نوفل ضو: التطبيع المرفوض وواجب السياديين

61

التطبيع المرفوض وواجب «السياديين»
نوفل ضو/جريدة الجمهورية
السبت 27 أيار 2017

ليس المطلوب مواجهة عسكرية بين «حزب الله» وحلفائه من جهة، وبين بقية اللبنانيين المعارضين لحيازته السلاح واتخاذ قرارات السلم والحرب، خلافاً للدستور والقوانين وفي تجاوز للمؤسسات الشرعية السياسية والإدارية والأمنية والعسكرية، من جهة ثانية. فالاستقرار والسلم الأهلي وعدم العودة الى الإقتتال الداخلي من المسلمات الوطنية التي يجمع عليها اللبنانيون.

لكن، وفي المقابل، لا يجوز «التطبيع» مع هذه الحالة الشاذة بمفهوم الدول السيدة بحيث يصبح الحديث في هذه المسألة ممنوعاً تحت طائلة التخوين والترهيب، أو بفعل الترغيب والمسايرة وتبادل المنافع السياسية إدارياً ونيابياً ووزارياً ورئاسياً. كما لا يجوز تجاهل الذيول والإشكاليات الوطنية والإجتماعية والإنسانية والقانونية الناجمة عن مفاعيل السلاح وانعكاساته على لبنان واللبنانيين.

وإذا كان أركان الحكم والحكومة قد ارتأوا المخارج اللفظية والهندسات الأدبية التي اعتمدوها في التعاطي مع القمة العربية – الإسلامية – الأميركية لتلافي أي مواجهة جديدة بين اللبنانيين، فإنّ من واجب الأحزاب والتيارات والقوى السياسية «السيادية» أن تبقي على التزامها بخطها التاريخي في السعي الى معالجة جذرية لهذه الإشكالية على المدى المتوسط، وفي العمل والتحرك السريع للتخفيف من مآسيها ولإثارة بعض الملفات التي يتخذها «حزب الله» وحلفاؤه ذريعة للإبقاء على الأمر الواقع المتفلّت على ما هو عليه.

قبل يومين لبّى عدد من النواب دعوة الرئيس نبيه بري لتفقد المنطقة الحدودية لمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشرة لانسحاب اسرائيل من الجنوب.

وعلى رغم أنّ هذه الخطوة تبدو طبيعية في الشكل لأنّ موضوع الحدود وزوال الإحتلال يجب أن يكونا من المسلمات الوطنية، إلّا أنّ المستغرب في المسألة هو أنّ النواب المنتمين الى «الأحزاب السيادية» بَدوا في تصريحاتهم وكأنهم يتبنّون، خلافاً لمواقفهم التاريخية، مقاربة «حزب الله» وحلفائه لوجه من وجوه المشكلة المتمثلة في مزارع شبعا، فلم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد إلى أنّ استكمال تحرير مزارع شبعا مرتبط باعتراف سوريا بلبنانيتها، وبضرورة إبلاغ السلطات السورية رسمياً الأمم المتحدة بأنّ هذه المزارع هي أرض لبنانية ليتمكن مجلس الأمن الدولي من ضمّها الى مفاعيل القرار 425 بدل إبقائها تحت مفاعيل القرارين 242 و338، وبالتالي العمل على إلزام إسرائيل بالإنسحاب منها ما يزيل واحدة من الذرائع التي يستعملها «حزب الله» لتبرير الاحتفاظ بسلاحه وانتشاره في جنوب لبنان خلافاً للقرار 1701.

أمّا المسألة الثانية التي لم يأت على ذكرها النواب والمسؤولون الحزبيون «السياديون» فهي ملف «النازحين اللبنانيين الى إسرائيل قسراً». إنّ المئات من العائلات اللبنانية اضطرّت بفعل الإنسحاب الإسرائيلي المفاجئ وغير المنسّق مع السلطات اللبنانية الشرعية الى اللجوء الى إسرائيل خوفاً من أعمال إنتقامية شبيهة بتلك التي شهدتها مناطق الشوف وعاليه وشرق صيدا بعد الإنسحاب الإسرائيلي في ثمانينات القرن الماضي بفِعل عدم قيام الجيش اللبناني ببسط سلطة الدولة منذ اللحظات الأولى للانسحاب الإسرائيلي.

ومنذ سبعة عشر عاماً تعيش هذه العائلات أوضاعاً إجتماعية وإنسانية واقتصادية مأسوية من دون أن تبادر الدولة اللبنانية الى خطوات وقرارات جدية وعادلة لاستعادة أبنائها. فالتحجّج بـ«المحاكمات القضائية» و«الأحكام المخففة» لمَن يسلّم نفسه ليس حلاً لمَن دفع ثمن تقاعس الدولة لا بل تواطئها في وصولهم الى ما هم عليه اليوم.

فالجميع يعرف أنّ الجيش اللبناني قرّر بعد حوادث 1973 مع الفلسطينيين تدريب فرَق الأنصار داخل قرى المنطقة الحدودية وتسليحهم ليكونوا عوناً له من جهة، ويتمكنوا من الدفاع عن قراهم ضد تدخل المسلحين الفلسطينيين وأعوانهم من جهة أخرى.

والجميع يعرف أنّ الجيش اللبناني زاد، بعد سقوط الدامور على يد المنظمات الفلسطينية، من تنظيم فرق الأنصار وأضطر إلى تسليحها بالـ«أم 16» وجعلها تتبع لضبّاط فعليين، وكان الجيش يريد من هؤلاء أن يحموا طرقه في منطقة يضطر فيها إلى التنقل والقيام بالدوريات والحفاظ على مراكزه.

والجميع يعرف أنّ قائد الجيش الراحل العماد حنا سعيد أصدر مذكرة خدمة في 14 آب 1976 أمر فيها العسكريين من أبناء الجنوب التوجّه الى بلداتهم وقراهم والدفاع عنها، وأنّ رئيس شعبة العمليات العقيد إميل لحود أمر بإنشاء تجمع رميش العسكري وعيّن الرائد سعد حداد قائداً لتجمّعات الجنوب.

والجميع يعرف أنّ هؤلاء الضباط والرتباء والعسكريين استمروا في تقاضي رواتبهم وتعويضاتهم من الدولة اللبنانية حتى الإنسحاب الإسرائيلي.

لذلك فإنّ المطلوب اليوم التوقف عن السياسات الكيدية والانتقامية واستكمال تحرير الجنوب بتحرير أبنائه النازحين قسراً وباستعادتهم أحراراً من دون محاكمات او ملاحقات. فهل يجوز أن تبحث إسرائيل عن آخر يهودي في أقاصي الأرض لتأتي به الى إسرائيل مستوطناً في وقت تتخلى الدولة اللبنانية عن أبنائها عن سابق تصور وتصميم وبقرار منها؟

المطلوب قانون عفو عام يُسقط ما يعتبر جريمة التعامل مع العدو عن النازحين قسراً الى إسرائيل بفعل تقصير الدولة التي بدل أن تحاسَب هي على تقصيرها في حماية شعبها تبادر الى محاسبة ضحايا سياساتها وضعفها.

* عضو الهيئة المركزية لـ«14 آذار – مستمرون»