سوسن مهنا/معممون يرفعون الصوت ضد حزب الله وحركة أمل … سعي إلى تشكيل جبهة معارضة لما يحصل داخل الطائفة الشيعية بسبب مصادرة الثنائي قرارها

91

معممون يرفعون الصوت ضد “حزب الله” وحركة “أمل” …سعي إلى تشكيل جبهة معارضة لما يحصل داخل الطائفة الشيعية بسبب مصادرة “الثنائي” قرارها
سوسن مهنا/اندبندنت عربية/17 أيلول/2023

أعاد بيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الصادر بتاريخ 16 أغسطس (آب) الماضي، عن “بعض مرتدي زي الدين”، والذي اعتبر أن عدداً من المشايخ “غير مؤهلين للقيام بالإرشاد والتوجيه الديني والتصدي لسائر الشؤون الدينية والأحوال الشخصية المتعلقة بأبناء الطائفة الإسلامية الشيعية…”، تسليط الضوء على سؤال داخل المجتمع اللبناني، وهو هل هناك خط شيعي ثالث، يستطيع العبور برؤيته المغايرة بيئة “الثنائي الشيعي”: “حزب الله” وحركة “أمل”؟ ولا تختلف الطائفة الشيعية عن بقية الطوائف اللبنانية من جهة غضبها ونقمتها على الطبقة السياسية، محملة إياها مسؤولية الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة. فمنذ “انتفاضة تشرين”، في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 بدا لافتاً المشهد السياسي الجريء، عندما خرجت الحركات الاحتجاجية ضد معاقل “الثنائي الشيعي”، تحديداً في الجنوب، وهاجم محتجون مقار نواب من الحزبين، وأطلقوا هتافات منددة، ذلك الحراك وإن خفت لكنه لم ينطفئ.

الشيخ ياسر عودة
بيان المجلس الشيعي الأعلى الآنف الذكر، والذي عاد المجلس وتراجع عنه، كان أثار استهجاناً في أوساط شعبية وتفاعلاً على وسائل التواصل لأنه تضمن اسم الشيخ ياسر عودة الذي عرف بمواقفه القوية ضد “الثنائي الشيعي”. الشيخ عودة وفي حديث سابق لـ”اندبندنت عربية” اعتبر أن هيئة التبليغ الديني هي هيئة “مخترعة”. ويؤكد أن بيانها موجه تحديداً ضده، وتمنى لو كان لديهم الجرأة ليضعوا اسمه منفرداً، من غير الإشارة إلى بقية الأسماء لأنها أضيفت لذر الرماد في العيون، وكي لا يبدو أنه هو المستهدف. وعن نشأة هيئة التبليغ، يشرح أنها ومنذ 15 عاماً وعندما كان العلامة المرجع محمد حسين فضل الله لا يزال على قيد الحياة، وبعد أن كثر التفلت في لبس العمامة، وتلطي بعض المطلوبين بالعمامة كطريقة لتحصين أنفسهم من الملاحقة. أنشئت هيئة حينذاك تضم كل الحوزات ومن مختلف التوجهات، وبموافقة كل الأطراف السياسية. فقام “المجلس” (الشيعي الأعلى) بخطف الفكرة وشكل هيئة تبليغ ديني غير شرعية وغير منتجة وغير قانونية، ولا ينص عليها القانون، ولا حتى النظام الداخلي للمجلس. ويضيف عودة أن عبد الحليم شرارة كرئيس للهيئة وعلي بحسون كنائب رئيس، محسوبان على جهة سياسية معروفة، وتحديداً على زوجة رئيس مجلس النواب نبيه بري (رندة بري)، ومعلوم أن المجلس بكليته يدار من قبل نبيه بري. ويعتبر عودة أن قرار الهيئة إما أتى من غير علم الرئيس بري، أو أن بري لا يتدخل أصلاً. ويستدرك قائلاً إنه سمع أن بري تدخل لسحب القرار. ويتساءل “بأي حق يحاسبون المشايخ ومن أعطاهم الصلاحية، حيث يتصرفون كما يحلو لهم وخلافاً للدين”. علماً أن عودة لم ينتسب يوماً إلى المجلس الإسلامي الشيعي، ولا يعترف به.

“جبهة شيعية معارضة”
مما يميز المعارضة داخل البيئة الشيعية عن مثيلاتها أن أي معارض لـ”الثنائي” أكان معمماً أو مدنياً، توعز قيادات الحزبين إلى جمهورها ومن خلال وسائل التواصل أو الإعلام لمهاجمته ووصفه بأبشع العبارات، منها “شيعة السفارة” أو “شيعة عوكر” في إشارة إلى مقر السفارة الأميركية في لبنان، في محاولة لردعه أو ثنيه، وإن لم تفلح تلك الوسائل فهناك وسائل أخرى كتهديد عائلة المعارض، أو التعرض له بالضرب والإهانات، أو نبذه في بيئته، وصولاً إلى التهديد بالقتل، وذلك وفقاً لمن تحدث إلى “اندبندنت عربية”. ويلفت المرشح السابق للانتخابات النيابية عن دائرة الزهراني والناشط في حركة الاعتراض الشيعي الناشئة في لبنان الأستاذ الجامعي علي خليفة، في حديث مع “اندبندنت عربية” إلى أن جبهة معارضة شيعية والإعلان عن مبادئها ومشروعها الوطنيين، والتي ستكون صوتاً مختلفاً، باتت قاب قوسين من ولادتها، إذ تسعى إلى تظهير رؤية الخط المعارض داخل الطائفة، وتنظيمه. وشدد على أن هذه الجبهة لن تعمل فقط لمصلحة الشيعة، إنما لمصلحة كل لبنان. وأشار خليفة إلى أن الحركة على يقين بأنها ستتعرض لملاحقات ومضايقات من قبل “الثنائي”، وقد تصل هذه الملاحقات إلى حد تنفيذ عمليات اغتيال ضد أعضائها، “لكن إن استطاعوا ترهيب عدد من الأحرار الشيعة، فلن يتمكنوا حتماً من ترهيبهم جميعاً وقمعهم وإسكاتهم”.

“ثورة الجياع”
وكان بيان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى تضمن أسماء 15 من المعممين من الطائفة الشيعية المعروفين بمناهضتهم خيارات وسياسات “الثنائي”. “اندبندنت عربية” حاورت عدداً منهم.
يقول مدير الأخبار والبرامج السياسية سابقاً في قناة “المنار” الناطقة باسم “حزب الله”، الشيخ عباس يزبك ابن بلدة نحلة في منطقة بعلبك البقاعية، إنه كمقاوم انتمى إلى “حزب الله” لأنه كان يؤمن بالمقاومة ضد إسرائيل، ومعارضة الحزب ليست وليدة اليوم، بل بدأت منذ عام 1997 من خلال ثورة داخلية عرفت بـ”ثورة الجياع”، حين لمسوا تحولات داخل الحزب، في مسألة إدارة الصراع مع إسرائيل، وأصبح الحزب “حرس حدود” بعد انسحاب إسرائيل عام 2000، مانعاً انتشار الجيش. ويضيف الشيخ يزبك أن “ثورة الجياع” عام 1997، جاءت لأن ملامح الكذب عند الحزب بدأت تتمظهر منذ ذلك الوقت، لتحويل منطقة بعلبك إلى بؤرة، من بوابة الحرمان، والتحكم بأرزاق الناس وسبل عيشهم، عبر إنشاء زبائنية سياسية. أما الناس الميسورون نسبياً والطبقة المستقلة التي تمتلك حرية التفكير، فهذه الطبقة لا يستطيع الحزب السيطرة عليها. من هنا عندما تمكن “الثنائي” من الإمساك بالأمن والتوظيف في الدولة والتجييش المذهبي والتحكم بالأجهزة الأمنية، أصبح المشهد شبيهاً بالعبودية الكاملة. وحول “الحزب” منطقة بعلبك إلى بؤرة وخزان بشري، يستطيع ساعة يريد إخراج مقاتلين منها لغزو بيروت والجبل، وليقاتلوا في اليمن والعراق وسوريا. يذكر أن “ثورة الجياع” أطلقها الشيخ صبحي الطفيلي الذي وقع خلاف جذري بينه وبين “حزب الله” رغم أنه كان أول أمين عام له، وهو يطل في العديد من المناسبات والمقابلات الإعلامية موجهاً أقذع التهم للقيادة الحالية، وللنظام في إيران.

نصرالله أميناً عاماً دائماً
ويشير الشيخ عباس يزبك إلى أن أمين عام الحزب الحالي حسن نصرالله “ألغى الانتخابات داخل الحزب وأصبح الأمين العام لا يبدل حتى يموت، ومعصوم عن الخطأ، أي كل ما يقوله صادر عن الله سبحانه وتعالى، وتحولت القيادة إلى زعامة، وهو سيبقى طالما أراد الإيراني ذلك”. ويضيف يزبك أن نصرالله في أحد خطاباته قال إن الله هو الذي وكله. وبالفعل كان نصرالله أشار في أحد خطاباته يوليو (تموز) 2022 ورداً على السؤال الذي يطرحه اللبنانيون “من كلفك بالدفاع عن لبنان؟ قال نصرالله: “حل عني، أنا الله مكلفني”. والجدير بالذكر أن نصرالله هو الأمين العام الثالث والحالي لـ”حزب الله” وذلك منذ 16 فبراير (شباط) 1992 أي منذ 31 سنة. ويتابع يزبك “من هنا جاءت المعارضة حين بات نصرالله يعتبر نفسه وكيل الله والمتحدث باسمه، والتوجه إلى الناس بخطاب (لا تفكر، أنت فقط تطيع الأوامر). وهنا تشعبت الأمور فأصبحنا نحن اللبنانيين نطيع أحدهم خارج لبنان، هو الولي الفقيه في إيران، وذلك خارج الإطار الوطني أو العربي أو التحرري”. الشيخ عباس يزبك كان ترأس لائحة “قرار البقاع” في الانتخابات النيابية عام 2000، وهو لم يعد من المتحمسين للمشاركة، بل دعا إلى المقاطعة في الانتخابات الأخيرة، إذ تحولت الانتخابات إلى “مسرحية”. ويلفت إلى أنه وبعد سيطرة السلاح “كيف ستكون الانتخابات نزيهة وعناصرهم المسلحة تجول في المدن والقرى ليلة الانتخابات، لنشر جو من الترهيب والتهديد”، مضيفاً أن الحزب “حالة مرضية مستعصية، إذ يمارس ضدنا كل أنواع العدوانية وعندما يضيق صدره من أحد يعمد إلى اغتياله كما حصل مع المفكر لقمان سليم”.

تسيطر “كتلة الوفاء للمقاومة” أي كتلة “حزب الله” في المجلس النيابي، على المشهد السياسي لمنطقة بعلبك الهرمل. كيف لا؟ وهي تعتبر “الخزان البشري” للحزب، وعلى رغم ذلك هذه المنطقة من أكثر المناطق حرماناً في لبنان، وتعاني فئة كبيرة من سكانها الفقر، وغياب الخدمات الطبية، إضافة إلى انتشار الاتجار وتعاطي المخدرات، لذا تتعالى صرخة فئة كبيرة من مشايخها والمعارضين الشيعة في المنطقة، والتململ أصبح واضحاً، علماً أن هناك فئة كبيرة لا تستطيع التعبير عن سخطها جهاراً. ويقول الشيخ عبدالسلام دندش وهو إمام “مسجد الإمام علي” في قرية العين في البقاع الشمالي، ومسؤول عن حسينية الإمام المهدي، وهو من الذين ورد اسمهم في بيان هيئة التبليغ في المجلس الشيعي، أنهم هم المؤسسون للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وأن غرفة الإمام موسى الصدر وسيارته لا تزال موجودة في منزلهم، وكان الإمام يعتز بصداقة عمه فضل الله دندش، الذي كان رئيساً لكتلة نيابية في البقاع، وكرس كل نشاطه من أجل دعم مسيرة الإمام الصدر، وأنهم سلموا النيابة للحزب اعتقاداً منهم بضرورة الخروج من العشائرية إلى منطق الدولة. ويضيف الشيخ دندش “عندما كنا في مجلس النواب كنا نقف إلى جانب الناس وليس كما يفعل الرئيس نبيه بري الآن”. ويشير إلى أن الطبقة السياسية والأحزاب كافة أوصلت البلد إلى هذه الحالة، بالتكافل مع “حزب الله”، وهم كعائلة ميسورة يقفون إلى جانب الناس، على قدر ما يستطيعون، وذلك أباً عن جد.

أما عن معارضته “حزب الله” فلها أبعاد تمتد إلى داخل المذهب، “وهذا ما أزعجهم مني”. ويقول “هناك أمور ومنذ 300 عام لا علاقة لها بالمذهب الشيعي، إذ إن هذا المذهب قائم على الشورى، أما اليوم فالشورى باطلة، وأصبح المذهب إرثياً، وهو ما يخالف جوهر العقيدة”. ويضيف أنه يحارب “السيدية” (مرتبة في المذهب الشيعي)، إذ تذهب 20 في المئة من الأموال “للسياد”. ويؤكد أنهم كانوا دائماً إلى جانب المستضعفين، ومع الحق ضد الباطل، وكانوا مع الحزب، لكن عندما تحول إلى مستكبر وقفوا ضده. والباطل في رأيه أن الناس تموت جوعاً وعلى أبواب المستشفيات. ويتابع أن لا أحد يستطيع المزايدة عليهم في مناصرة الحق، ودائماً كانت عشيرة آل دندش تواجه الظلم، فجده هو القائد الثائر حسن طعان دندش، “الذي ثار في البقاع بوجه الاستعمار الفرنسي، تزامناً مع ثورة سلطان باشا الأطرش في سوريا، وثورة أدهم خنجر وصادق حمزة في جبل عامل، وسقط عام 1929 برصاص الفرنسيين، وهو يقاتل في سبيل الله والوطن”. أما عن رتبته الدينية فيوضح أنه درس 11 سنة في مدينة قم في إيران وفي العراق، وتتلمذ على يد آية الله الشيخ محمد علي روحاني، وآية الله الواعظي، كما أجازه وعممه آية الله الشيخ محمد تقي بهجت العرفاني الكبير، الذي كان يصلي خلفه الإمام الخميني، ولا أحد يستطيع النيل من رتبته العلمية، مضيفاً أنهم يخافونه لأنه ينطق بالحق.

الزبائنية السياسية
يشير الشيخ عباس يزبك إلى أن أهالي بعلبك الهرمل الذين ينتمي معظمهم إلى عشائر، حضنوا “حزب الله” لأنهم آمنوا بخط “المقاومة” بوجه العدو الإسرائيلي، لكن الحزب استغل ذلك عبر استثماره في الدين كي يمسك بالسلطة، مستفيداً من فترة الوصاية السورية وإرهاب الخصوم عبر الاغتيالات ليتمكنوا من مفاصل الدولة. ويؤكد أن “حزب الله” هو من اغتال الشيخ خضر طليس في حوزة الإمام المنتظر في عين بورضاي، في بعلبك، في فبراير (شباط) 1998. ويردف أن “حزب الله يقود تركيبة داخل البلد قائمة على التخويف والترهيب والوهم والبلطجة والاقتصاد الحرام، ويفتح أبواباً للموالين للارتزاق عبر التهريب والاتجار بالممنوعات، مما يمكنه من امتلاك جمهور يستفيد من سيطرته السياسية، ومع الوقت تنشأ حلقة من المستفيدين من هذا الوضع، مما يؤمن ولاءً مطلقاً للحزب”. الشيخ يزبك وهو أستاذ فلسفة، بدوره كان قد تعرض للتهديد داخل مجمع عبده مرتضى، وهو المجمع الأساسي للمدارس في بعلبك، حيث يمارس مهنة التعليم الثانوي، إذ دخل شخصان إلى غرفة الأساتذة، وأغلق أحدهم وهو مسؤول اللجنة الأمنية في “حزب الله” سابقاً الباب، مهدداً الشيخ ومتعرضاً له وشاهراً السلاح بوجهه العام الماضي، بسبب مواقفه المعارضة والمعلنة ضد الحزب. اللافت أن مركز الشرطة في بعلبك تمنع عن قبول الشكوى التي حاول الشيخ يزبك تقديمها، بسبب ضغوط وترهيب مارسها الحزب. ويقول يزبك إن هناك “قاضية شجاعة” انحصرت مهمتها بقبول الدعوى ثم نامت في الأدراج.

“العمامة ترمز إلى الزهد”
الشيخ سامر غنوي المقيم في بلدة حولا الحدودية أيضاً كان ورد اسمه في بيان المجلس الإسلامي الشيعي، يقول إنه من بيت مناضل وشريف قاوم المحتل، و”نحن بدورنا ضد الظلم والفساد المستشري داخل البلد والذي لا يطاول طائفة بعينها، لكننا لا نطرح المواجهة، بل الحقيقة”، ويتابع “يريدون منا أن نقول إن الأمور كلها على ما يرام، لكن هذا غير صحيح، من هنا أتى انزعاجهم، ووضع اسمي في بيان العزل، لكن هذا لن يغير من قناعاتي ولا من مساري، لأن مسؤوليتي كرجل دين الوقوف إلى جانب الناس المستضعفة”. الشيخ غنوي حمل “الثنائي” مسؤولية الانهيار الحاصل، لأنه موجود في السلطة. الشيخ غنوي يعيل عائلته من تعبه وعرق جبينه إذ يعمل في مهنة العمار بالحجر. ويقول إن العمامة ترمز إلى الزهد، و”الله حاور الشيطان”، فلماذا لم يطلبوا محاورتنا قبل بيان عزلنا على طريقة محاكم التفتيش في القرون الوسطى في أوروبا؟ ويضيف أنه ليس من تجار الدين، ولا من المشايخ الذين يحصلون رزقهم من المعاملات الدينية، ولا موظفاً في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، لكنه تفاجأ بورود اسمه في بيان العزل، الذي اعتبره بياناً سياسياً، وفضيحة لأنه استهدف أسماء مشايخ ناشطين اجتماعياً، وهدفها الإضاءة على مكامن الخلل والفساد في البلد. ففي بلدة صغيرة كبلدته إذا مرض أحدهم يجمعون المال له، لأن لا أحد يمتلك الطبابة في المستشفيات حالياً.