بول ناصيف عكاري/جريدة النهار/الأسد، الغول، الضبع…والحصان

86

الأسد، الغول، الضبع…والحصان
بول ناصيف عكاري/النهار/06 تموز/2022

“كلّ تشابه مع أحداث وقعت أو هي بصدد الوقوع هو محض صدف”
كان في إحدى الغابات القديمة أسد يحكمها بحنكة وبطش، وكان بجوارها غابة صغيرة تعتبر من أقدم غابات الأرض وأجملها، وفي أعاليها غابة من الأرز وجدت منذ يوم الخلق، وهي محرّمة على أصناف البشر. أنعم الرّبّ على هذه الغابة الصّغيرة بينابيع عذبة، وبأنهار من العسل واللبن، وببساتين زهية وحقول كريمة، وبجو طيّب وعطر، بنسيم عليل، وبقمر تتدفق منه أنوار من الفضّة لتؤنس السّاهرين ناحية “مشغرة”. مصيبة هذه العطيّة الكريمة، أنّ قاطنيها، بمعظم فصائلهم المتناحرة، قليلو الحياء والوفاء تجاه هذه الهبة النّادرة من الكريم، وغير آبيهن بما خصّهم على هذه الأرض. هذه الغابة، بفعل خاصيتها، كانت مقصداً للغزاة والملوك وأبطال الأساطير، ولكنها كانت دومًا عصيّة عليهم وعلى أطماعهم.

في يوم من الأيام، تمكّن هذا الأسد من جارته، وحكمها بالتّرغيب والتّرهيب بواسطة عامله، الثّعلب الماكر، الذي تمكّن من السيطرة على الغابة بواسطة ثلّة من الذّئاب، المعروف بالخيانة، كثيرة النّهم وعديمة الفهم، ناكرة للودّ وللجميل، حاقدة على بيئتها وأترابها من الحيوانات…

من عدّة عمل الثعلب وأدواته، أنّه عندما يريد أن يتّخذ قراراً ما ليدخله حيّز التنفيذ ليثبت نفوذه وسيطرته، وبما يتنافى مع شريعة الغابة هذه وقيمها، كان يجمع الثلة في “ساحة المحارم”، ويرمي بين أفرادها عظماً نتناً مجرّداً من اللحم. عندئذ، يبدؤون بالعواء والنّباح والصّياح والزّعيق والعويل ويتقاتلون في ما بينهم بشراسة نادرة، ومن دون دراية بالأسباب والموجبات، متناسين العظم والجيفة التي اقتطع منها.

عندما يغلظ ويخشن صوتهم ويُستهلك وعيهم وتُنهك قوّتهم، يعود الثّعلب ويسحب العظم ذاته، من دون أن تدرك تلك الثلّة ماذا حصل، وكيف حصل. بل لتعود، وبقرارة نفسها، وتتأكد أن الّتنازل الذي أقرّته أصبح نافذاً…وهكذا دواليك. وبعد كلّ حفلة من تلك “حفلات العظام”، وفي قرارة نفسه، يعي الثعلب قدرة تلك الثلّة، على الخنوع والخيانة والإفساد من أجل حفنة من المكتسبات الماديّة والدنيويّة. أمّا الأسد، كعادته، فيضحك بعبّه بعد وجبة “خاروف” دسمة لذيذة…

بعد دهر من المآسي، عاد الأسد مهرولاً خائباً إلى غابته…والتي تحوّلت لاحقاً إلى مسلخ من الجيف. شاءت الظّروف أن يحلّ مكانه غول، حاكماً لغابة بعيدة جدّاً، من فصيلة الغيلان المشهورة بالتّضليل والإهلاك وإنزال المصائب. عيّن ذاك الغول عاملاً له، وهو كناية عن حيّة من فصيلة حيّات “جنّة عدن” التي تجيء إلى جحر غيرها، فتدخله وتغلب عليه. وهي من الفصيلة نفسها التي أوحت لحوّاء بالأكل من شجرة الحياة ليتمّ طردها وآدم من الجنّة. وها هي نفس المعزوفة تعاد مع أهل الغابة…

تمكّنت الحيّة، بدمها البارد، من استغلال معظم فصائل الغابة وإخضاعها، إلّا القليل منهم، من زواحف وثدييّات وفقاريات وما شابه…المعروفة بالزّحف والرّضع والرضاعة والإفقار وما إلى هنالك. إضافة إلى ذلك، وعن سابق تصوّر وتصميم، تمكّنت من الإخلال بالقوانين الطبيعيّة الناظمة للغابة من أجل ضرب كيانها، وبالتّالي السّيطرة عليها وفقاً لعقيدة الشّرّ خاصّتها. حصلت تلك الثلّة من الذّئاب على النّفوذ والملذّات والأطايب، مقابل مساهمتها في تحقيق أهداف الغول المستورة منها والمبينة.

بسبب حركاتها الملتوية، تمكّنت هذه الحيّة أن تلتفّ على كلّ من يخالفها لتخنقه أو تَقض عليه بسُمّها. اعتمدت أسلوب الثّعلب نفسه، ولكن ببشاعة أكثر. استبدلت العظم بكرش جيفة، وكانت تملؤه بالغاز لينتفخ حجمه ويكبر. عندما ترميه بينهم فيبدؤون، كما جرت العادة، بالعواء والنّباح والصّياح والزّعيق والعويل. كانوا يعتقدون أنّه مملوء بالطيّبات والملذّات، ولكن ما يلبث أن ينفجر بهم فيخرجون خاويين اليدين، على شفير الاشتعال، وممتلئون بالرّوائح النتنة. من أساليب الحيّة في الإخضاع أنّها ترسل عصاباتها للمداهمة بخنجر مصنوع من قرن الماعز.

بعد دهر آخر من المآسي، اجتمعت الحيّة التي اتّشحت بالكُرَيْش، وهو نسيجٌ من الحرير الأحمر القانئ، مع عملائها المتّشحين بدورهم بالكُرَيْش، ولكن بالأَسود القاتم، في ناحية تدعى “قانا”، من أجل إعلان سيطرتها الناجزة على الغابة. وفي منتصف النّهار، ومن حيث لم يدروا، إذ بحصان أبيض آتٍ من أعالي جبال المكمل، برداءٍ أبيضَ كثلج قمم الغابة، عابقٍ برائحة أرز الرّبّ ، شاربٍ “روحيّة الكرامة الوطنيّة”، صفاؤه كفيروز السماء المنعكس على بحر الغابة، نور قلبه خافت، عقله منفطر على هذه الغابة وقاطنيها، يضرب الحيّة ضربة قاضية على رأسها، فينفصل عن جسدها انفصال الخائن عن أتراب غابته اليابسة.

ماتت الحيّة، وقضي أمر الغول، وتاهت ثلّة الذّئاب في غابات الأرض السّوداء هرباً من عدالة هذه الغابة المنكوبة، والتي عادت واقتصّت منهم ومن نسلهم…وضعوا جميعًا تحت سابع أرض في جحر نتن، وما لبثوا أن أدركوا مصيبتهم، ووعوا على مظالمهم وفداحة أفعالهم …ولأنّ الخائن غدّار، والقاتل سفّاح، والحرامي لصّ، ما نفع النّدم عندما تكون “ممسوك بخوانيقك”؟ أنت كذّاب أبو حقود، وحرامي ابن لصّ، وجزّار أخو السفّاح…
ما بين أفعال الثعلب والحيّة وسلوكيّاتهما الشرّيرة ، تناسى أهل الغابة هذه، أن هنالك ضبعًا، وهو الصيّاد الماهر الذي يعتاش على أكل الجيف، ينتظر في غابةٍ مجاورةٍ.

ولكن…هل من المستحسن “قبع” القاطنين في الغابة واستبدالهم بأسوأ منهم لاستخدامهم في جولة جديدة من المآسي؟ ما هو السّرّ، أنّ قدر معظم أهل الغابة الأذكياء الغشم والشطّار الغشّاشين، أن يكونوا دوماً محكومين من سفلة الحيوانات والبهائم؟
#المنظومة_المافياوية #عصابة_الستة #حزب_الكرتون #عهد_الخراب #مجلس_الفساد