قاسم مرواني: هل تخلى حزب الله عن بيئته.. ومن يستمع لنصرالله؟/فارس خشان: التململ الشيعي من حزب الله في لبنان… ينمو

326

هل تخلى حزب الله عن بيئته.. ومن يستمع لنصرالله؟
قاسم مرواني/المدن/13 تموز/2021

التململ الشيعي من “حزب الله” في لبنان… ينمو
فارس خشان/النهار العربي/13 تموز/2021

يوم السبت الماضي نشر موقع “المدن” الإلكتروني مقالة وقّعها قاسم مرواني تعرض لواقع حال البيئة الشعبية التي يعمل فيها “حزب الله” ويطلق عليها خطباؤه اسم “جمهور المقاومة”.

المقالة وثّقت قصصاً كانت تصل إلى الكثيرين عن تململ غير مسبوق من “حزب الله” في البيئة الشيعية التي إذا ما تمّ وضع البروباغاندا جانباً، يتضح أنّها تعاني أضعاف ما تعاني منه البيئات اللبنانية الأخرى، في ظل هذه الكارثة التي نسبها وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، أمس الى ما سمّاه “التدمير الذاتي”. وتقاطعت هذه المقالة، مع جزء من تحقيق نشرته صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية، قبل أيّام، لجهة تأكيد فقدان “بطاقة سجاد” التي أطلقها “حزب الله” حتى يستفيد مناصروه من السلع الضرورية، بأسعار رخيصة، في متاجر خاصة به، قيمتها مع تراجع دعم مصرف لبنان لكثير من المستوردات، من جهة وارتفاع وتيرة “التهريب الممانع” الى سوريا الغريقة، من جهة أخرى. وقد بادرتُ الى إرسال هذين المقالين الى عدد من الأصدقاء الذين يعيشون في بيئة “حزب الله” أو هم على تفاعل دائم معها، لاستطلاع رأيهم، ومعرفة ما إذا كان الوارد فيها مجرد “بروباغندا”، وفق ما يصر على قوله “دعائيو” الحزب الذين لا يترددون بإقحام “المؤامرة الكونية”، في عملية تهدف الى تسخيف كل حرف لا يناسب الصورة التي يروّجونها عن حزبهم. الردود التي تلقيتها بيّنت أنّ المقال اللبناني، على “فظاعة” المعلومات الواردة فيه، ليست، في الواقع، سوى صيغة “ملطّفة” للواقع الحقيقي في بيئة “حزب الله”.

وقد توقفتُ باهتمام عند مشاهدات عينية، زوّدني بها صديق ينتمي الى بلدة جنوبية كبرى.
صديقي هذا ليس منتظماً لا في “حزب الله” ولا في “حركة أمل”، وهو يملك حسّاً نقدياً عالياً، مثل شهاداته الجامعية، ولكنّه لا يقدّم نفسه معادياً لـ”جمهور المقاومة” ولا ثائراً. وهذا التوصيف لصديقي، قبل عرض ما زوّدني به، ضروري، لأنّه، لو كان منتمياً، مثلاً، الى “حركة أمل” فهو قد تكون له مصلحة في النيل من سمعة “حزب الله”، على اعتبار أنّ التقارير الميدانية تفيد بوجود حالة تململ في قواعد “أمل” التي يتقاضى المنتظمون فيها رواتبهم بالليرة اللبنانية المنهارة، من سياسات “حزب الله” الذي يتقاضى المنتظمون فيه رواتبهم بالدولار الأميركي “المعادي”.

ولا تهدف هذه الإشارة الى إلقاء الضوء على واقع ميداني “مهزوز” بين “الثنائي الشيعي” الذي تعمل قيادتاه الميدانيتان، بلا هوادة، على احتوائه، بل هي تمهيد لا بد منه لوضع مشاهدات صديقي في إطارها الموضوعي. لن أكشف عن هوية صديقي هذا، ولا عن اسم بلدته، حرصاً على سلامته، من “سحسوح” يدفعه الى النفي، أو من سيناريو “حقه رصاصة” الذي جرى اعتماده مع المناضل والمفكّر لقمان سليم.

قال لي بالحرف: “قبل أيّام ذهبت الى حي (ج) في بلدة (خ) لشراء المناقيش لأولادي. قصدت فرناً معروفاً أنّ صاحبه من أشد المؤيّدين لـ”حزب الله”، وهو يعرض صورة ضخمة للسيد حسن نصرالله على واجهته الزجاجية. كان الفرن مزدحماً، والجميع ينتظر دوره للحصول على طلبيته، ويلقون نظرة على التلفزيون الصامت الذي كان موضوعاً على قناة غير “المنار”. وعندما مرّت مشاهد يظهر فيها السيّد حسن، راح أحد الحاضرين، وبصوت عالٍ جداً، يسخر من الحزب ومن أمينه العام، وممّا قاله: أين هو هذا الذي يضع الملفات تحت أبطه، ويريد تطيير رؤوس الفاسدين واسترداد مليارات الدولارات؟ أين هو هذا الذي يريد أن يستورد البنزين من إيران؟ في الانتخابات المقبلة، سوف أصوّت للشيطان ولا أصوّت لهم”. وتابع صديقي قائلاً: “أنا أصبت بصدمة. لم نعتد في بلدتنا أن نسمع، على الملأ، هذا النوع من الكلام، وهذا الانتقاد المباشر للسيّد”.وقال: “فعلياً، العالم استوت. الشيعة، خلص استووا. المشكلة الوحيدة المطروحة برأيي هي إذا كان سيكون للشيعة وغير الشيعة بدائل واضحة وخيارات فعلية، علماً أن بعض الناس حطّلها اليوم عصاية بينتخبوها ضد هؤلاء”.

إنّ هذه الحقائق الميدانية هي أمور بديهية. لو أنّ “بيئة حرب الله” كانت سعيدة بالفقر والحرمان والجوع والذل والهجرة، لكانت، بالفعل، بيئة غير طبيعية. وهذه النوعية من التفاعل الشعبي مع الأزمة لا تقتصر على اللبنانيين المنتمين الى الطائفة الشيعية ضد “أحزابهم القوية”، بل هي تمتد، من دون حاجة الى تقديم شهادات إثبات، على الجميع من دون استثناء، فالصدمة أنّ من أخذوا تمثيل الشعب، بالقوة هنا وبالمراوغة هناك وبالاقناع هنالك، قادوا البلاد الى كارثة لم يقوَ على مثلها أعتى الأعداء في أعنف حروبهم ضد لبنان، وانتهجوا مساراً وعدوا أنّه “جلّاب للبحبوحة”، فإذا به مجرد استدعاء للموت والذل.
ولكنّ المهم في هذا التطور الشعبي الشيعي، ليس في أنّه يفتح نافذة، في البيت الذي أحكم “حزب الله” إقفاله، بل في ما يمكن ان يشكّله من ضغط على هذا الحزب، حتى يأخذ اللبنانيين في حساباته التي يرهنها كلّها للهدف الذي يرسمه “الحرس الثوري الايراني”.

ولا يستطيع أحد أن يشكّل ضغطاً حقيقياً على “حزب الله”، سوى البيئة التي يعيش فيها ويستقوي بها، فإذا صمتت عمّا يصيبها تعمّقت عذاباتها وعذابات سائر اللبنانيين، ولكن إذا رفعت الصوت عالياً، ربما تنجح، في دفع “حزب الله” الى مراجعة انخراطه الإقليمي المطلق الذي يسخّر له كافة الطاقات اللبنانية، وأوّلها طاقات الطائفة الشيعية التي جعلها “تلحس المبرد”.

وممّا لا ريب فيه أنّ “حزب الله” بصفته ملحقاً بالجمهورية الإسلامية في ايران، هو بيت القصيد في النظرة الإقليمية والدولية الى لبنان ومأساته، لأنّ الجميع، باستثناء إيران والنظام السوري بطبيعة الحال، ينظرون اليه نظرة اتهامية، فهو كبّد لبنان ولا يزال أثماناً باهظة للغاية، بفعل الأدوار التي يلعبها في صراعات المحاور وحروبها، بعدما أخضع الإرادة السياسية اللبنانية لمشيئته. ولا يريد أحد أن يسقط لبنان نهائياً في الجحيم، ولكن لا توجد دولة واحدة على استعداد أن تدفع الأثمان الباهظة لتعويم لبنان، بشروط “حزب الله” الحربية. ولهذا، فإنّ قبول “حزب الله” بتعديل دوره الضار في صراع المحاور الإقليمية، من شأنه أن يرتد إيجاباً على البلاد والعباد، ولكنّ الحزب، حتى تاريخه، يزيد تصلّبه تصلّباً، وتورطه تورّطاً. ويدرك الجميع أنّ “حزب الله” يساوي الشعب اللبناني بالشعوب السورية والعراقية واليمنية والإيرانية، بحيث إنّ إرهاق الناس وحتى موتهم، يرخص كثيراً أمام الهدف الكبير الذي يحمله في عقيدته، وهو “تسييد” إيران، بنهجها الديني الحالي، على الجميع.

وهذا يعني، بالمطلق، أنّ “حزب الله” لن يتغيّر لأنّ بيئته تتعذّب، فهو يملك وسائل مماثلة لتلك التي استعملها “ميليشيات إيران” في العراق و”الحرس الثوري” في إيران لقمع الإعتراض. ولكن، على أهمية هذه المقارنة، فإنّ التكوين اللبناني، مهما سعى البعض الى إدخال تعديلات عليه لملاءمته مع مصالحه، يحفظ مكاناً مهمّاً للمكوّنات الشعبية ضمن الطوائف، فإذا استاءت هزّت وإذا غضبت زلزلت. والعصبية الطائفية تطغى على ما عداها، طالما أنّ مستغليها بدوا قادرين على رفدها بشيء من “راحة البال” المعيشية، ولكنّها متى اتضح أنّها منتجة للحرمان والجوع والفقر والعوز والذل والموت، فإنّها تفقد فاعليتها، لا بل يمكن أن تتحوّل وبالاً على من كان يتوسّلها ويحتمي بها.

هل تخلى حزب الله عن بيئته.. ومن يستمع لنصرالله؟
قاسم مرواني/المدن/13 تموز/2021
في المساء يصدح صوت دعاء كميل من مسجد بلدة السلطانية الجنوبية، فيضيف كآبة فوق كآبة الجنوبيين. أقفُ على شرفة منزلي وأتفرج على القرى البعيدة الغارقة في ظلام دامس: مجدل سلم، حولا، الجميجمة، وخربة سلم.. ظلام يخترقه بخجل بين حين وآخر بصيصُ ضوء مصباح تجرأ على الإضاءة بعدما قطعت المولدات الكهربائية اشتراكات المشتركين. وغداً يوم آخر، ولن يكون أفضل حالاً. فمع اشراقة شمس كل صباح يكتشف الجنوبيون بعداً آخر للانهيار، يتحدى سذاجة البعض الذي اعتقد أنه وصل إلى القعر.

الدواء في القدس
وفي الصباح أبواب الصيدليات مغلقة، معلنة إضراباً مفتوحاً. وفيما يشتكي أصحابها من قلة أرباحهم وعدم قدرتهم على تلبية حاجات السوق وانقطاع الأدوية، يتهمهم الناس بالاحتكار وتخزين الأدوية لبيعها بسعر أعلى فيما بعد. ونجحت السلطة بحرف أنظار الناس عنها، أو في ذر الرماد في عيونهم، بعدما جعلت التجار عدواً للشعب: ما سبب أزمة  البنزين؟ التجار المحتكرون والمهربون، يقول الناس. وما سبب انقطاع الدواء؟ التجار المحتكرون كذلك. وهكذا يشخّص الجنوبيون مشكلتهم اليوم، ولا أحد يعترض على هذا التشخيص. واستيقظ حسن صباحاً وبدأ بحثه الطويل عن دواء لطفله المريض، قائلاً بسخرية مريرة: “باقي كيلومترين وأصل إلى القدس”، فيما هو يقرع أبواب الصيدليات المغلقة، بعدما اجتاز طرقاً كثيرة بين القرى بسيارته التي يكاد ينفد منها البنزين.

بنزين القضاء والقدر
وفي  الصباح إياه أبلغت المحطات أصحاب السيارات المركونة في طوابير: لا بنزين قبل الإثنين. محطة الوزنة في تبنين فكفكت ماكينات التعبئة وأعلنت توفقها عن العمل حتى إشعار آخر. وجرجر الرجال خيبتهم، طأطأوا رؤوسهم وغادروا تباعاً. من يستطيعون الاستغناء عن سيارتهم أبقوها مركونة أمام المحطات. لا حركة اعتراض ولا شتائم. فقط عيون سادرة النظرات ورؤوس مطئطئة. لم يحرق رجل حانق سيارته. كأن انقطاع الدواء والمحروقات قضاء وقدر، وليس من شيم المؤمنين الاعتراض على القضاء والقدر. فالشعور العام في الجنوب هو أن الناس متروكة لمصائرها، تساق إلى الذبح بلا مقاومة، ولا بشائر لظهور مخلص.

نور حزب الله واعتزاله
فشل حزب الله في إدارة الأزمة في بيئته الحاضنة والتي يحضنها. التعاونيات التي افتتحها لتأمين المواد الغذائية من إيران والعراق باتت شبه فارغة. ويعتقد كثر أن الحزب إياه استغل الدعم لاستيراد مواد غذائية مدعومة، مستفيداً من  نفوذه في الدولة. وفي أثناء الرفع التدريجي للدعم ترك حزب الله الناس لمصيرهم، وتوقف عن العمل ببطاقة سجاد التي أطلقها العام الماضي. وافتتح حزب الله في البقاع والنبطية صيدليات على رفوفها أدوية إيرانية وحليب للأطفال. المستفيدون منها يحملون بطاقة نور حصراً. والنور هذا لا يشمل سوى المنتسبين رسمياً إلى حزب الله. ضيّق الحزب إذاً دائرة اهتماماته، لتشمل المقاتلين في صفوفه والعاملين في مؤسساته، تاركاً الآخرين للمجهول.

دولار الدم والسعادة
يتقاضي عناصر حزب الله رواتبهم بالدولار الأميركي. وهم عاشوا منذ بداية الأزمة وحتى بداية العام الجاري نوعاً من الرفاهية: اشتروا سيارات، بدؤوا ببناء منازل جديدة، غير مكترثين بمصاعب أبناء بيئتهم ومآسيهم الصغيرة والكبيرة الزاحفة. برروا رفاههم قائلين: هذا ثمن تضحياتنا والدماء التي بذلناها.

ومع رفع الدعم عن المواد الغذائية، بدأت القيمة الشرائية للدولار تستعيد قيمتها الحقيقية. وتفاقم أزمات البنزين والمحروقات والأدوية، جعل نمط الحياة رديئاً: ماذا تفعل بالدولار إن كانت السلع والخدمات غائبة؟ حتى عناصر حزب الله بدؤوا بالتذمر من هذا الواقع. ففي جلساتهم الخاصة وتدويناتهم على مواقع التواصل، ينتقدون بخجل طبقة سياسية هم جزء منها.

هزائم العيش والأمجاد
واتصلت عليا بابن أخيها في المهجر. طلبت منه مساعدتها بخمسين دولار شهرياً. ارتفاع الأسعار بات لا يحتمل، ولم تعد قادرة على إطعام عائلتها. وحملة الدولار يساهمون برفع الأسعار، أكانوا مغتربين أو من عناصر حزب الله. وهم يغذون جشع التجار الذي لا ينتهي. أما الفقراء الذين تعهد حزب الله بحمايتهم والدفاع عنهم، فيعانون بصمت. يبحثون عن أقارب مقتدرين ليساعدوهم. لكن لماذا يا ترى لا أحد يطلب المساعدة من حزب الله؟! لا أحد قط. هل أيقنوا أنه قد انفض عنهم، أم أنهم مدركون في دخيلتهم أن دوره يتعلق بالانتصارات والأمجاد ولا علاقة له بالانهيارات وهزائم الحياة العادية؟!

من يستمع إلى السيد؟
وكان هناك زمن أصبح الآن بعيداً جداً. زمن أفل وابتعد وصار من الذكريات: أيام كانت الطرق تخلو من المارة، ويعم الصمت في أزقة الضاحية الجنوبية وقرى الجنوب، في انتظار خطاب السيد الأمين العام. وكانت كلمته تنبعث من سيارات مسرعة على الطرق تأخرت عن موعدها، ومن الشقق السكنية والبيوت والدكاكين الفقيرة المزدانة بصوره. زمن شعر فيه الشيعة بالقوة، وكانوا يملكون ما يكفي من الرفاهية لدعم القضية: حرب في سوريا، حرب في اليمن، حرب ضد السعودية، حرب ضد الخصوم في لبنان. أما اليوم فحل زمن مختلف تماماً: زمن بحث كل شخص عن لقمة عيشه بمفرده، بعدما خمدت جذوة روح الجماعة التي تخيم على الجميع. مشكلة السيد نصرالله أنه لا يزال يعيش في الزمن الماضي، يقول بعض الجنوبيين. يلقي خطباً عن صواريخ دقيقة، عن البحرين والعراق وإيران. خطب حماسية لتجييش المشاعر. ولا زال يقف هناك في العام 2007. يقرع طبول الحرب، فيما يعيش الناس اليوم في زمن آخر. زمن البحث عن دواء ولقمة عيش وصفيحة محروقات للسيارة والمولد الكهربائي. إنه زمن الهشاشة والضعف، إذاً. فإين تبخرت تلك القوة الجبارة؟ في جلسة مع عناصر في حزب الله، بعد خطاب نصرالله الأخير، سأل أحد الشباب: “من استمع لخطاب السيد اليوم؟ هل قال شيئاً جديداً؟” متى يعلن هذا الرجل هزيمته ويوفر على شعبه مزيداً من الخوف والمعاناة المتفاقمة صباح كل نهار؟