شارل الياس شرتوني: الجريمة الموقعة والحرب الأهلية المعلنة/إن مجرد مطالعة أسماء النواب الذي عارضوا رفع الحصانات كاف لانبائنا عن طبيعة الأزمة الحاضرة ومندرجاتها الخطيرة التي تطال السلم الأهلي في أسسه

148

الجريمة الموقعة والحرب الأهلية المعلنة
إن مجرد مطالعة أسماء النواب الذي عارضوا رفع الحصانات كاف لانبائنا عن طبيعة الأزمة الحاضرة ومندرجاتها الخطيرة التي تطال السلم الأهلي في أسسه

شارل الياس شرتوني/24 تموز/2021

إن مجرد مطالعة أسماء النواب الذي عارضوا رفع الحصانات كاف لانبائنا عن طبيعة الأزمة الحاضرة ومندرجاتها الخطيرة التي تطال السلم الأهلي في أسسه: العقد الاخلاقي السابق للعقد الاجتماعي، وما يتضمنه من قيم تأسيسية للاجتماعين السياسي والانساني تدور حول حرمة الحياة الانسانية والطبيعية كمنشأ أساس لكل الحقوق الوضعية على تنوع موضوعاتها. إن جغرافية التوزع السياسي تعلمنا الكثير عن نوايا هؤلاء الفرقاء السياسيين، وتبدد الرباطات الاخلاقية والمدنية والسياسية التي يجب ان تحكم جدلية التواصل في أي مجتمع يريد نفسه ديموقراطيا. إن التقاء نواب حزب الله وأمل والمستقبل، والقوميين السوريين والاحباش وكتلة الميقاتي، ليس من باب الصدفة، فهؤلاء يعلنون بشكل غير موارب انسحابهم من العقود المؤسسة للاجتماع السياسي اللبناني التي تنطلق من شرعة حقوق الانسان ومنطلقاتها الضميرية كمرتكز أساس في صياغة قواعد السلوك الفردي والاجتماعي والمدني والسياسي. إن استعمال المؤسسة الپرلمانية من أجل تفخيخ الخيارات القيمية الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الديموقراطية والليبرالية، هو عمل انقلابي بامتياز على هذه القيم التي من دونها لا تستقيم الحياة الديموقراطية.

إن المدلولات الخطيرة التي أفصحت عنها مواقف هذه الكتل السياسية هو مؤشر يطال المنحى التمييزي والانقلابي الذي تعلن عنه هذه المواقف دون أي مواربة. إن الموقف الخبيث وغير الراشد الذي أعلنه سعد الحريري، حول استحالة استكمال التحقيق لاعتبارات تتعلق بفهمه لطبيعة السلم الاهلي، وبالتالي اقفال الملف الذي شبهه بملف اغتيال والده، هذا مع العلم ان اللبنانيين دفعوا مليار دولار من اجل المحكمة الدولية، يعبر عن عدم رشده، وجبنه وتواطئه مع حزب الله والفاشيات الشيعية، التي دأبت منذ ساعات الانفجار الأولى على اخفاء معالم الجريمة، ورفض تدويل التحقيق الجنائي، واغتيال عدد من الأشخاص المفيدين في عملية التحقيق، وإعاقة أعمال القاضيين المولجين باعداد القرارات الظنية بحق المتهمين الذين تثبت التحقيقات تورطهم بهذه الجريمة البالغة الخطورة، بحجم ونوعية أضرارها ومدلولاتها، لجهة سياسة تدمير شاملة تغير الديناميكيات المدنية والديموغرافية، والاقتصادية والاجتماعية في شرقي العاصمة، وتردداتها على مستقبل البلاد لجهة الخيارات الميثاقية والليبرالية والديموقراطية. هذا التموضع السياسي الوقح الذي يجيز حجب الواقع والتغاضي عن النتائج الكارثية لجريمة ارهابية بهذا الحجم ( ٢١٥ قتيلا،٧٠٠٠ جريح واعاقات لمدى الحياة، تدمير ٣٠٠،٠٠٠ منزل، تدمير ٨ مدارس كبرى، ٤ مستشفيات جامعية ومستشفى حكومي، تدمير الايكولوجية المدنية لبيروت التاريخية، …)، واتخاذ قرار عدم رفع الحصانات دون أي وخز من ضمير، هذا إن كان لسياسيين فاسدين من إحساس اخلاقي بحدوده الدنيا.

هذا الموقف سوف يؤسس لشرخ اخلاقي كبير ويدفع باسئلة أساسية حول إمكانية التعايش بغياب القيم الانسانية والأخلاقية التي بلورتها الشرعة العميمة لحقوق الانسان. ما شأننا وشأنكم بعد اليوم، فأيًا كانت ذرائعكم واعتباراتكم المصطنعة، تبقى دونها عنصريتكم، ونوايا السيطرة التي تضمرونها كما عبر عنها نبيه بري عندما توجه الى فؤاد السنيورة قائلا ” تعالوا ننظم خلافاتنا فالمسيحيون راحلون”. أما سعد الحريري فيستحق جوابا وحيدا”، لا تتعاطى يا ولد فيما لا يعنيك”، المواجهة ابتدأت وسوف تستكمل والجريمة لن تمر …اللبنانيون الليبراليون والديموقراطيون هم في مواجهة مع مجموعة فاشية واوليغارشيات مافيوية تتطلب مداخلات دولية حاسمة تضع حدا لسياسات التدمير الإرادية لهذه البلاد، وما بنته من تجارب سياسية وانسانية استثنائية في هذه المنطقة من العالم التي لم تعرف سوى العنف والديكتاتوريات سبيلا للتعاطي بين البشر. إن المهاترات التي ترافق الأزمة الحكومية، قبل وبعد الانفجار الپروتو نووي، ما هي إلا تمويهات هزلية لتغطية تدمير التجربة الديموقراطية والليبرالية الوحيدة في هذه المنطقة التي تتآكلها الديكتاتوريات. إن التشويهات التي تعاني منها الديموقراطية اللبنانية، ليست الا تعبيرا عن مفارقات وسياسات استهدفت الارث الوطني والديموقراطي الذي حملت ثلاثة أجيال متعاقبة مهمات الدفاع عنه وبلورة آفاقه.