د. مكرم رباح/حاصبيا.. ليست حزب الله

136

حاصبيا.. ليست حزب الله

د. مكرم رباح/النهار العربي/06 آب/2021

بعد اتفاق القاهرة بين الدولة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، تحوّلت منطقة العرقوب المحاذية لفلسطين المحتلة ساحة عمليات تستخدمها المقاومة الفلسطينية لشن هجمات باتجاه الداخل الفلسطيني، ما كبّد قرى العرقوب ذات الأكثرية الدرزية، ومن بينها مدينة حاصبيا، رداً عسكرياً أسفر عن خسائر مادية وبشرية.

ومع تعرض قراهم للقصف الإسرائيلي، زار وفد من أهالي المنطقة برفقة رجال الدين مسؤول الكفاح المسلح في العرقوب من أجل التوسط لنقل مدفعية منظمة التحرير من محيط قراهم. المسؤول العسكري رحب بهم آنذاك، لكنه رفض طلبهم على اعتبار أن السلاح هو السبيل الوحيد نحو تحرير القدس من الصهاينة. فما كان من أحد الحاضرين إلا أن صرخ في وجهه قائلاً: “يا خيي، إنت شيل (إنقل) المدفع من هون (هنا) وفلسطين بتاخدها من هالشوارب”.

بطبيعة الحال، هذه الرواية الطريفة والوهمية ربما تصح أمام مشهد قرية شويا الدرزية في منطقة العرقوب، حيث قام الأهالي من الموحدين الدروز باعتراض شاحنة محملة براجمة صواريخ استخدمت قريتهم غطاء لإطلاق النار نحو فلسطين المحتلة، وانهالوا على ركابها بالضرب وجردوهم من سلاحهم قبل أن يتدخل الجيش اللبناني وينقذهم من براثن الغضب من قيام “حزب الله” بتحويل قراهم إلى أهداف عسكرية غير مبررة.

العملية التي قام بها “حزب الله” ليست بالمفاجئة، فهي تأتي عقب إطلاق صواريخ أخرى تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى لجريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) في محاولة لتخفيف الضغط عن الحرس الثوري الإيراني الذي يواجه ضغوطاً سياسية وعسكرية على خلفية عمليات القرصنة التخريبية التي شنها في بحر العرب، والتي دعت المجتمع الدولي الى إعادة النظر في المصالحة التي تجري في فيينا حالياً.

في الفيديو الذي وصلنا من “غزوة شويا”، يظهر بوضوح غضب الأهالي من شاحنة محملة بصواريخ غراد 122 مم. موّهتها “المقاومة” لتبدو كشاحنة زراعية، كانت قد أطلقت قسماً من صواريخها قبل أن تحاول الانسحاب من مكانها من دون لفت الأنظار، لكن الخطة أفشلها ردّ فعل الأهالي العنيف. فمن حيث المبدأ، “حزب الله” لم يكن ليعلن مسؤوليته عن العملية لولا سقوط “مجاهديه الزراعيين” بقبضة الأهالي، وكان، كالعادة، نسب العملية لإحدى المجموعات الإسلامية الفلسطينية تحت شعار عرض عسكري هزيل. ولكن حسابات الحقل لم تكن كحسابات البيدر.

السؤال الأساسي هو: لماذا لم يقم “حزب الله” بإطلاق صواريخه الثقيلة من المدن التي تقع تحت احتلاله العسكري، ولماذا السيد حسن نصر الله يخجل من تحويل القرى التي تحمل أعلامه وصوره إلى خطوط مواجهة مع الاحتلال الصهيوني؟ والأمر المفاجئ هو أن صواريخ الغراد 122 مم. لا تليق بـ”حزب الله” وبالحرس الثوري الإيراني اللذين يمتلكان، بحسب زعمهما، ترسانة كبيرة من الصواريخ “الذكية” القادرة على إبادة إسرائيل بسبع ثوان ونصف فقط، بل إن الحزب يملك كمية وافية من البراميل المتفجرة المليئة بنيترات الأمونيوم والتي استخدم بعضها لتهجير وقتل الشعب السوري البريء.

إطلاق الصواريخ الاستعراضية لن يُلغي من ذاكرة اللبنانيين “إنجازات” الحزب السياسية، ولا أعراس ساستهم وعناصرهم الباهظة والسخيفة، ولا 7 أيار المتجددة في شوارع بيروت ومحطات الوقود، بل لن يجعل من القرصنة في بحر العرب عملاً مقاوماً.

المشكلة ليست في قتال إسرائيل ولا في تحرير القدس، بل في استغباء العالم عبر تلك المسرحيات الهزيلة التي تهدف إلى تحوير النظر عن المغامرة الإيرانية في المنطقة وعمليات تهريب المحروقات والمواد المدعومة التي يقودها “المجاهدون الزراعيون” لنصرة حليفهم بشار الأسد.

أهالي شويا كما كل الشعب اللبناني ليسوا ضد المقاومة الصادقة، بل ضد النفاق المتواصل بين السلاح الإيراني والطبقة اللبنانية الفاسدة التي حولت لبنان بأسره إلى شويا وساحة موت وخراب.

أهالي شويا دافعوا عن أنفسهم، في شجاعة لن تكتمل إن لم يعِ أشقاؤهم في الوطن ضرورة وجود مقاومة سياسية ترفض أن يتحول لبنان الى “حزب الله Land” جديد لخدمة جهاده الزراعي.

فَـ”شيل راجمتك الزراعية من هون وفلسطين بتاخدها من هل الشوارب”.