شارل الياس شرتوني: الفاشيات الشيعية، السياسة الانقلابية واستهداف السلم الاهلي

139

الفاشيات الشيعية، السياسة الانقلابية واستهداف السلم الاهلي
شارل الياس شرتوني/فايسبوك/16 تشرين الأول/2021

إن المطالعة الموضوعية والحازمة التي قام بها رئيس حزب القوات اللبنانية لحيثيات أحداث عين الرمانة قد وضعت الحقائق ضمن نصابها، لجهة المجريات وأطراف المجابهة وأسبابها، ومحاولات أستعمال القضاء والاجهزة الامنية من أجل التصرف بالتحقيق واستهداف القوات اللبنانية، تمهيدا لتكرار سيناريو سيدة النجاة وسجن رئيسها لمدة ١١ عاما.

إن سياسة المفارقات الهزلية التي تعتمدها الفاشيات الشيعية هي من الابتذال والتفاهة التي عهدناها في بلادنا على عقود، والتي تقضي التستر بحجج واهية لتبرير استهداف السلم الاهلي، وتدمير قواعد الاجتماع السياسي اللبناني، وتبرير التدمير الممنهج للاقتصاد والذخر الاجتماعي اللبناني الذي أسست له عشرة عقود من المبادرات المؤسسية التي بنت ما هو لبنان عليه اليوم.

يبررون لأنفسهم كل الاداءات الانقلابية خلف ستارات واهية (محاربة الصهيونية، والامپريالية، والدفاع عن العروبة، والسياسة التوسعية الايرانية، والادعاءات الاصلاحية الفارغة…)، وهم بالحقيقة يسعون الى تدمير الكيان الوطني اللبناني ومقولاته المؤسسة ومرتكزاته الثقافية والمؤسسية والدستورية .

إن مجرد متابعة فصول المسرحية الدموية التي جرت يوم الخميس الماضي هو تظهير لذهنية الصلف والكذب والاستباحة التي تختصر مجمل أداء الفاشيات الشيعية، التي تذكرنا باداءات سبقتها مع النهج الذي اعتمد من قبل التحالف اليساري-الفلسطيني منذ منتصف الستينات وتداعياته المدمرة على مدى ستة عقود. لقد ظهرت هذه الأحداث الحقائق التالية:

أ- إن تبني مجموعة دينية لايديولوجية توتاليتارية (الخمينية) تتوازى مع مثيلتها في الأوساط السنية (الاخوان المسلمين)، وللعمل الارهابي ونشاطات الجريمة المنظمة على المستوى الدولي، قد أسس لحالة من الانومية (فقدان المعايير القيمية) تفسر ذهنية الاستباحة والتعدي المطبع على أمن وكرامات الآخرين وحقوقهم واملاكهم، وتشريعها من منطلقات الشرع الاسلامي، هو أمر بالغ الخطورة لا يمكن التآلف مع موجباته وأحكامه في أي نظام ديموقراطي.
لقد وضعت الغالبية الشيعية نفسها خارجا عن القيم الناظمة للاجتماع السياسي في الديموقراطية، فافسحت المجال لانهيار السلم الاهلي، والتداعي التدرجي لقواعد الاجتماع السياسي الديموقراطي والليبرالي الذي اتصف به الكيان السياسي اللبناني، على الرغم من أعطابه التكوينية، ومن المداخلات الاقليمية المدمرة لأي استقرار سياسي فيه. إن أحداث عين الرمانة ( ١٤ تشرين الأول، ٢٠٢١) ما هي الا إعادة لما جرى في المنطقة عينها ( ١٣ نيسان، ١٩٧٥) وما سبقها ولحقها، سواء لجهة السيناريو، أو الاعتبارات المفبركة من أجل ضرب السلم الاهلي والتمهيد لانقلاب سياسي من قبل الفرقاء المعنيين آنذاك واليوم. سياسات التعبئة الايديولوجية، والاستثناءات السيادية، والاستباحة المشرعة لدولة القانون والحقوق الدستورية والانسانية، قد خلقت مجتمعة الاستعدادات الذهنية والسلوكية التي أسست للحرب في سنة ١٩٧٥ ، وتحضر لحروب سنة ٢٠٢١ على خط التقاطع مع الفراغات الاستراتيجية الاقليمية، والحروب الأهلية الاقليمية وديناميكياتها الناظمة.

ب- إن المحاولات الحثيثة والبينة التي اعتمدتها الفاشيات الشيعية من أجل تفخيخ عملية التحقيق في تفجير مرفأ بيروت الپروتو-نووي وإسقاطه تدريجا من خلال التصرف بمسرح الجريمة، واغتيال الضباط والناشطين الذين يمتلكون معلومات مساعدة لبلورة جوانب التحقيق المتعددة، والممانعة المتشددة بوجه التحقيق الدولي، وتطويع الرئاسات الثلاث والمجلس النيابي والحكومتين المتتاليتين في هذا المجال، بفعل السيطرة على المؤسسات الدستورية وتعطيلها، وتبعية وتواطؤ كل من رئيس الجمهورية، ميشال عون، ورؤساء الحكومات المتعاقبة ( سعد الحريري، حسان دياب، نجيب ميقاتي)، وتبعية القضاء لمراكز النفوذ، وعملية تفخيخ الجيش والمؤسسات الأمنية من الداخل. يندرج اقصاء القاضيين المولجين بعملية التحقيق ضمن السياق الانقلابي الذي اعتمد حيال المؤسسات الدولتية التي حولوها الى هيكليات فارغة، أو تابعة لسياسات التطويع المنهجي التي صيغت من قبلهم. السؤال الاساس الذي تطرحه هذه التظاهرات المفتعلة، يندرج ضمن سياقين: خشية حزب الله من نتائج التحقيق نتيجة لتظهير مسؤوليته المباشرة عن الانفجار ، ومتابعة سياسة الإرهاب من أجل استكمال سياسة وضع اليد على القرارات العامة والتفكيك المنهجي لما تبقى من الكيان والدولة اللبنانية…،.

ج-إن الهجوم المنظم والمعد سلفا على منطقة عين الرمانة هو جزء لا يتجزأ من سياسة التغيير المنهجية للديناميكيات العامة (الاستراتيجية والامنية والمدينية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية) التي تعتبر أن المسيحيين أصبحوا عائقا أساس بوجه سياسة السيطرة الشيعية، ومن هنا يفهم التركيز في الحملات السياسية على البطريركية المارونية والقوات اللبنانية، كمعاقل ممانعة أساسية بوجهها.

ان المقارنة مع أحداث٧ أيار ٢٠٠٨، صحيحة لجهة تظهير سياسة “الأزمات المتناسلة” (وضاح شرارة) التي يعتمدها حزب الله على نحو دوري منتظم، ولكنها غير صحيحة لجهة نجاحها في تطويع الديناميكية السنية، وعجزها عن تطويع الديناميكية الممانعة في الأوساط المسيحية، بعد سقوط الحليفين التابعين بفعل العمالة المصلحية، ميشال عون وسليمان فرنجية.

هذا ما جرى تماما في سنة ١٩٧٥ عندما لجأ التحالف الفلسطيني-اليساري الى سياسة عزل الكتائب واستهداف الرهبانية اللبنانية المارونية التي شكلت العمود الفقري للمقاومة اللبنانية آنذاك.

إن المطالعة الموضوعية والحازمة التي قام بها رئيس حزب القوات اللبنانية لحيثيات أحداث عين الرمانة قد وضعت الحقائق ضمن نصابها، لجهة المجريات وأطراف المجابهة وأسبابها، ومحاولات أستعمال القضاء والاجهزة الامنية من أجل التصرف بالتحقيق واستهداف القوات اللبنانية، تمهيدا لتكرار سيناريو سيدة النجاة وسجن رئيسها لمدة ١١ عاما.

ان شعارات المظلومية و” العدوانية المتباكية على ذاتها” (فؤاد عجمي) قد أصبحت وراءنا ولم يسلم بها أساسًا الا في أوساط حزب الله، وعلى حسن نصرالله أن يعي أن الخيار الانقلابي من خلال سياسات الارهاب والتدمير الشامل، وتحريف الحقائق، واستخدام أجهزة الدولة التي تم الاستيلاء عليها، هي طريقه الى السيطرة، وسوف تتم المواجهة معه على هذا الاساس ويبنى على الشيء مقتضاه.