبنان من دون موافقة الحكومة التي هي مصدر الشرعية الوحيد في البلد، ولهذا فإن فرنسا تدعم سياسة النأي بالنفس وهذا موقف تقليدي يبلغ دائما إلى حزب الله، بأن لا دخل لهم في العراق واليمن وسوريا وبأن خطر التدخل في سوريا يمكن له أن يجر لبنان إلى صراع لا دخل له فيه.

وعن إمكان تولي حزب الله وزارة الصحة أشار إلى أن الحزب” قال إنه يرغب بحقيبة خدمات” وأوضح أن السفيرة الأمريكية إليزابيث ريتشارد كانت واضحة في 3 تموز الماضي بإشارتها إلى أن بلادها تتعاون مع لبنان في القطاع الصحي والموقف الأميركي من حزب الله وهم لن يكونوا حياديين.

أما ما يتعلق بمسايرة الدولة اللبنانية أتى من خلال التطرق لموضوع النازحين حيث أكد تقدير فرنسا إستيعاب أزمة النازحين من قبل لبنان، ما جعله البلد الأول في المساعدات التي تقدمها فرنسا والتي بلغت 440 مليون دولار للأعوام 2018-2020 وأوضح بأن فرنسا لا تناقش في خيار لبنان، عدم توطينهم، بل يجب أن يعودوا في ظروف مقبولة، ولذلك يجب مساعدة لبنان والتقدم نحو حل سياسي ويجب أن لا تربط العودة بالحل السياسي الشامل، وفي الوقت نفسه هناك مبادرات لا تعارضها فرنسا ومفوضية اللاجئين ليست بعيدة عنها وهي تدقق في هذه المبادرات وربما هذا ما سبب سوء التفاهم وإذا كانت العودة إلى منطقة مستقرة لا أحد يعارضها لكن المشكلة هي في رد الفعل السوري، فهم لا يريدون عودتهم، هناك إنتقائية سورية للعائدين.

لقد أتى موقف السفير الفرنسي ليوضح خطين متوازين للسياسة الفرنسية لا يلتقيان، الأول مفعل والآخر بطيء، إذا لم نرد القول بأنه متوقف كليا عن النشاط، غير مرئي الحركة موجود فقط في التصاريح والخطب والمواقف، المسايرة المؤيدة المتعاطفة، إنما ليست بالساعية، لتسجل بهذا إستراتجيتان الاولى مفعلة إنما ليست بفاعلة نظرا لتعدد اللاعبين الاقوياء والاخرى ليست مفعلة إنما فاعلة في تغطية المواقف الحقيقية وتهدئة النفوس وتجميل النصوص ليصح عليها صفة الإستراتيجية الحنونة إنما الماكرة.
إستراتيجية حنونة
فعلها ماكر
تتشاطر تبرر
تناور
تدعي الأمومة
ثم تقامر
كلاعب حريف
مغامر
يهوى السطوا
بعدها يكابر
يطلق نصائحا
يعلن المشاعر
بجنة النعيم
وغرام السنافر
يصف الوصف
يجاهر يفاخر
يقص القصص
ليقول نوادر
ضحكه خفاءا
باطنه ساخر
يعلن رحيلا
تظنه مغادر
في الظهر يطعن
يغرز الأظافر
حذار حذار
فالاستراتجية حنونة
فعلها ماكر
تتشاطر تبرر
تناور.