شارل الياس شرتوني/المبادرة الانقاذية الفرنسية ومؤامرات الداخل

92

المبادرة الانقاذية الفرنسية ومؤامرات الداخل
شارل الياس شرتوني/07 آب/2020

تشكل زيارة الرئيس الفرنسي منعطفا اساسيا في سياق الازمة المميتة وانسداد الافق وتداعياته المأساوية كما ظهرتها الكارثة.

ان المدلول الابرز لهذه الزيارة هو خروجنا من واقع العزلة الدولية والاطباق السياسي الذي تفرضه علينا الفاشية الشيعية والاوليغارشيات القابضة على مفاصل القرارين السياسي والاقتصادي في البلاد.

لقد كسرت مبادرة الرئيس الفرنسي الطوق المفروض ودفعت بديناميكية سياسية جديدة، علينا تثميرها خارجا عن قواعد اللعبة القائمة والاقفالات الاوليغارشية المديدة التي اسرت هذا البلد على مدى ٣٠ سنة.

لا امكانية للخروج من قبضة حزب الله واستراتيجية القضم التي تحكم اداءه، ومن شبكة المصالح الاوليغارشية المالية-السياسية التي تحول دون تسوية الاوضاع المالية والدفع بسياق اصلاحي تراكمي، دون الخروج عن املاءات هذه القوارض السياسية والمالية، ولا سبيل لذلك الا من خلال المبادرة الفرنسية، طريقنا الوحيد الى تدويل الازمة ووضع سكة الاصلاح المالي والاقتصادي التراكمي موضع التنفيذ.

علينا ان نعي، بادىء ذي بدء، مخاطر هذه المرحلة، عبر استعادة عبر المراحل السابقة، وتحديدا عمليات اجهاض المداخلات الفرنسية والدولية التي جرت خلال الحرب ( ١٩٧٦-٢٠٢٠ ).

لقد عمد النظام السوري الى سلسلة من الاغتيالات والاعمال الارهابية، كما تبلورت من خلال اغتيال السفير لوي دولامار ( ١٩٨١ )، والملحق العسكري الفرنسي، كريستيان غوتيير ( ١٩٨٦ ) والملحق العسكري الاميركي في باريس، تشارلز راي ( ١٩٨٢ )، والعمليات الارهابية التي جرت في شارعي كوپرنيك (١٩٨٠، الدائرة ١٦ ) ودي روزييه ( ١٩٨٢، الدائرة ٤ )، على يد مجموعة الارهابي الشيوعي جورج عبدالله، وتفجيري الدراكار ومقر المارينز ( ١٩٨٣ ) بالتعاون مع حزب الله.

تجربة تدويل الازمة اللبنانية قد اصطدمت بشكل منهجي بانقسامات وممانعات وتواطاءات داخلية تمثلت انذاك بتحالف اليسار الفاشي مع الفلسطينيين وتواطئه مع النظام السوري، ودخول حزب الله على خط الانقلابات السياسية الداخلية من خلال حساباته الاستراتيجية البعيدة المدى.

علينا ان نكون شديدي الحذر لان الفاشية الشيعية ترى في المداخلة الفرنسية خطرا على سياسة وضع اليد التي تدفع بها قدما، والاوليغارشيات المالية-السياسية عائقا امام ابقاء اقفالاتها وصيانة مصالحها.

ان تحصين المبادرة الفرنسية يتطلب ائتلافات سياسية داعمة ومتينة للحؤول دون نسف المبادرة الفرنسية، من قبل الفرقاء المتضررين الذين يرون فيها نهاية لحرية حركتهم وتفردهم بالقرارات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

ثمة تعارض مبدئي بين مصالح مراكز القوى في الداخل اللبناني والسياسة الفرنسية الايلة الى اخراج لبنان من دائرة الاقفالات والارهاب المفروضة عليه من قبلها.

لم تفاجئني البارحة محاولات التخريب التي قام بها الشيوعيون ضد زيارة الرئيس ماكرون عندما بدأوا بالهتاف لاخلاء سبيل الارهابي الشيوعي جورج عبدالله (الامر الذي ادى الى اصطدام انتهى بالتلاسن ودون اشتباك بالايدي وشيك بيني وبينهم وبين الشباب الذين ايدوا موقفي )، في وقت اتى الرئيس الفرنسي بمبادرة انقاذية، متعددة الجانب، بعد كارثة قتلت 154 شخصا واصابت ٥٠٠٠ أخرًا ( الاحصاءات الاخيرة لا الاخرة ).

هذه التظاهرات المشبوهة مدغمة بمواقف حزب الله والاوليغارشيات المتضررة في حرية مبادرتها ، تشكل عوائق يجب التحسب لها، اذا ما اردنا السير قدما بتحرير مبادرتنا السياسية، والحؤول دون تحويلنا مجددا الى ساحة تصفية حسابات بين سياسات نفوذ تسعى الى تقويض حيثيات البلاد الكيانية والدولتية.

ان دفع الرئيس ماكرون بمشروع المؤتمر الدولي لانقاذ لبنان وتأليف فريق عمل لهذه الغاية، يتطلب ملاقاة من قبل المجتمع المدني اللبناني بهيئاته الاقتصادية والاجتماعية والتربوية من اجل ايجاد ديناميكية تواصلية مباشرة مع المبادرة الفرنسية، والحؤول دون تفخيخها من قبل الفاشية الشيعية والاوليغارشيات التي تعمل على احتواء هذا المد التحرري الذي تدفع به وتعطيله.

ان المرحلة القادمة محفوفة بمخاطر وجودية وامنية وسياسية بالغة تتطلب ادارة متبصرة ومتماسكة، لحماية حرية المبادرة التي استحثتها المبادرة الفرنسية في الداخل والخارج على حد سواء.

علينا الاستناد اليها من اجل تحفيز ديناميكية التدويل، وكسر الحواجز التي حالت حتى الساعة دون العمل الاصلاحي المالي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والبيئي، ودون الخروج من الاقفالات الايديولوجية والاستراتيجية التي يدفع بها حزب الله على قاعدة تغيير الهوية الكيانية والسياسية والقيمية للبنان الديموقراطي والليبرالي.