أحمد الأيوبي/جيشٌ سوري غير معلن في لبنان … ينتظر إشارة التحرّك للانقضاض على الكيان اللبناني، وهذا أحد أخطر التحديات التي تتكاثر في لحظة واحدة على هذا الوطن المنكوب

246

جيشٌ سوري غير معلن في لبنان ... ينتظر إشارة التحرّك للانقضاض على الكيان اللبناني، وهذا أحد أخطر التحديات التي تتكاثر في لحظة واحدة على هذا الوطن المنكوب.

أحمد الأيوبي/اللواء/02 تشرين الأول/2021

ما يقلقنا إضافة إلى هجرة شعبنا، تزايد عدد اللاجئين والنازحين الذين بلغوا نصف سكان لبنان، وهذا الواقع يشكل عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على لبنان وخطراً سياسياً وديمغرافياً وأمنياً وثقافياً، وعلى الجميع السعي لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين وعودة النازحين السوريين لبلادهم، عودوا إلى بلادكم وتابعوا تاريخم وثقافتكم، وإن لم تعودوا تكونوا أنتم من تقيمون الحرب الثانية بهدم ثقافتكم وتاريخكم، ونطالب بذلك بكلّ محبة». بهذا الموقف الذي أطلقه خلال زيارته إلى المجلس الاقتصادي الاجتماعي بتاريخ 29  أيلول 2021، أعاد البطريرك بشارة الراعي طرح مسألة الوجود السوري في لبنان، بعد حصول تحوّلات كبرى في هذه القضية، أوصلت إلى النتائج التي تلاها البطريرك، وهي نتائج شديدة الخطورة، في بعديها الوطني والاجتماعي. فمن الناحية الوطنية والسياسية، لم يعد هناك شكّ بأنّ قضية اللاجئين السوريين في لبنان، فقدت عناصر بقائها، لأسباب كثيرة، أهمها أنّ الأغلبية الساحقة من اللاجئين السوريين قامت بتسوية أوضاعها مع النظام الحاكم في دمشق، وباتت هذه الشريحة الكبرى، تدخل الأراضي السورية وتعود منها إلى لبنان، بدون أية إشكالات أو مضايقات. بهذا، تكون صفة اللجوء أو النزوح قد سقطت عن جميع السوريين الذين دخلوا الأراضي اللبنانية بذريعة الهرب من الحرب في بلادهم، وهذا ما سبق أن أكّدته حكومة الرئيس تمّام سلام، وجعلت مسألة الدخول الآمن إلى سوريا المسألة الحاسمة في نزع أو تثبيت صفة اللجوء.

تكاذب التحالف الحاكم في قضية العودة
الغريب أنّ الحكومات المتعاقبة التي امتلك فيها «حزب الله» وحليفه التيار الوطني الحر، وبوجود الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية، لم يطبِّقوا معيار الدخول الآمن إلى سوريا، وكان من شأن ذلك أن يخفِّض أعداد السوريين في لبنان إلى ما يزيد عن النصف على الأقل، لكنّ هذا التحالف، كان يكثر من «النقّ» ويبتعد عن التنفيذ.

في ضوء هذا الواقع، يبرز السؤال: لماذا يستمرّ الرئيس ميشال عون في طرح قضية اللاجئين السوريين في كل مناسبة وعند كلّ مفترق طرق سياسي، وهو يعلم أنّه ليس هناك مانع من عودتهم سوى إرادة النظام السوري التي تنشطر إلى بُعدين:

البعد الأول: استراتيجي ديموغرافي
وهو أنّ بشار الأسد الذي سبق أن تحدّث عن «المجتمع السوري المنسجم» لا يريد عودة مئات آلاف اللاجئين السنة إلى سوريا، حتى لو قام أكثرهم بتسوية أوضاعه، فقد أدرك أنّ الأجيال ستولّد الثورات ولو بعد حين، فضلاً عن أنّه يريد كسر الأغلبية السنية في البلد، من خلال التهجير الخارجي، والتلاعب بالخريطة السكانية داخل سوريا.

 البعد الثاني: مالي اقتصادي
تستفيد مالية النظام من الأموال التي يجنيها السوريون في  لبنان، سواء من خلال المساعدات الأممية بالدولار الأميركي، أو من خلال أعمالهم المختلفة، التجارية والزراعية والصناعية، والتي يصل منها إلى السفارة السورية، عبر جباتها في المناطق اللبنانية، نسب ثابتة ومرقومة.

أجيال سورية لا تعرف بلدها: لبنان لنا
أجيال سوريّة تتوالد بالآلاف في لبنان، منها ما هو مسجل، ومنها ما لا يسجّل، وقسم كبير من هؤلاء لا يعرفون سوريا، فقد ولدوا في بلدنا، ولا تربطهم بوطنهم صلة عملية سوى الهوية الغائبة أو المغيّبة، كما أنّهم اعتادوا الحياة هنا، وارتبطوا بمصالح وأعمال وطبيعة حياة تجعل بلدنا بالنسبة إليهم البيئة المناسبة للبقاء.

من جهة أخرى، هناك من يربّيهم على أنّ لبنان هو بلدهم ولهم «الحقّ» في البقاء والسيطرة فيه وعليه. فالمنظومة الأمنية السورية استطاعت أن تقيم شبكة استقطاب وسيطرة، ظهرت بوضوح في أحد تجلّياتها في المنية، عندما تعرّضت خيام العاملين السوريين للإحراق في أواخر شهر كانون الأول 2020، عندما ظهر السلاح في أيدي بعض السوريين الموالين للنظام، وحضر وفد من السفارة السورية وقام باستعراض سياسي بادعاء الدفاع عن مصالح السوريين في لبنان.

ابتزاز العالم لإعادة الإعمار
على المستوى الدولي، يريد النظام السوري ابتزاز العالم أجمع في قضية عودة اللاجئين، ليجرّ رِجل المجتمع الدولي نحو دفع الأموال، لإعادة إعمار سوريا التي دمّرها ببراميله المتفجّرة وأباد أهلها وهجّرهم إلى أقصى جهات الأرض. وقد حاولت روسيا أن تغري الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين والعرب بهذا التوجّه، لكنّها فشلت بسبب غياب أفق التسوية السياسية، التي من شأنها إرساء حدّ معقول من الاستقرار السياسي المبني على الحقائق الديموغرافية، وليس على كسرها بالقتل والتشريد والتهجير.

جيش سوريّ غير معلن
طرحُ البطريرك الراعي هو المقاربة الأكثر دقة في هذه المرحلة، وإذا كان الرئيس نجيب ميقاتي يريد فتح ثغرة في هذا الجدار، فليس أمامه سوى العودة إلى قرار حكومة الرئيس تمام سلام، والبدء بإعادة كلّ من له القدرة على الدخول الآمن إلى سوريا، وهذا قرار سيادي، يُفترض أنّ يناسب جميع من ينادي بحلّ قضية اللاجئين السوريين في لبنان، حتى لا يسقط البلد بيد جيش سوري ينتظر إشارة التحرّك للانقضاض على الكيان اللبناني، وهذا أحد أخطر التحديات التي تتكاثر في لحظة واحدة على هذا الوطن المنكوب.