المحامي د. عبد الحميد الأحدب/ضربة السابع من تشرين هل تغير خريطة الشرق الأوسط؟

114

ضربة السابع من تشرين هل تغير خريطة الشرق الأوسط؟
المحامي د. عبد الحميد الأحدب/النهار/28 تشرين الثاني/2023

الضربة الأولى العنيفة والتي هزّت أركان العدو، ليست مأمونة النتائج في التاريخ!
ضربة السابع من تشرين كانت ضربة هائلة لم تعرف لها اسرائيل مثيل.
ولكن ماذا عن الثامن من تشرين؟
اكثر ما اعطاه العرب مؤتمراً عربياً وآخر اسلامياً، ثم تقرر جمع الإثنين في مؤتمر عربي اسلامي! وكأنه اعلان انتهاء العروبة! ولكن كل ما اعطاه العرب والمسلمون “بيان” وكفى الله المؤمنين شر القتال، بينما البوارج الأميركية والأوروبية تملأ ارجاء البحار المحيطة بإسرائيل! وهذه البوارج أتت لمهمة، مهمة تغيير خريطة الشرق الأوسط!
العرب والمسلمين اعطوا “بياناً”، والبوارج تعطي اسرائيل الأسلحة والتكنولوجيا المتطورة.
ضربة السابع من تشرين هلّل لها الشارع العربي، ولكن ماذا عن الثامن من تشرين؟ هل الضربة انتحارية؟
الضربة الأولى التي هزّت العالم بقوتها شهدها التاريخ ولكن التاريخ سجل ان الضربة الأولى الغير مدروسة تنقلب في النهاية الى عكسها!
ضربة صدام حسين في غزو الكويت كانت ضربة جنونية، بدايتها هزت العالم ولكنها انتهت بتعليق المشنقة لصدام حسين.
وضربة “بيرل هاربور” التي شنتها اليابان على اميركا كانت ضربة تصورت اليابان ان اميركا لن تقوم لها قائمة بعد الضربة، ولكن الضربة اليابانية كانت لها مفاعيلها، ان اميركا استعادت قوتها وانضمت الى الحلفاء في الحرب فصار تيار الحلفاء اقوى بكثير، وانتهت “بيرل هاربور” بقنبلة “هيروشيما” وقنبلة “ناكازاكي”، ان انهاء ضربة قلبت وضع الحرب العالمية وجاءت نهايتها لصالح الحلفاء. وبعد ان كان الشعب الأميركي رافضاً للحرب صار قابلاً ومتحمساً لها.
وضربة اخرى كانت مفاجئة وعنيفة انقلبت الى عكسها وكانت انتحارية هي حملة “بارباروسا” اي الهجوم النازي على روسيا! كانت الضربة مفاجئة وعنيفة، وجاءت نتائجها زيادة لقوة الحلفاء وإنهاك الجيش الألماني، وانتهت بسقوط برلين واوروبا الشرقية تحت اقدام روسيا وانهاك الجيش الألماني الذي لم يعد يحتمل قوة الحلفاء مع اميركا وروسيا تقاومه! فكانت الحملة النازية على روسيا انقلاباً وانتحاراً نازياً أدى لانقلاب الموازين على الجيش النازي!
الآن بعد الثامن من تشرين لا يستطيع الجيش الإسرائيلي ان يتحمل حرب السنوات والأشهر الطويلة.
لم يعد ممكناً للعبة “وقف اطلاق النار” ان تتكرر اكثر مما تكررت:
– سنة 1948 في هدنتين.
– سنة 1967 بعد ستة ايام من المعارك.
– سنة 1970 كان وقف اطلاق النار في تلك السنة هو المرة الوحيدة التي يمكن تبريرها، فقد كان الهدف هو بناء شبكة الصواريخ على الضفة الغربية لقناة السويس وهذا ما حدث.
اللعبة بعد ذلك لم تعد قابلة للتكرار، الا اذا بلغ الطرف الفلسطيني او العربي أنّ توسع القتال لا يصل الى هدفه الا اذا بلغ هدفاً يستطيع عنده الطرف الفلسطيني او العربي ان يقول: هذا هو الحل الذي نرتضيه لأنفسنا عدلاً وسلاماً. طالما ان البوارج المحيطة بإسرائيل جاهزة لإطلاق النار.
فالعدو الإسرائيلي له طاقة يمكن حسابها، هو الآن في قمة حالة التعبئة العامة، وهو لا يستطيع البقاء في هذه الحالة بالنسبة لظروفه البشرية اكثر من شهر او شهرين.
الا انه هذه المرة هناك اساطيل الدول الكبرى التي اعلنت انه اذا توسعت الحرب عن غزة فإنها ستتدخل!
كان العدو الإسرائيلي يرتب نفسه باستمرار لمعركة خاطفة يفرغ فيها من جبهة ويستدير لجبهة ثانية. يبدأ انتصاره، انتصاره في واحدة ويؤكده في الأخرى.
في هذه الأيام هناك جبهة غزة وليس سائر الجبهات، لأن سائر الجبهات اذا فَتحت النار، فإن الأساطيل ستفتح النار حينئذ!
وهذا ما قصد الأميركيون حين قالوا ان اساطيلهم جاهزة لإطلاق النار اذا توسعت الحرب، اي اذا امتدت الى ايران واذرعها: سوريا والعراق واليمن! ما يحصل في لبنان هو مناوشات بالكاد يحتملها لبنان الذي ليس فيه دولة، كل ما فيه حزب الله الذي حلّ محل الدولة!
من التاريخ القريب نتذكر:
يوم نشوب القتال على قناة السويس وبدء عمليات العبور، اتصل هنري كيسنجر بوزير خارجية مصر محمد حسن الزيات الذي كان في نيويورك، ومضى كيسنجر يعرض اقتراحاً بوقف اطلاق النار وعودة القوات الى الخطوط التي كانت عليها قبل بدء العمليات وكان الموقف مزعجاً في تحيزه لإسرائيل ذلك لأن الولايات المتحدة الأميركية تتحمل اكثر من اي طرف آخر مسؤولية العذاب الذي تحمَّله الطرف العربي باستمرار حالة اللاحرب واللاسلم وقتها.
وتتكرر المأساة اليوم بشكل مختلف.
فطالب وقف اطلاق النار هو حماس واذا استمرت الحرب ودخلتها ايران بأذرعها العربية فالأساطيل جاهزة لردع ايران ولتغيير خريطة الشرق الأوسط.
اذاً، فإن ضربة حماس في السابع من تشرين هي في الثامن من تشرين تبدو ضرب انتحار.
الجيش الإسرائيلي كله او في معظمه في غزة، والدول العربية والإسلامية كان لها موقف، مثل موقف السيارات امام باب الجامعة العربية، موقفها في “بيان” وكفى الله المؤمنين شر القتال.
الأمم المتحدة اصدرت بياناً غير إلزامي (ليس من الفصل السابع)، تطالب فيه بهدنة!
واسرائيل لم تسمع ولن ترضخ.
اسرائيل تتابع معركتها بحماسة لإزالة حماس من الوجود، وكل تحرك ايراني في توسيع الجبهات يفضي الى تحرك الأساطيل، وتحرك الأساطيل يفضي الى تغيير في خريطة الشرق الأوسط. لهذا فإن المعركة خطيرة ليس على حماس بل على توسيع الجبهات.
وربما وسّعت اسرائيل هي ذاتها الجبهات بعد ان تفرغ من غزة وحماس لتغيير خريطة الشرق الأوسط.
اذاً، فالذين قالوا ان حماس في السابع من تشرين كانت في موقف صدام حسين في غزوه الكويت، وفي موقف اليابان في بيرل هاربر، وفي موقف هتلر حين هاجم روسيا، البداية كانت موقفاً قوياً يبشر بالنجاح ثم انقلب الوضع رأساً على عقب، كانت النهاية عكس البداية.