فيديو مقابلة مع الكاتب والوزير السابق سجعان قزي من تلفزيون المر يُقيِّم من خلالها 4 سنوات الهعد ويبدي رأيه في كافة الملفات التي تشغل وتقلق اللبنانيين بدءاً بالحكومة وطبختها وانتهاءً بترسيم الحدود مع دولة إسرائيل

143

فيديو مقابلة مع الكاتب والوزير السابق سجعان قزي من تلفزيون المر يُقيِّم من خلالها 4 سنوات الهعد ويبدي رأيه في كافة الملفات التي تشغل وتقلق اللبنانيين بدءاً بالحكومة وطبختها وانتهاءً بترسيم الحدود مع دولة إسرائيل.

31 تشرين الأول/2020

بعض عناوين مقابلة سجعان قزي من تلفزيون المر
تفريغ ونص وصياغة الياس بجاني بحرية وتصرف كاملين
31 تشرين الأول/2020

*ما أنجزه وما لم ينجزه عهد الرئيس عون بعد مرور 4 سنوات وما أتمنى أن ينجزه في الفترة المتبقية.
*لا يحق دستوريا وميثاقياً للثنائية الشيعية السيطرة المطلقة والمؤبدة على وزارة المال، وكذلك ليس من حق الرئيس الحريري دستورياً أن يعطي الثنائية وعود في هذا الشأن.
*تشكيل الحكومة كما يسرب متعثر وفي حال صحت التسريبات فإنها ستكون أسوأ حكومة عرفها لبنان قياساً مع الظروف المأساوية التي تشهدها البلاد.
*بشير الجميل لا يقارن بأي زعيم أو رئيس أو سياسي لبناني آخر..هو له وضعية وجدانية ووطنية خاصة وقد انجر في أيام قليلة رئاسياً ما لم ينجزه أي رئيس.. وهو من جاء بمفهوم الرئيس القوي الذي يمكنه أن يتفاهم مع الغير ويكون ضمانة.
*نتمنى للرئيس الحريري النجاح ولكن ما يرشح من معلومات عن التركيبة الوزارية لا يطمئن ولا يشجع.
*البطريرك الراعي دخل على الخط  وطنياً لينقذ ما يمكن إنقاذه وهو ليس ضد الرئيس الحريري أو معه بل هو مع الدستور ومع الميثاق ومع المعايير الموحدة.
*المبادرة الفرنسية ضرورة ويجب التمسك بها علماً أن بعض مستشاري الرئيس الفرنسي الذين يجهلون لبنان ووضعه قد أساؤوا لها وشوهوها.
*العهد للأسف يستهدف المواقع المارونية في الدولة ويهاجمها ويعطل أدوارها وتحديداً قيادة الجيش وحاكمية البنك المركزي والمواقع القضائية العليا وكأن لا هم له في غير مجالات.
*ترسيم الحدود مهم ولكن كان يجب أن يبدأ على أساس اتفاقية الهدنة وقواعد الحدود المعترف بها دولياً وليس على أساس اتفاقية نيسان التي تفقد لبنان الكثير من حقوقه.
*الخوف هو أن تكون المشكلة مستقبلاً بين الدولة وحزب الله في حال نجحت المفاوضات الحالية مع إسرائيل.
*زيارة السفير الأميركية وأيضاً زيارة ممثل الأمم المتحدة في لبنان للرئيس عون اليوم يشير إلى أن الأولوية هي للترسيم وليس للحكومة.
*هيمنة حزب الله على القرار مشكلة يجب إعطائها الأولية في إيجاد الحلول والمخارج الدستورية.

********************

في أسفل آخر مقالين لسجعان قزي

بكركي لـيست مَمرًّا اختياريًّا… ليس الكُرسيُّ البطريركيُّ ممرًّا اختياريًّا، بل هو مَمرٌّ ضروريٌّ لا بدَّ منه، بما هو مرجِعيّةٌ وطنيّةٌ لشعبِه الصامدِ في لبنانَ والشرقِ منذ ألفٍ وستمائةِ سنة.
سجعان قزي/افتتاحية جريدة النهار/29 تشرين الأوّل 2020

*حين يكونُ مصيرُ الوطن “بالدَقّ”، التساهلُ هو السلبيّةُ والرفضُ هو الإيجابيّة؛ ونحن إيجابيّون.
*لقد وُلِد المسيحيّون أحرارًا فلمَ تُحوّلهم مؤسّساتُهم عبيدًا؟ إنَّ المسيحيّين، وهم حالةٌ استقلاليّةٌ في لبنان، لن يُصبحوا تَبعيّين. وقبلَ أن يَثوروا على الآخَرين، في صدورِ المسيحيّين تَضُجُّ نقمةٌ على مرجِعيّاتِهم السياسيّةِ التي وَضعتْهم في حالةِ ضَياع وتراجُع.

*****
ليس هدفُ عِظةِ غِبطةِ البطريرك مار بشارة بطرس الراعي (25/10/20) تقويةَ الرئيس ميشال عون، وقد انتُخِبَ على أنه رئيسٌ قويٌّ، ولا إضعافَ الرئيسِ المكلَّفِ سعد الحريري، وقد أضْعَف نفسَه بتسوياتٍ قاهرة وَضعَها على حسابِ التضحيةِ من أجلِ لبنان، ولا تبرئةَ القياداتِ السياسيّةِ المسيحيّةِ مـمَّا آلَ إليه الوضعُ المسيحيُّ من تفكُّكٍ وانْطواء. البطريركُ يَعتبر قيمةَ الحريري بوطنيّتِه واعتدالِه، وقيمةَ عون بشرعيّتِه وقَسَمِه أيضًا. والثنائيّةُ الوحيدةُ التي يؤيّدها البطريركُ هي الثنائيّةُ المتكامِلةُ بين الدستورِ والميثاق، والتي تُجسّدُها مؤسّساتُ رئاسةِ الجُمهوريّةِ ومجلسَي الوزراءِ والنوّاب.
في هذا السياق، نَرفض أنْ يَختلِقَ أيُّ طرفٍ بِدَعًا جديدة، ونأبى أن يَتنازلَ أيُّ مرجِعٍ عمّا لا يَملِكُ خلافًا للدستورِ والميثاق. هناك فارقٌ بين تقديمِ تنازلاتٍ سياسيّةٍ مرحليّةٍ لتسهيلِ أمرٍ ما، وبين تقديمِ تنازلاتٍ دستوريّةٍ دائمةٍ لتغييرِ التوازنات. خارجَ هذا المنطقِ الوطنّي، لا نرى مسارًا إيجابيًّا يُرافق مشاوراتِ تأليفِ الحكومة حتّى لو تألّفت. لا إيجابيّةَ في التنازلِ وقَبولِ شروطٍ لا تَليقُ بمرحلةِ ما بعدَ الانهيار، وما بعدَ الثورة، وما بعدَ تفجيرِ المرفأ، وما بعدَ الضحايا والشهداء. مِعيارُ الإيجابيّةِ أن يأتيَ الخارجون عن الدستورِ والميثاقِ ومشروعِ الدولةِ إليها لا أن نَذهبَ نحن إليهم. حين يكونُ مصيرُ الوطن “بالدَقّ”، التساهلُ هو السلبيّةُ والرفضُ هو الإيجابيّة؛ ونحن إيجابيّون. هذا الكلامُ ليس مُوجَّهًا إلى الرئيسِ سعد الحريري تحديدًا، بل إلى كلَّ معنيٍّ بتأليفِ الحكومة، وفي طليعتِهم، رئيسُ الجمهوريّة.
لقد هنّأ البطريركُ الراعي الرئيسَ الحريري، وقال له: “الشعبُ المنتَظِرُ الفرجَ، والثورةُ الإيجابيّةُ العابرةُ الطوائفِ والأحزابِ والمناطقِ معك، واللبنانيّون الـمُحِبّون لبنان، والكنيسةُ، ومَنكوبو بيروت المدَمَّرةِ معك لتُشكِّلَ حكومةً تَلتزمُ الدستورَ والميثاق”. لكن، من الطبيعيِّ أنْ يُعارضَ البطريركُ المارونيُّ الضغطَ على الحريري لتأليفِ حكومةٍ على أساسِ تفاهماتٍ جانبيّةٍ مخالِفةٍ الطائف (تثبيتُ الماليّةِ للثنائيِّ الشيعيّ فيُصبح لديه المالُ والسِلاح)، ومخالِفةٍ الإصلاحَ (احتكارُ المنظومةِ السياسيّةِ تسميةَ الوزراء)، ومخالِفةٍ المبادرةَ الفرنسيّةَ بنُسختِها الأصليّة (حكومةٌ مستقلّة) لا بنُسخِها الكاريكاتوريّةِ اللاحقة، ومخالفةٍ الدولَ المانِحةَ (تأليفُ حكومةِ “الصناديق” لا حكومة صندوقِ النقدِ الدوليّ)، ومخالفةٍ التزامَ الحريري شخصيًّا (حكومةُ اختصاصيّين غيرِ حزبيّين)، وحتّى مخالفةٍ قناعاتِ الحريري التي صَنعت زعامتَه، فأحبّه البطريركُ وأحْببناه.
لأنَّ البطريركَ يُحبُّ الرئيسَ سعد الحريري ناشدَه تأليفَ حكومةٍ مستقلّةٍ ومتجانسة. فحكومةٌ من نوعِ الحكوماتِ البائدةِ مُلغَّمةٌ في تشكيلِها، متنافِرةٌ في خِياراتِها، وعُرضةٌ للسقوطِ في الشارعِ كما حَصل لحكومةِ الحريري الأخيرةِ في 19 تشرين الأول 2019. لا يُمكنُ إجراءُ إنقاذٍ بأدواتِ الانهيار، ولا مكافحةُ الهدرِ بأركانِ الهدْر، فكما كان للانهيارِ حكوماتُه ورجالاتُه ونساؤه، كذلك للإنقاذِ حكومتُه ورجالاتُه ونساؤه.
حين البطريركُ يدعو الرئيس سعد الحريري إلى عدمِ وضعِ المسيحيّين وراءَ ظَهرِه ـــ أصلًا لسنا وراءَ ظهرِ أحد ـــ فهو لا يَستعطِفُ تمثيلًا، ولا يتّهمُه بإهمالِ المكوّنِ المسيحيّ، وقد كان الحريري حليفَ مسيحيِّي 14 أذار منذ سنةِ 2005، ثم استمالَهُ هوى التحالفِ مع مسيحيِّي 08 آذار في التسويةِ الرئاسيّةِ منذ سنةِ 2016 (هكذا صار تقييمُ الجَدوى سهلًا من جِهتِه ومن جِهتِهم). سعى البطريرك فقط إلى لَفتِ انتباهِ الرئيسِ المكلّف إلى أنَّ التمثيلَ المسيحيَّ لا يَقتصِرُ على مسيحيّي 08 و 14 آذار، بل يتّسع إلى المجتمعِ المسيحيِّ الـمُشِعّ بالطاقاتِ والكفاءاتِ والمهاراتِ وبالشخصيّاتِ المستقلّة. إنَّ تمثيلَ الأحزابِ المسيحيّة، وهي أحزابٌ نفتخرُ بها وتَتمتعُ بصفةٍ تمثيليّةٍ محترَمةٍ (46%)، لا يُلغي تمثيلَ الرأيِ العامِّ المسيحيِّ والقِوى الحيّةِ المسيحيّةِ الموجودةِ خارجَ الأحزاب (54%). ولو كان التمثيلُ النيابيُّ والحزبيُّ المسيحيُّ كافيًا ومُعبِّرًا عن النبضِ المسيحيِّ اليوم، لَـما كانت الأحزابُ المسيحيّةُ، لاسيّما القواتُ اللبنانيّةُ، تُطالب بانتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكِّرة.
يريد البطريركُ أن يفتحَ بابَ التمثيلِ المسيحيِّ، بل التمثيلِ الوطنيِّ عامّةً، أمامَ شبابِ وشابّاتِ الثورة، أمام النُخَبِ المستقلّةِ الحريصةِ على حرّيتِها وكرامتِها والرافضةِ أنْ تُردّدَ: “بالروح بالدم نَفديك يا….”، أمامَ القوَى المبدِعةِ التي تُدرّسُ في الجامعاتِ وتُديرُ المؤسّساتِ وتَخترعُ وتُنجز وتَتجلّى في لبنانَ وبلادِ الانتشار.
يريد البطريركُ أنْ يؤسّسَ لنهضةٍ فكريّةٍ وسياسيّةٍ في المجتمعِ المسيحيِّ وفي كلِّ لبنان لأنَّ الصدأَ نَـخَرَ المنظومةَ القائمة. يريد البطريركُ تحريرَ القرارِ المسيحيِّ مثلما أراد تحريرَ قرارِ الشرعيّة.
يريدُ البطريرك أنْ يُقدِّمَ للبنانَ طاقَمًا سياسيًّا ووطنيًّا مسيحيًّا جديدًا كما قَدّمَ المسيحيّون طاقمَ التأسيسِ وطاقمَ الاستقلالِ وطاقمَ الحكمِ وطاقمَ المقاومة، وفي أيّامِهم عَزّت الدولةُ وانتصرَت القضيّةُ اللبنانيّة. أدّت هذه الطواقمُ دورًا رائدًا في نهضةِ لبنان والدفاعِ عنه ومنعِ ذوبانِه في أشكالٍ كيانيّةٍ أوسعَ أو أصْغر. يريدُ البطريركُ رفعَ التأميمِ عن النخبِ المسيحيّةِ المحكومِ عليها أن تَـمرَّ بالزبائنيّةِ لتصلَ إلى وظيفةٍ أو منصِب. لقد وُلِد المسيحيّون أحرارًا فلمَ تُحوّلهم مؤسّساتُهم عبيدًا؟ إنَّ المسيحيّين، وهم حالةٌ استقلاليّةٌ في لبنان، لن يُصبحوا تَبعيّين. وقبلَ أن يَثوروا على الآخَرين، في صدورِ المسيحيّين تَضُجُّ نقمةٌ على مرجِعيّاتِهم السياسيّةِ التي وَضعتْهم في حالةِ ضَياع وتراجُع.
لقد قادت بكركي تأسيسَ لبنان وأَشرَفَت على انطلاقِ النخبِ المسيحيّةِ السياسيّةِ، ثمّ أوكَلت إليها القيادةَ تدريجًا إيمانًا بفصلِ الدينِ عن الدولة، لكنّها ظلّت العينَ الساهرةَ والمراقِبةَ، وكانت تَتدخّلُ عند الحاجةِ الوطنيّةِ والمصيريّة، وعندما كانت ترى خَللًا في الساحةِ المسيحيّةِ وانحِرافًا في الساحةِ اللبنانيّةِ عمومًا. واليومَ، والوضعُ مرتبِكٌ، اضْطُرَّ البطريركُ الراعي إلى استعادةِ المبادرةِ لمنعِ الانقلابِ المستمرِّ على دولةِ لبنان ودستورِها وصيغتِها ونظامِها وهوّيتِها. وها هو غِبطتُه يَحتضِنُ الثورةَ ويناشدُ الأحزابَ المسيحيّةَ أن تتحالفَ والقوى اللبنانيّةَ أن تَتّحِدَ، ويقودُ بثقةٍ وشجاعةٍ وثَباتٍ مشروعَ إنقاذ لبنان من خلالِ الحيادِ واللامركزيّةِ والدولةِ المدنيّةِ ونشرِ ثقافةِ النزاهةِ، وتثبيتِ الشراكةِ الوطنيّةِ وتجديدِ كيانِ لبنانَ الكبير.
ليس الكُرسيُّ البطريركيُّ ممرًّا اختياريًّا، بل هو مَمرٌّ ضروريٌّ لا بدَّ منه، بما هو مرجِعيّةٌ وطنيّةٌ لشعبِه الصامدِ في لبنانَ والشرقِ منذ ألفٍ وستمائةِ سنة. من هذا الواقعِ الراسخِ يتَوجّهُ البطريركُ الراعي بتجرّدٍ ومحبّةٍ إلى جميعِ القياداتِ أنْ تَضعَ طاقاتِها في خِدمةِ لبنان وأنْ تتصدّى للضغوطاتِ. فإذا كان النقدُ يُزعجُ البعضَ، فالتنازلُ يُزعج الوطن. والبطريركُ لن يَدعَ الوطنَ يَنزعج.

***********
مِن تأنيبيّةِ ماكرون إلى مَرثاةِ عون
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدةِ النهار/ 22 تشرين الأوّل 2020
لا يوجد وقتٌ ضائعٌ لبنانيٌّ، فالأزمةُ الشاملةُ داهمةٌ، وثمنُ كلِّ لحظةٍ حياةٌ أو موت. لكنْ، يوجد وقتٌ ضائعٌ أميركيٌّ، فالسِباقُ الرئاسيٌّ يُحلِّلُ المحرَّمَ بَحثًا عن صوتٍ لترامب حتى لو وُجِدَ في الناقورة أو دمشق أو طهران أو اليمن أو أفغانستان. لذا يُستحسَنُ ألّا تبنيَ الأطرافُ اللبنانيّةُ كافةً مواقفَها على وقعِ التصريحاتِ والتحرّكاتِ الأميركيّةِ الأخيرة لأنّها “بِنتُ ساعتِها” ولا تُعبِّـرُ، بالتالي، عن سياسةِ أميركا بعدَ الانتخاباتِ الرئاسيّةِ أيًّــا يَكن الفائزُ.
سياسةُ أميركا ثابتةٌ في الأساسيّات ومتغيّرةٌ في التفاصيلِ والأشخاص، ولبنانُ ليس مِن بينِ الدولِ الخاضِعةِ لإعادةِ نظرِ السياسةِ الأميركيّةِ تجاهَها إلا بقدر ما نحن نَفرِضُ واقعًا جديدًا تأخذُه واشنطن بالاعتبار.
الّذين يَتباهون بصداقةِ أميركا في لبنان ذائعو الصِيت، والّذين تُخاصِمُهم نارٌ على علم. لكنَّ اللافتَ أنَّ أخصامَها يَستفيدون منها أكثرَ من أصدقائها. البعضُ يُفسِّرُ ذلك تواطؤًا من تحتِ الطاولة، فيما السببُ أنَّ أصدقاءَ أميركا مبعثَرون ومختلِفون وتُعْوِزُهم استراتيجيّةٌ سياسيّةٌ جامعةٌ وواضِحة، في حين أنَّ أخصامَها أذكياءُ ويَملِكون أوراقَ تفاوضٍ ومقايضةٍ ويُحسنون استخدامَها. وآخِرُ مظاهرِ ذلك: الحفاظُ على الهدوءِ الأمنيِّ في الجَنوب، التغاضي النسبيُّ عن اتّفاقاتِ السلامِ الخليجيّةِ/الإسرائيليّة، الشَراكةُ المباشَرةُ في مفاوضاتِ ترسيمِ الحدودِ اللبنانيّةِ/الإسرائيليّة، وتفضيلُ سعد الحريري لتأليفِ الحكومة.
لذلك، إنَّ الإدارةَ الأميركيّةَ هي من تُطالبُ السياسيّين اللبنانيّين بإعادةِ النظرِ في ذواتِهم وأخلاقيّاتِهم، في أدائِهم وانقساماتِهم، في دويلاتِهم وسلاحِهم، في تقييمِ الأولويّاتِ والانصرافِ إلى بناءِ دولةٍ لبنانيّةٍ محترَمةٍ وقويّة. أيُّ إدارةٍ أميركيّةٍ، بل أيُّ رئيسٍ جديدٍ ديمقراطيٍّ أو جُمهوريٍّ، يَقدِرُ أن يُساعدَ لبنان عَبر هذه المنظومةِ السياسيّةِ الفاقدةِ الضميرِ والأهليّةِ وروحِ المسؤوليّة؟
الرئيسُ الفرنسيُّ إيمانويل ماكرون جاءَ إِلى بيروت مرَّتين في شهرٍ واحدٍ، وناشدَ هذه المنظومةَ الحاكمةَ والمعارِضةَ وتوسَّلَ إليها أن تَنزَعَ خلافاتِها وتؤلِّفَ حكومةً وتسيرَ في الإصلاحِ. حَجَزَ ماكرون دولَ العالم من أجلِ لبنانَ، فما كانت النتيجةُ؟ لا حكومةَ من دون هذه الحقيبةِ، ولا حقيبةَ من دون هذا الاسم، ولا اسمَ من دون تعيينٍ حزبيٍّ وطائفي، ولا إصلاحَ على حسابِ المنظومةِ السياسيّة، ولا إعادةَ نظرٍ في ازدواجيّةِ السلاحِ وتعدّديّةِ الوَلاء.
إهانةٌ للكرامةِ الوطنيّةِ (المفقودةِ) أن يَنتظرَ اللبنانيّون انتخاباتٍ رئاسيّةً في دولٍ أجنبيّةٍ، وأميركا تحديدًا، ليُقرِّروا مواقفَهم تجاهَ بعضِهم البعض، وشَكلَ الحكومةِ، ومصيرَ الشراكةِ الوطنيّة. كم انتخاباتٍ أميركيّةٍ جَرت منذ سنةِ 1975 إلى اليوم، ولبنانُ لا يزالُ يَنتقلُ من أزمةٍ إلى أخرى. عدا أنَّ سياسةَ انتظارِ الآخَرين هي اعترافٌ بتدويلِ الوضعِ اللبنانيّ، فهي تَكشِفُ أيضًا مجموعةَ عُقدٍ تَنخُرُ شخصيّتَنا الذاتيّةَ والسياسيّةَ والوطنيّة، من بينِها: عُقدةُ نقصٍ مزمنةٌ تُبقينا تحتَ رحمةِ الخارج كأنّنا تحت الاحتلالِ من دون احتلالٍ، وتحتَ الوصايةِ من دون وصاية، وتحتَ الحمايةِ من دون حماية. وعُقدةُ تبعيّةٍ ناتجةٌ عن اعتلالِ الولاءِ للوطنِ فنتعاطى مع الدولةِ كأنّنا مجموعةُ دويلاتٍ أجنبيّةٍ مُعتمَدةٌ لديها.
حريٌّ بنا ـــ إن كنّا مُوَحَّدين ـــ أن نَنتقلَ من سياسةِ انتظارِ الانتخاباتِ الأميركيّةِ إلى سياسةِ استباقِها فنكونُ حاضرين لملاقاةِ الإدارةِ الجديدةِ وطرحِ قضيّتِنا ومطالبِنا. لكن هذه الــــ”نحن” لا تَجدُ مَن تَنتسِبَ إليه: ليست الدولةُ موحَّدةً لكي تَتكلّمَ باسمِ اللبنانيّين، وليس اللبنانيّون متّفقين لكي يَتكلموا باسمِ لبنان. لذا، يُضطّرُ المسؤولون الأجانب إلى التَجوالِ على الأفرقاءِ اللبنانيّين وكأنهم رؤساءُ دولٍ مستقلّة.
بعد زيارتِه لبنان، تَوجّه ديفيد شينكر مباشرةً إلى المغرب حيث اكتفى بلقاءِ نظرائِه في وزارةِ الخارجيّةِ المغربيّةِ وغادر إلى لندن. الدولةُ هناك دولةٌ تتكلم باسمِ الجميع. أما هنا، فدولةُ لبنانَ الواحِد ساقِطةٌ مع وقفِ التنفيذ. سَقطت وممنوعٌ إعلانُ الخبرِ قبل الاتفاقِ على البديلِ. وقد بات يتأرجح بين اللامركزيةِ بسلاحِ الدولةِ وحدِها، والفدراليّةِ بــ”أسلحةٍ ميثاقيّة”.
صار لبنانُ يُشبِهُ وجهَ جانوس Janus (إلهٌ رومانيٌّ ذو وجْهين متناقضَين): وجهُ لبنان الوِحدويُّ الصيغويُّ المتَمثِّلُ في جماعاتٍ لبنانيّةٍ عابرةِ الطوائف تَبحث عن المستقبلِ الراقي والمسالِـمِ والحياديِّ والحضاري، ووجهُ لبنان الـمُنقسِمُ والانفصاليُّ المتجسِّدُ في جماعاتٍ، عابرةِ الطوائف أيضًا، تبحث عن الماضي من خلال مشاريعَ سلطويّةٍ تَتجاوز الدستورَ والسِلمَ الأهلي.
هناك لبنانُ الإنسانِ الباحثِ عن الآخَر، وهناك لبنانُ الطوائفِ الباحثةِ عن أنانيّاتِها على حسابِ الآخَر. وجهُ جانوس شُبّهَت به الإمبراطوريّةُ النمساويّةُ في بداياتِ القرن العشرين حين كانت بفَنِّها وثقافتِها حالةً وِحدويّةً، وكانت بقوميّاتِها وإثنيّاتِها المختلِفةِ حالةً تقسيمية. فنُّ “موزار” و”شتراوس” بَقي يُوحِّدُ العالمَ حولَ النمسا، لكنَّ الإمبراطوريةَ تَقسَّمت بعد الحربِ الأولى واكتَفت بحضارتِها، وكان خِيارُها صحيحًا يُقتدى به.
كلمةُ رئيسِ الجمهوريّةِ أمس ــــ وحبّذا لو احتفظَ بها لتكونَ خِطابَ نهايةِ ولايتِه ـــ أظهَرت الوجهَ السلبيَّ للبنانَ، إذ كَشفَت استحالةَ الإصلاحِ في ظلِّ هذه المنظومة، بل في ظلِّ هذه التركيبةِ المركزيّةِ.من هنا ضرورةُ الإسراعِ بتأليفِ حكومةِ طوارئ تُحيي الأملَ بالتغيير.
اللبنانيّون يريدون حكومةً للمرفأِ، لبيروتِ المدمَّرة، لوقفِ الهِجرة، للمصارفِ المترنِّحة، للاقتصادِ الـمُنهار، لوِحدةِ لبنانَ المتصَدِّعة، للمفاوضةِ مع صندوقِ النقدِ الدوليّ، لاستعادةِ ثقةِ الناس. فلا نُضِيعَنَّ بين حكومةٍ سياسيّةٍ وأُخرى تِقنيّة. المزجُ مُمكنٌ بينهما لأنَّ الأصفياءَ موجودون في كلِّ مكانٍ كما الفاشلون. الصيغةُ الحلّ: أنْ تُسنَدَ الحقائبُ السياسيّةُ إلى سياسيّين، والأخرى إلى اختصاصيّين في إطارِ المداورةِ الطبيعيّة الشاملة.
لكن أنحنُ أمامَ حكومةٍ جديدةٍ أم مرحلةٍ جديدة؟ وأنحنُ أمامَ تأليفِ حكومةٍ جديدةٍ أم توليفِ دولةٍ جديدة؟