عبدو شامي/المناقبية العسكرية قبل التسليح

420

المناقبية العسكرية قبل التسليح
عبدو شامي

02 تشرين الأول/14

مع تنامي الحوادث الأمنية التي لا يمكن فصلها عن تداعيات الأزمة السورية واستيراد “حزب الإرهاب المنظم” الإرهاب الخارجي الى لبنان كنتيجة طبيعية لتصديره إرهابه الداخلي الى سوريا، كَثُر الحديث عن وضع الجيش اللبناني حيال تلك التحديات، فمنهم من نادى بضرورة تسليحه عبر إعادة تفعيل صفقة التسليح الروسية والإسراع في اتمام الصفقة الفرنسية، ومنهم مَن طالب بإعادة هيكلة الجيش، ومنهم دعا الى زيادة العديد، ومنهم من اقترح استدعاء قسم من الاحتياط… كلّهم طالبوا بالقشور (وهي مطلوبة) ونسوا اللب (وهو الأساس)، ألا وهو إعادة النظر في المناقبية العسكرية.

 لقد فات هؤلاء المنظّرين ما هو أولى من استجداء مساعدة عسكرية من هنا أو هبة مالية من هناك، فالمناقبية العسكرية هي الأساس لأنها تُعنى بالأخلاقيات التي تبثها المؤسسة العسكرية في نفوس المجنّدين وتُنشِّئهم عليها سواء منها ما يتعلق بالانضباط (سلوكيات الجندي) أو بأصول التعاطي مع المواطنين أو بمعاني ثلاثية “الشرف والتضحية والوفاء” التي اختارها الجيش اللبناني لتكون شعاره… فكما أنّ الإنسان بلا أخلاق يصبح أقرب الى البهيمية كذلك إنّ جيشًا بلا مناقبية يُمسي عصابة من “الشبيحة” أو “الباسيج” أو قطّاع الطرق مهما امتلك من عديد وترسانة عسكرية.

 المناقبية العسكرية تجلّت بأبهى صورها في 14آذار2005 يوم قدّم “ثوار الأرز” الورود البيضاء الى عناصر الجيش الذي حاول الاحتلال الأسدي استخدامه لمنع المتظاهرين من الوصول الى ساحة الحرية، فما كان من الجيش إلا أن فتح الطرق أمام مواطنيه وعمل على تأمين سلامة تظاهرتهم المليونية التي غيّرت مجرى التاريخ.

المناقبية العسكرية ظهرت كذلك في 22/8/2014، في ردّ قائد الجيش على مَن أقحمه في “معركة القلمون الثانية” وأراد استخدامه في إبادة “عرسال” وتدميرها على رؤوس أهلها ولاجئيها: “في عرسال 120ألف شخص بين أهالي البلدة والنازحين السوريين، فهل كان بعضهم يريدني أن أدمر عرسال وأقتل لبنانيين ونازحين سوريين”؟!

 في مقابل النماذج المشرفة للمناقبية العسكرية نجد نماذج مسيئة وخطيرة تدعو الى القلق. فالمناقبية العسكرية ضُرِبَت مثلاً عام 2008 عندما أُجبِر الجيش على التخلي عن واجبه في الدفاع عن شعبه، فأخلى الساحة في بيروت والجبل لميليشات الحزب الإرهابي تعيث فسادًا وقتلاً وخرابًا في الأرض.

والمناقبية العسكرية ضُرِبت حين خاض الجيش “حرب البندقية الموحّدة” عام 2013 في “عبرا” فرضي بالقتال جنبًا الى جنب مع ميليشيا “حزب الإرهاب المنظم” الذي كرّر جرائم 7 أيار لكن ضد أهالي صيدا تحت غطاء الجيش اللبناني الذي قامت بعض عناصره أيضًا بممارسات مشينة وموثّقة في حق بعض المواطنين.

والمناقبية العسكرية كُسِرت يوم آخى “تيار المستقبل” بين الشرعية والإرهاب فأجلَسَ قادة الأجهزة الأمنية على طاولة واحدة مع قيادي ميليشيوي في الحزب الإرهابي في اجتماع رسمي أيًا كانت أسبابه ودوافعه.

والمناقبية العسكرية أٌهينت بشكل مضاعف طيلة أيام شهر أيلول المنصرم، مع انتشار مقاطع “فيديو” تُظهر تفنُّن بعض العسكريين في الاعتداء على اللاجئين السوريين العُزَّل سواء من خلال انتهاك كرامتهم أو شتمهم أو إهانتهم، أو إطلاق ألفاظ عنصرية في حقهم، هرس ممتلكاتهم تحت جنازير الدبابات وإتلافها، تعذيب ذوي الاحتياجات الخاصة منهم عبر الدوس على موضع إعاقتهم كموضع بتر الساق، وكذلك عبر ضرب الموقوف الجريح في المستشفى على موضع جرحه أو كسره، نتف لحية الموقوف الملتحي، تمريغ الموقوفين بالتراب، رَكْلِهم بالحذاء العسكري على وجوههم… كل ذلك دون تفرقة بين شاب ومُسن وضعيف ومعوّق وفي اعتقالات بالجملة بعضها غير مبرّر.

 عنصرية همجية شوفينية نازية سادية فاشية إذلال إهانة تركيع… مَن حقن كل هذا الحقد وتلك الكراهية تجاه المدنيين العزَّل في نفوس أولئك العسكريين؟

مَن حرَّضهم على ارتكاب تلك الممارسات التي يندى لها الجبين ومَن أمرهم بالتنفيذ؟

مَن صوّر لهم المدني المسالم الأعزل الهارب من الوحش الأسدي الكاسر عدوًا شريرًا مدجّجًا بالسلاح؟

أسئلة كثيرة تَطرح نفسَها والجواب واحد: أنقِذوا المناقبية العسكرية فالإنسان في لبنان لا يريد من الجيش أكثر من “الشرف والتضحية والوفاء” التي ألزم بها الجيش نفسه؛ لذا على الجيش إعادة النظر في المناقبية العسكرية التي ينشِّئ عليها جنوده ومراقبة مدى التزامهم بها، وتطهير صفوف المؤسسة العسكرية من عديمي الإنسانية وفاقدي أدنى قِيَم المناقبية المتنكّرين بالبزة العسكرية الشريفة أيًا كانت رتبهم، وإلا فلتكن لدى الجيش جرأةُ مصارحة اللبنانيين بأنه بات أسير خاطفَين إرهابيَين أحدهما يأسر منه نحو عشرين عسكريًا فيما يأسر الخاطف الآخر الـ65 ألفًا الباقية.