الدكتورة رندا ماروني: ناتو عربي جديد ومد فارسي عنيد

367

ناتو عربي جديد ومد فارسي عنيد
الدكتورة رندا ماروني /20 أيار/17

لقد لعبت إيران دور الذراع التنفيذي العسكري لما سمي مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو ما عرف لاحقا بالربيع العربي، بالتكافل والتضامن مع الإدارة الأميركية، إلا أنها ما لبثت أن ذهبت بطموحها وأحلامها بعيدا ما يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة لها، وكيف لا وهي صاحبة الهدف المزمن من خلال التواصل والدعم القديم لشيعة المنطقة العربية والسابق للربيع العربي الدامي، وقد ساعد في هذا التجاوز ميول الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما وممارسته سياسة غض الطرف بطريقة أو بأخرى بحجة أعطاء الأولية في السياسة الأميركية لمعالجة الشؤون الداخلية وترك الساحات الخارجية مما ساهم في إعطاء دور كبير ومتصدر للسياسة الروسية والإيرانية في منطقة الشرق الأوسط.

لقد وصل الرئيس الأميركي إلى الرياض ليضع مفهوما جديدا لتحديد الإرهاب وليطلق أسساً جديدة في حربه عليها التي ستشمل كل الحركات المتطرفة إلى أي جهة انتمت أكانت سنية أم شيعية وليعلن إنشاء حلف ناتو عربي جديد. إن الحرب الأميركية على الإرهاب ليست وليدة اليوم ولا حالة مستجدة فلقد وضعت في صلب السياسة الخارجية الأميركية بعد أحداث 11 أيلول الشهيرة في العام 2001. لقد جاءت الهجمات التي شهدتها كل من واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من أيلول وما أعقبها من تطورات بتبعات، تمثل أبرزها في قيام الولايات المتحدة الأميركية بشن ما أسمته ب ” الحرب على الإرهاب ” التي بدأت أولى مراحلها في أفغانستان في السابع من تشرين الأول 2001 حيث استهدفت حركة طالبان وتنظيم القاعدة. جاءت هذه الهجمات وتوابعها لتعزز عناصر ومتغيرات جديدة لها أو لبعضها انعكاساته القائمة والمحتملة على العلاقات الدولية من ناحية وعلى التطور السياسي الداخلي في بعض مناطق العالم، وفي مقدمتها المنطقة العربية من ناحية أخرى، وذلك على خلفية عدة اعتبارات، منها:

إن العديد من التنظيمات التي أعلنتها الولايات المتحدة الأميركية كتنظيمات إرهابية موجودة في عدد من الدول العربية، وبعضها تنظيمات مشروعة ولها تمثيل في البرلمان، كما إن عددا من الدول العربية كانت مرشحة كأهداف للحرب الأميركية ضد الإرهاب التي أخذت أساليب عسكرية متعددة وغير عسكرية، خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد مارست ضغوط على بعض الدول لتلبية مطالب محددة ثم جاءت الحرب الأميركية على العراق في آذار 2003 والتي انتهت باحتلال أميركي للعراق تبعها امتداد نفوذ إيراني، فخلقت حقائق ومعطيات إقليمية جديدة كان لها انعكاساتها على الدول العربية بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة.

فبعد وصول جورج بوش الابن في تشرين الثاني من العام 2000، وبعد إحداث 11 أيلول 2001، فتح الباب لما يسمى الحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية ففي تحديد للمحافظين الجدد ولديك تشيني نائب الرئيس حول مسببات الإرهاب يستخلص منها بأن الأنظمة القامعة لشعوبها تشكل المسبب الأول لنقمة الشعوب ودخل جديا في صلب السياسات الأميركية ما يسمى الحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية من خلال عدة خطوات أتبعتها الإدارة الأمريكية أتى من بينها، تغيير طبيعة الأنظمة السياسة القائمة على حكم الشخص الواحد واستبدالها باستنهاض للتعددية السياسية وللمجموعات المقموعة فكانت البداية من العراق بإزالة حكم صدام حسين وإعلاء شأن شيعة العراق المهمشين ما انعكس امتدادا للنفوذ الإيراني في العراق. كما أعطيت المنظمات الحقوقية دورا كبيرا في نشر مبادئ الديمقراطية وحث المواطنين على المطالبة بتطوير القوانين بما يتلاءم مع طموحها في المشاركة السياسية وعملية اتخاذ القرار، فنظمت المؤتمرات الحقوقية وحركت القواعد الشعبية وبدأت الاعتراضات والمظاهرات تحتل الساحات.

لقد أتت هذه التغيرات مطابقة في مضمونها لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحدث عنه كيسنجر وبالرغم من البعد الزمني بين الاثنين، إلا أن المضمون أتى في نفس الإطار أي تحويل الكيانات العربية ذات الرأس العسكري الواحد إلى كيانات ديمقراطية لكل مجموعة من المجموعات دورها في تحديد النظام السياسي دون تحويلها إلى كونتونات متفرقة يشكل كل واحد منها دولة منفردة، ولكن إن واقع العالم العربي مختلف، أو بالأحرى متخلف عن استيعاب التحولات بسهولة وقلبها لصالحه حيث لم تتعود بعد مكوناته المجتمعية على اللغة الديمقراطية في التعاطي مع الآخر فكانت لغة السلاح هي الأقوى وكما النمط السائد كل يريد فرض سيطرته ومبادئه على الآخرين ولغة التواصل مفقودة كما الحلول الوسطية التي عجزت عن إيجادها حتى الآن كل من مؤتمرات آستانة وجنيف لحل الأزمة السورية.

إن عملية إسقاط الأنظمة بدأت في العراق وتوقفت في سوريا نتيجة لانكفاء أميركي وصعود روسي وطموح إيراني فهل ستشهد الأيام المقبلة تغيرا في المعطيات والمسار؟

لقد ذهبت إيران بعيدا في طموحاتها الإقليمية، فمشروع دمقرطة الكيانات العربية يقابله مشروع مذهبي تحت عنوان البدر الشيعي والذي لم يعد يقتصر على الهلال، فبحسب المنظور من المعطيات لقد أبدت الإدارة الأميركية استياءها من السياسة الروسية الإيرانية السورية وبدأت بالتصعيد فوضعت على بساط البحث إعادة النظر بالاتفاق النووي مع إيران وأدانت تزويد إيران الميليشيات بالصواريخ واتهمتها برعاية الإرهاب والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار هذا إضافة إلى إعداد قانون قيصر للعقوبات كما اتهمت النظام السوري بالوثائق بإنشاء محرقة في سجن صيدنايا لإبادة معارضيه وباستخدامه غاز الخردل. فهل الإدارة الأميركية جادة في مواجهة هذا المشروع من خلال إعلان الناتو العربي، أم سيقتصر مشروعها على جني الأرباح من الاستثمارات التي فتحت المملكة العربية السعودية الأبواب لها والتي تسيل اللعاب ولمن الاستمرار والنجاح في المهمات المعلنة أللناتو العربي الجديد أم للمد الفارسي العنيد؟
ناتو عربي جديد
ومد فارسي عنيد
زاد في هلاله
هادفا بدرا وطيد
خارق في وهجه
خارج عن التقليد
يغزو الحدود
يخطو إلى البعيد
مصمم وعازم
ولتصميمه تأكيد
على حرب قادمة
كأنشودة الأناشيد
آلهية بوصفها
يواجهها تهديد
بمواجهة عنيفة
وقرار أكيد
فلغة الإبادة سائدة
والنبرة تصعيد
لحن استنفار وموت
وزهق الأرواح زهيد
كبار تقطف حصرما
وصغار تصفق تمجيد
في تضارب مشاريع
بين ناتو عربي جديد
ومد فارسي عنيد