تأملات إيمانية في معاني وعِبر مَثَل عودة وتوبة الابن الشاطر الياس بجاني/23 آذار 2025
الصوم هو زمن التغيير والولادة الجديدة، زمن الرجوع إلى الجذور الإيمانية، مراجعة الذات والأفعال، التوبة، طلب المغفرة، وعمل الكفارات. فالله، الأب الرحيم والمحب والغفور، قادرٌ على تحويل كل شيء وتبديله. هو الذي حوّل الماء إلى خمر، وهو القادر، إن طلبنا منه التوبة، أن يحوّل عقولنا وضمائرنا من مسالك الخطيئة إلى دروب الخير والمحبة والتقوى. كما أنه يمنحنا رؤية جديدة بقلبٍ متجدّد، ينبض بالمحبة والحنان والإرادة الخيّرة.
هذا الأب السماوي، الذي تجسّد وارتضى الصلب والعذاب من أجل خلاصنا، شفى الأبرص من جسده المشوّه ومنحه العافية، وهو كذلك قادرٌ على تطهير النفوس الملطخة بالخطيئة إذا طلبت التوبة بصدق وإيمان وثقة.
بقوّته ومحبّته، أوقف نزف المرأة النازفة، التي ترمز إلى كل نزيف أخلاقي، قيمي، روحي، واجتماعي يعاني منه الأفراد والمجتمعات. وهو دائمًا مستعدٌّ لقبول توبتنا واستقبالنا في بيته السماوي، حيث لكل واحدٍ منّا منزل لم تشيّده يد إنسان، حيث لا حزن، ولا تعب، ولا خطيئة.
عِبر من مَثَل الابن الشاطر
في الأحد الرابع من آحاد الصوم، تحدّثنا الكنيسة عن مَثَل الابن الشاطر (الضالّ أو المبذّر) الذي اقتسم حصته من ميراث أبيه، ثم وقع في التجربة، وانغمس في الملذات حتى أضاع كل شيء. وعندما أقفلت الأبواب في وجهه، واختبر الجوع والذل والغربة، عاد إلى أبيه طالبًا السماح والغفران.
من هذا المثل الإنجيلي، نستخلص معاني الخطيئة والتجربة والضياع الأخلاقي والإيماني، كما نتعلّم عن التوبة والمصالحة وثمارها.
جوهر الخطيئة والميراث والعطايا
الخطيئة تبدأ حين نتعلّق بخيرات الله، من مال وسلطة ومعرفة وجمال وذكاء، وننسى المُعطي ذاته. ننسى أن الله هو واهبُ كل ما نملك، فنعبد العطايا بدلًا من أن نعبد المُعطي، فنقع في الخطيئة. الابن الشاطر أصرّ على أخذ ميراثه، وترك العائلة والوطن، واختار الذهاب إلى عالمٍ آخر، عالمِ الشيطان، حيث لا قيود ولا التزامات، بل حرية منفلتة وملذّات زائلة.
لقد كسر شراكته مع الأب – أي مع الله – وخرج من دائرة الحياة معه إلى ظلام الخطيئة، لأن الابتعاد عن الله هو ابتعادٌ عن النور، وسقوطٌ في العتمة والتوقّف عن الصلاة والعبادة.
الأنانية المفرطة
في هذه الحالة، تصبح الذات (الأنا) محور كل حياة الإنسان وفكره، فينسى الله ويكسر الشراكة معه.
الابتعاد عن البيت الأبوي
كسرُ الشراكة مع الله يقود إلى الابتعاد عن الوصايا الإلهية، الإنجيل، القداديس، والأسرار المقدّسة، فيسقط الإنسان في شراك الخطيئة التي هي موتٌ روحي.
كسر الشراكة مع الجماعة
الخطيئة تُخرج الإنسان من جماعة الكنيسة التي هو عضوٌ فيها، فتُحرمه من السلام، الفرح، والدفء الروحي.
الخطيئة تُنتج الفقر الروحي والجوع والعوز
ابتعد الابن عن الله، مارس التبذير وأعمال السوء، وعاشر أهل الخطايا، متفلتًا من الإيمان والقيم الروحية والضوابط العائلية والمسؤولية. تحجّرت مشاعره، وانطفأت أحاسيسه، وغرق في عالمٍ بلا ضوابط.
حياة الذلّ
هذه الحياة هي نتيجة الفقر القِيَمي والأخلاقي والإيماني، والغربة عن الله وشرائعه. لقد فقد الابن الشاطر كرامته الشخصية، وانحدر إلى العمل مع الخنازير، متمنّيًا أن يأكل مما يُقدَّم لها. ولأن الشريعة اليهودية تعتبر الخنزير نجسًا، ندرك حجم الذلّ الذي بلغه هذا الابن الذي كسر الشراكة مع أبيه، وترك العنان لشهواته.
التوبة: قرارٌ واعٍ نابعٌ من الندم والتواضع
التوبة تبدأ بوقفة وجدانية، بعملية فحص الضمير المستنير، فالضمير هو صوت الله داخل كل إنسان. عاد الابن إلى نفسه، فاسترجع ذكرياته عن بيت أبيه، وأدرك خطأه وسوء تقديره. أخذ عبرةً مما أصابه، وقرّر التوبة، والعودة إلى أبيه طالبًا الغفران.
تخلّى عن كبريائه وتعجرفه وأنانيته، وقال:
“سأعود وأطلب من والدي أن يجعلني أجيرًا في بيته، إن هو غفر لي وقبلني من جديد. سأعترف بخطيئتي وأقول له: يا أبي، لقد أخطأتُ وأهنتك، ولا أستحق أن أُدعى ابنك.”
وهكذا، قام وعاد إلى بيته، وهذا هو فعل التوبة الحقيقي—الاعتراف بالخطيئة، والإقرار بها، واتخاذ قرار الرجوع إلى الله. فالخطيئة تُرتكب بالقول والفعل والفكر والإهمال، لكن الرجولة تكمن في اتخاذ قرار الندم والتوبة، والعودة إلى شريعة الله، وطلب الغفران، ومن ثمّ التكفير عن الذنوب.
الله بانتظار توبتنا، فهل نعود إليه؟
*الكاتب ناشط لبناني اغترابي عنوان الكاتب الألكتروني Phoenicia@hotmail.com رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت http://www.eliasbejjaninew.com
معاني أحداث المثال
المصالحة مع الله/تمت من خلال العودة
رجوع الابن إلى أبيه هي عودة للشراكة ولحالة الاتصال مع الله، الله برره وغفر له حين رجع إليه.
لقاء الأب العاطفي/الله ينتظر عودة كل ضال بفرح ويقبل توبة من يسعى إليها
قول الأب كان ميتاً وعاد إلى الحياة/كان ميتاً بالخطيئة وعاد إلى الفضيلة فعادت له الحياة الأبدية
الخاتم والحلة الفاخرة/رمز تجديد عهد أبوة الله مع الإنسان الذي كسر بفك الشراكة
الصندل (الحذاء)/هو الطريق الجديدة ليخرج للعمل المكلف به
العجل المثمن/هو مائدة القربان/مائدة الرب/رمز للفرحة والاحتفال
موقف الأخ الكبير/العناد وعدم القدرة الذاتية على فعل الغفران