بارعة يوسف الأحمر/وجه سلمى ورشا وإنغريد

72

وجه سلمى ورشا وإنغريد
بارعة يوسف الأحمر/08 آذار/2021

يوم واحد من كل سنة تتذكر فيه الإنسانية نصفها الثاني، وتقرر أن تكرمه. مرة كل سنة يحاول العالم، القلق والمغرور والمتوتر والمتوحش، أن ينظر الى نصفه الـ”الحلو” بمسؤولية، أو بشاعرية، ثم ما يلبث أن ينفض عنه عبء المجاملات فيعود الى عهده السابق، وينسى.

وأنا أكتب، كل يوم، ومثلي أحرار كثر، ضد الظلم في العالم. أفضح على مدار السنة، الجرائم ضد الإنسانية، التي تُرتكب بحق المرأة، بإسم الأديان والعادات والتقاليد والمعتقدات والخرافات والأوهام والهلوسات. وأناهض ممارسات نزعت عن المرأة إنسانيتها، وجردتها من حقوقها الطبيعية والإنسانية، لعصور. لأن حق المرأة في العدالة وواجبها بانتزاع تجربتها الإنسانية في الكون، مسائل غالية إلى قلبي، وعُمرها، عمرٌ من النضال. هي قضية رأي عام بالطبع، وقضية ثقافية اجتماعية بالتأكيد، لكنها أيضا جرح شخصي، كما هو لي، ولكل امرأة، خصوصا اللواتي لا يعانين من مرض الإنكار ولا يفضلن دفن رؤوسهن في الرمال.

لكنني لا أحبذ النق، وأرفض الكتابة عن المأساة وحسب، بل عن الايجابيات أيضا، كلما وجدت. فأحتفلُ مثلا بقوانين تم تحديثها وإزالة الإجحاف منها فصارت منصفة بحق الأمهات والزوجات والبنات والأرامل والمطلقات.

إلا أن عام 2021 حمل الي ما هو أكثر. هذه السنة صار لكل هذا النضال وجهُ مضيءُ وجبينٌ عال وعينٌ دامعة. ثلاثة وجوه انحفرت في وجداني وقلبي: سلمى مرشاق ورشا سليم الأمير وإنغريد بورغمان. فصار للمرأة في عقلي وجه أكثر وضوحا، أكثر ألما وأكثر فخرا.

يوم اغتيل لُقمان سليم لم أكتب، وخيبت الآمال، لأن كلماتي اختنقت في الدمع. تركت الأقلام المتماسكة تسرح، بين الحزن والرثاء والتحليل. مررت على كل ما كتب وشعرت أن ما من كلام يُعبر عن حجم الحزن وهول الخسارة، ورمزية هذا القتل.

وتوقفت عند الكلمات القليلة لثلاث نساء، تسمرت عند عيونهن. أذهلني شموخهن في الحزن وهزني قهرهن، فصار لظلم المرأة وجه وتعابير. فالكرامة الصافية والتواضع النبيل والشجاعة الهادئة والحرية الخالصة، صفات نادرة، صارت هذه الوجوه الثلاثة رمزا لها.

لم أستطع إكمال نصي يوم قتل لقمان سليم. شعرت أن الكلمات صغيرة وعاجزة. كانت شجاعته تحيّرني. كان أكبر من أن يكون حقيقيا.. خجلت من حيرتي عندما أهرق دمه، وكنت سأطلب منه أن يسامحني وعندما رأيت وجه أمه وشقيقته وزوجته وسمعت كلماتهن أدركت من أين تدفق ينابيعه. يومها رحت أفتش عن صديقاتي وأصدقائي من الشيعة لأعيد قرائتهم، لأعتذر منهم، ولأعبر عن حبي لهم، قبل أن يقتلوهم.

أبكتني سلمى مرشاق تقول ” قتلو ابني.. قتلو صديقي وشريكي في القرأة والفكر..” وتمسح دمعة “تربينا على الفكر والأخلاق، وإن عارضتنا الدنيا ننكفيء في بيوتنا لنقرأ ونكتب ولا نعرض أنفسنا” أما حزن رشا الشقيقة فعميق عمق الغدر.. “لقمان حي، وهو قتيل ومطعون وليس شهيدا..” وصمت إنغريد الأرملة كان مدويا كرصاصة.. ووجدتني أدرك عمق الوجه الحزين بشجاعة، والعيون الدامعة بحرية، والجبين المرتفع بتواضع.
لم أنظر الى قتل لقمان كجريمة وحسب، بل تصفية للشجاعة، ولمن أراد توثيق جرائم الحروب كي لا نمحوها فنبررها وننساها ونكررها، رأيتهُ اغتيالا للحرية، التي وجدتها حية ومحفوظة ومحفورة في وجوه نساء أحببنه حتى الموت.