الدكتورة/رندا ماروني: جرائم دون مجرمين، فساد دون فاسدين، حال واقعنا

354

جرائم دون مجرمين، فساد دون فاسدين، حال واقعنا
الدكتورة/رندا ماروني
08 نيسان/17

فساد من دون فاسدين، وجرائم من دون مجرمين، حال واقعنا العظيم، ففي الوقت الذي يتخبط فيه المحيط بسلسلة من الأحداث التي تنعكس سلبا على الواقع اللبناني بهجرة ومهجرين وملف بات إنتفاخه حد الإنفجار، يتلهى النواب في جلسة مسائلة الحكومة بعرض ملفات الفساد إنما لفاسد مجهول الهوية، فمن يحاسب من في مجلس مصغر عن مجلس، يتقاسم الحصص والمنافع، وفي نظام معارضوه لا قدرة فعلية لهم على التغيير، ليس لأنهم أقلية إنما لأنهم محاصرون بطوق النظام العالي المفعول.

إن المحيط الملتهب وفي قراءة أسدية خاطئة لانفتاح الرئيس الاميركي على النظام السوري مقدما الحرب على داعش على ما عداها، وبعد الموقف الصادر عن الولايات المتحدة الأميركية معلنة أنها غير معنية باستبعاد الأسد من الحكم، اعطته دفعا أضافيا لممارسة هواياته الإجرامية، فصب على الأطفال غاز السارين في صباح مشؤوم، فكانت جريمة خان شيخون في فجر الرابع من نيسان الجاري بفارق يومين عن ذكرى شهداء زحلة الذين استبسلو في مواجهة نفس النظام ونفس مواهب الإجرام في العام 1981، وما قبل هذا التاريخ، وما بين التاريخين صور حافلة بمشاهد أليمة.

نظام ساريني مستفحل مارس كل أصناف القهر والقمع والقتل على مر وجوده بأسلوب محترف وتبريرات أكثر إحترافا، فهو رائد في طمس الحقائق وفي القدرة على التنصل من الجرائم التي يرتكبها وتحوير أفعاله الشنيعة، فلم تمض ساعات على غارات السارين وبعد ردة الفعل الأميركية الغير متوقعة من النظام الأسدي، حتى صيغت أكثر من رواية تحويرية تبريرية حول ما حدث حاول من خلالها مرتكبيها تغيير الوقائع، إلا أن الاستخبارات العالمية أثبتت أن الهجوم الكيماوي قامت به مقاتلة تابعة للأسد حيث رصدت خمس رادارات دولية ان مقاتلة الاسد كانت وحدها في الجو أثناء الهجوم، كما الإدانة من قبل الإدارة الأمريكية كانت واضحة بتوجيه أصبع الإتهام للنظام السوري ووصف الرئيس بشار بمجرم حرب، والتوعد بالرد على الهجوم الكيماوي أتى من نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، الذي أعلن أن كل الخيارات مطروحة أمام واشنطن، وتبعه موقف ترامب الذي قال متوعدا: سوف نرى، we will see.

لقد أتى الرد الأميركي سريعا ومفاجئا كونه شكل تحولا في الموقف المعلن بأولوية حربه ضد داعش، فتم تنفيذ عملية محدودة استهدفت مقاتلات النظام بعشرات من صواريخ التوماهوك العالية الدقة على مطار الشعيرات العسكري، وأعلن الرئيس الأميركي أنه إنتصر للعدالة، ووجه ضربة للقاعدة التي انطلق منها الهجوم الكيماوي، وذكر أنه حاول كثيرا تغيير سلوك الأسد لكنه فشل، وأوضح أنه من مصلحة الأمن القومي الأميركي منع إنتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية.

هذا الموقف الأميركي استقبل بالترحاب ممن عان وحشية نظام السارين، فالغريق يتعلق بقشة، وينتظر عدالة المجتمع الدولي الغائبة عن حماية الشعوب من إجرام وتجاوزات المتحاربين، والموقف الأميركي أعلن بوضوح خلال الجلستين الأخيرتين لمجلس الأمن، حيث أعلنت الإدارة الأميركية من خلال سفيرتها إلى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، بأنها ستتصرف منفردة ولن تخضع للفيتو الروسي، وتبقى خلفية القرار الأميركي خاضعة للدراسة والتحليل ومشكوك في ديمومتها في ظل تاريخ طويل من عدم المبالات من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة بمعاناة الشعوب، التي إكتفت بإدانة الجرائم من دون للعمل للحد منها، ودون النيل من المجرمين.

جرائم من دون مجرمين هكذا تعودنا في ظل النظام الساريني، ولربما تعود القابضين على السلطة في لبنان هذه النغمة ليعلنوا فسادا مجهول الهوية دون فاسدين، تعرض الملفات ولا تظهر الاسماء، فإذا أرادوا يوما توجيه أصابع الإتهام، توجه التهم لصغار الموظفين، وإذا أرادوا يوما الظهور بمظهر رجال القانون فيطبقوه على المواطنين العاديين غير التابعين.

ولعل الخلاف المستشرس حول صيغة جديدة لقانون إلانتخاب، حيث يحاول كل طرف سلطوي، حصد أكبر كمية ممكنة من المقاعد في المجلس النيابي المنتظر، تدفع الجميع إلى عرض ما لديها من ملفات مشبوهة لترميها بوجه بعضها البعض ولتضعها في عهدة الرأي العام أملا في الحصول على تأييد وتعاطف شعبي، ولولا هذه المعركة المحتدمة لكانت سارت الأمور بصمت ودون تعليق، فتقاسم المنافع في الحالتين هو نفسه، مع عرض ملفات أو من دون عرض، التقاسم يسير في خطى ثابتة، ولكل نصيبه من الكعكة التي بات ثمنها يشكل ثقلا كبيرا على عاتق المواطن، فالدولة المنهوبة منهوبة من الجميع وبتوافق الجميع وبحصص مضمونة للجميع، أما عرض الملفات لا يبرئ عارضها من مسؤولية المشاركة والمقاسمة، ولا يبرئ صاحبها من إنتهاك حقوق المواطنين وإلا فليستقيل وليتوقف عن نيل حصته المحسوبة من المال العام المنهوب.

لقد رشح الزيت من النواب في جلسة المساءلة، لتجردهم، ولنظافة كفهم، وكشفهم لملفات الفساد وعرضهم الملفات الثقيلة بإتقان، فصح في معلمهم القول، “بيقتل القتيل وبيمشو بجنازتو” واثبتوا هم انهم تلاميذ شطار اتقنوا لعبة ارتكاب المعاصي ونفيها جيداً، فالمواطن اللبناني مقتول ليس مرة واحدة بل مرتين، مرة عندما تنهب أمواله ولا يستطيع حراكا ومرة ثانية عندما يتباهى الناهب بالأمانة ونظافة الكف..انها لتركيبة عجيبة غريبة، جرائم دون مجرمين، وفساد دون فاسدين صيغ تدور في عقول المبدعين.
جرائم دون مجرمين
فساد دون فاسدين
انه حال مذر
حال واقعنا العظيم
أطفال يبيدها السارين
أسراب من المهجرين
دموع تبكي قهرا
تظللها سياسة التعتيم
شعب منحور حزين
كضرائد في كمين
يجرع الحلو مرا
يعيش في جحيم
انه حكم الأبالسة
وتخطيط الشياطين
لا يترك حرا
ينحر ليستقيم
عطش لسفك الدماء
لكاهل وبنين
علنا وليس سرا
مباشرة وتلزيم
ثم يغرد واصفا
هؤلاء إرهابيين
حشرات تطوف
نبيدها تسميم
أسلوب راق
وقدوة للمستلهمين
تتقن نكرا
لتحصد التكريم
تتراشق ملفات
لفاسدين مبهمين
كرا وفرا
تجيد التقديم
تجذب سامع
تستميل ناخبين
تفشي سرا
تدعي التقويم
إنه نفس الاسلوب
شطار متلمذين
محفوظ كرجا
لنجاح مستديم
إنه عصر واعد
جرائم دون مجرمين
فساد دون فاسدين
خطة تستوجب التعميم