الكولونيل/شربل بركات: يا جريس روح بقرتك هشلت عالمجيبي

237

“يا جريس روح بقرتك هشلت عالمجيبي”
الكولونيل/شربل بركات/12 كانون الثاني/17

في نهاية السبعينات وبينما كانت عين إبل والمنطقة الحدودية لا تزال تحت الحصار كنت قد بدأت بعمل انتاجي بموازاة العمل العسكري وذلك لاعادة احياء النشاط الانتاجي وترسيخ الوجود في هذه الأرض التي لا يحميها عادة سوى الفلاحين المنغرسين فيها فهم أصحاب الأرض وحماتها الحقيقيين وهي رأس مالهم ومجال عملهم الذي لا يمكن نقله ومن هنا كانت فكرة انشاء مزرعة بقر حديثة نوعا لتجذب الشبيبة للعودة إلى الأرض وهكذا بدأت الفكرة بالنمو فشاركت أحد الرفاق وعمرنا المزرعة واشترينا راسي بقر وبدأنا بتعلم كيفية العناية بهم.

بعد سنة تقريبا وكان المشروع قد أصبح أكثر وضوحا والاستمرار به شجع البعض على أخذه بجدية وبينما كنت أجر “ظريفة” خارج المزرعة وهي على “وجّ خليفة” إذا بأبي أنطوان جريس موسى ناصيف يطل وبعد أن يصبّح يسألني عما أفعل وكنت قد أعتمدت طريقة عدم ترك الأبقار تسرح في المراعي لأن المرشد الزراعي نصحني بقوله بلهجته البدوية “هذه الأبقار ناسقات” يجب أن تبقى في المزرعة لأن وزنها ثقيل ولكي تعطي مقدار أكبر من الحليب يجب الا تقوم بمجهود كبير بالسير وخاصة في الأراضي الوعرة كأرض عين إبل. وكان كل الفلاحون والفضوليون منهم خاصة يهتمون بما أقوم به ويراهنون على عدم الاستمرار، ومن هنا كان أبو أنطوان وهو أحد المهتمين بالموضوع يحب أن يزورني بين الحين والآخر. فأجبته بأني اقوم بتمشاية “ظريفة” لأنها على وشك الولادة وأعتقد أنه يجب أن تتحرك لتسهيل هذه العملية. وتعليقا على جوابي قال ابو أنطوان دعني أخبرك بهذه القصة.

– كان عندي بقرة “حلابة شايف حالي فيها” وكانت على أبواب الولادة ويوم جاءت زوجتي صباحا لتبلغني بأن البقرة مفقودة فخرجت إلى الدار ولم أجدها وحاولت أن افتش عليها في الجوار ولم أجد أثراً فخفت أن تكون مسروقة وحاولت أن أقتفي الأثر ولكن إلى إين؟ وصارت الأفكار تأخذني ولم أكن على علاقة طيبة بأبي يوسف “المرحوم جدك نقولا” فقلت ما حدا بيقدر يعلّم عليي إلا ابو يوسف وهكذا قررت أن أواجهه فنزلت إلى بيته وقلت له “هيني بين ديك شو المطلوب؟” فتعجّب الختيار وقال لي “يا هلا بس شو سبب الزيارة عا ها الصبح” فقلت له “عامل حالك مش عارف قلي بصراحة شو بدك مني وبلا لف ودوران” فقال لي “أقعد اشرب قهوة وروّق وفهمني شو القضية” فشرحت له بأن البقرة ضاعت وأعتقد بأن أحدا أخفاها لسبب ما فما هو المطلوب؟ فبدأ يسألني عن شكلها وتصرّفها وكيف ومتى عرفت بأنها مفقودة، وبينما هو يسأل كنت لا ازال افكر بأنه يحاول أن يوهمني بأنه يعمل على المساعدة، وعندما أخبرته بأنها على “وج خليفة” فكّر قليلا ثم قال ” يا جريس روح بقرتك هشلت عالمجيبي” فقمت غاضبا وخرجت بدون كلام معتقدا بأنه يسخر مني. وما أن وصلت إلى قرب البيت حتى نادت علي زوجتي القادمة من صوب البيادر وهي فرحة تقول “أركض لقينا البقرة” فسألتها كيف وأين فقالت لي: “رحت عا الزيتونات بخلة الست تكب الزبل وإلا البقرة راقدة تحت الزيتونة ومخلفة وابنها حدها”. فذهبت وأحضرتها وعجلها وعرفت بأن أبو يوسف كان على حق فالبقرة عندما وجدت صعوبة بالخلافة ركضت لتحريك الجنين فتسهل خلافتها وعندما وصلت خلة الست رقدت في المكان الذي تعرفه “زيتوناتنا”. فخجلت من نفسي ومن شكي بأبي يوسف وذهبت فورا أعتذر له ومن يومها زاد أحترامي لهذا الرجل وصرت أعرف ألا أستعجل الاتهام وأن أقدّر حكمة الكبار وفهمت بأن للحيوان أيضا معرفة بحاجاته.

وهكذا فقد كانت خبرية ابو أنطوان بالنسبة لي إشارة بأنني أقوم بما يجب لكي تسهل عملية ولادة البقرة وعرفت ايضا من الخبرية كيف كانت علاقة الناس ببعضها وأهمية معرفة من يتصدر القوم في مسائل جماعته الفلاحين خاصة في المجتمع الزراعي وضرورة اكتساب الخبرة ونقلها عبر الأجيال.