عبدو شامي/عندما يتذاكى برِّي على القوات اللبنانية

668

عندما يتذاكى برِّي على القوات اللبنانية
عبدو شامي
2/11/2014
نقولها بكل حسرة وألَم: لا يزال ما يسمى “تحالف” قوى 14آذار في حالة شرذمة وضياع، لايزال عاجزًا عن الخروج برأي موحّد عند كل استحقاق مفصلي تمُر به البلاد، وبالتالي لا يزال عاجزًا عن مواجهة مؤامرات الحزب الإرهابي على الدولة التي يحتلّها ويخطف قرارها.

فبعد اتفاق القوى الاستقلالية على أن مجلس النواب هيئة انتخابية فقط لا تشريعية مهمته حصرًا انتخاب رئيس للجمهورية، اختلف “الشباب” فيما بينهم، فوافق “المستقبل” و”القوات” على ما سمّي بـ”تشريع الضرورة” في تنازل مجاني جديد للقوى الانقلابية، فيما بقيت “الكتائب” متمسكة بقرارها “انتخاب الرئيس أولاً”. جديد تشرذم القوى الاستقلالية اليوم هو اختلافها فيما بينها على التمديد لمجلس النواب الحالي الذي مدَّد لنفسه أصلاً عام 2013؛ أي في ظل الفراغ الرئاسي وزمن النحر وقطع الرؤوس هل ننحر الديمقراطية مرة ثانية بعد أن نحرناها بالتمديد الأول مع العلم أن التمثيل بالميت محرّم وممنوع؟! ففي حين سارع “تيار المستقبل” الى إعلان نفسه رأس حربة الداعمين لمشروع التمديد طالما أن رئيس الجمهورية المسيحي لم يُنتخب بعد، كان موقف القوى المسيحية الاستقلالية (القوات والكتائب اللبنانية تحديدًا) إجراء الانتخابات النيابية ورفض التمديد انتُخب الرئيس أم لم يُنتخَب… ما أظهر الرئيس “سعد الحريري” وكأنه يزايد على القوى المسيحية نفسها المعنيّة الأولى بانتخاب الرئيس المسيحي قبل سواها.

لن ندخل في دهاليز الأسباب التي يُقال عنها إنها موجبة للتمديد، وهل هي مقنعة أم لا، وهل الأوضاع الأمنية تسمح بالانتخابات أم لا، وهل الفراغ الرئاسي يفرض التمديد أم لا، وسواها مما يمكن وصفه بـ”أذُن الجرّة” التي يضعها “الفاخوري” حيث يشاء، بل نكتفي بالقول انه من حيث المبدأ والحق الديمقراطي -وهو الأساس- ما بني على باطل فهو باطل، وتمديد اليوم -المحسوم- مبني على تمديد الأمس غير الدستوري، وهو غير دستوري فعلاً بدليل أن الحزب الإرهابي منع قضاته وقضاة النائب “جنبلاط” من تأمين نصاب المجلس الدستوري للنظر في الطعنَين بالتمديد الأول والمقدّمَين من كتلة “الجنرال عون”(وإن كان طعنه دعائيًا) ومن الرئيس السابق “ميشال سليمان”. فنواب تمديد 2014 كنواب تمديد 2013 تمامًا منتحلو صفة أو على الأقل لا يمثلون المتمسّكين بالديمقراطية من الشعب اللبناني لأن وكالتهم انتهت في حزيران 2013 ولا يحق للوكيل أن يجدِّد لنفسه.

في هذا السياق استوقفتنا محاولة جديدة من الرئيس “نبيه بري” في التذاكي على قوى 14 آذار على نحو نجاحه سابقا في جعلها تتبنى تحديد نصاب الثلثين لافتتاح جميع جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ثم انتزاعه منها تنازل “تشريع الضرورة” بعد إعلانه معارضة التمديد لمجلس “غير منتج” مع العلم أن قرار “بري” ليس في يده ولذلك عاد عن معارضته المسرحيّة ودعم التمديد لأن “حزب الإرهاب المنظم” ببساطة منشغل في إرهابه في الداخل والخارج ويريد الإمعان في ضرب الدستور والديمقراطية وبالتالي لا يرى الوقت ملائمًا لانتخابات نيابية ولا حتى رئاسية.

جديد تذاكي “بري” اليوم هو قوله: “إذا أرادت القوات اللبنانية سلوك طريق عون في رفض التصويت على التمديد فإن ميثاقية التمديد وجلسته في خطر”! هنا يحق لنا التساؤل: أين كان حرص “بري” على الميثاقية في حكومة “نجيب ميقاتي” التي غيّب عنها المكوِّن السني الوازن؟ أين الميثاقية في “تسَلْبط” الحزب الإرهابي على مناصب عديدة ليست للطائفة التي يخطف قرارها ولا سيما منها منصب مدير عام الأمن العام الذي انتزعه عنوة من المسيحيين؟ بل أين الميثاقية في منع المسيحيين من تبوّؤ أعلى منصب منحهم إياه العرف الدستوري؟ كل الأجوبة تصب في خانة واحدة هي أننا أمام محاولة مكشوفة من “الاستيذ” لانتزاع توقيع “القوات اللبنانية” على جريمة التمديد، وإلا فلماذا لا يحث “بري” حليف حليفه “ميشال عون” على التصويت لصالح التمديد؟ أليس ذلك أولى وأقرب وأسهل من مطالبته خصمه السياسي “القوات اللبنانية” بالبصم على الجريمة؟ أم إن الحزب الإرهابي يريد انتزاع توقيع “القوات” كي يتم تظهير الجنرال عون مجدّدًا -أمام البسطاء طبعًا- كما حصل عام 2013 على أنه هو صاحب المبدأ والحريص على الدستور والحياة الديمقراطية، وإن كان المعطِّل لانتخابات الرئاسة بأمر من الحزب الإرهابي نفسه؟
التمديد سيَمر وافقت القوى المسيحية أم عارضت، والمهم أن لا ترضخ القوى المسيحية الاستقلالية لابتزاز “بري” وتذاكيه بفرية “الميثاقية” ومعادلة “التمديد أو الفراغ”؛ أما ما يسمى “تحالف قوى 14آذار” فسيبقى في حالة موت سريري ما لم تعاد هيكلته ويتخلّص من هيمنة “تيار المستقبل” حيث ليست المرة الأولى الذي تسير فيها تلك القوى بقراره، والأهم من ذلك كله العودة الى “لبنان أولاً” قولاً وعملاً.