الفينيقيون اكتشفوا أميركا: على متن سفينة فينيقيّة أُعيدَ تصنيعها، عَبَرَ اللبنانيان ريمي قهوجي وشيماء الأوبري، المحيط الأطلسي دامت الرحلة 39 يوماً

375

الفينيقيون اكتشفوا أميركا: على متن سفينة فينيقيّة أُعيدَ تصنيعها، عَبَرَ اللبنانيان ريمي قهوجي وشيماء الأوبري ، المحيط الأطلسي. دامت الرحلة 39 يوماً.

ريمي قهوجي وشيماء الأوبري بعد عبورهما “الأطلسي”: “العلم اللبناني يرفرف والفينيقيون اكتشفوا أميركا”
كني-جو شمعون/النهار/09 آذار/2020

على متن سفينة فينيقيّة أُعيدَ تصنيعها، عبر اللبنانيان ريمي قهوجي (28 عاماً) وشيماء الأوبري (33 عاماً)، المحيط الأطلسي. دامت الرحلة 39 يوماً. خاض خلالها الشاب والصبيّية مغامرة استثنائيّة بقيادة القبطان البريطاني فيليب بيل ليساهما معه بجزء من مهمّة انطلقت من قرطاجة في تونس إلى فلوريدا في الولايات المتحدة؛ وهدفها إثبات إمكانية اكتشاف الفينيقيّين القارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس.

ضمّت هذه الرحلة التي تعيد بناء التاريخ والزمن لبنانيَّين اثنين وأفراداً من بريطانيا، كندا، تونس، الولايات المتحدة، يوتا، نورويج، هولندا، البرازيل، ايطاليا وإندونيسيا. السفينة التي بُنِيَت في جزيرة أرواد، خشبيّة، يسيّرها شراع كبير، وزنها 50 طناً، طولها 20 متراً، أمّا شعاعها فيبلغ 5.8 أمتار وعدد مجاذيفها التوجيهية 2.

حسب قهوجي، الطاقم منظّم وفيه 3 إلى 4 بحّارين مخضرمين، مزوّد بهاتف واحد لحالات الطوارئ. السفينة، التي تحاكي من حيث التصميم السفن الفينيقيّة التجاريّة، شامخة “فلا يشعر بالموج ولا يبتلّ من على متنها”. يضيف: “في الأطلسي، لم يشهد الهواء تبدّلات كبيرة. بيد أنّ الحبال المتينة مكّنت البحّارة من مواجهة الرياح حينما كانت تشتدّ”. وفي هذا السياق، يتّفق قهوجي والأوبري على أنّ العبور في المحيط الأطلسي أسهل من الإبحار في المتوسّط، ما يعزّز الفرضيّة المطروحة. فمن يدري؟ ربّما تمكّن الفينيقيّون فعلاً من الوصول إلى القارة الأميركية قبل كريستوفر كولومبوس.

تخبر الأوبري أنّ المجموعة كانت مزوّدة برادار وكهرباء وضوء لتجنّب الاصطدام بالسفن الكبرى في الليل وبِـTracker لترصد عائلات المغامرين موقعهم في المحيط. “غير أنّنا اعتمدنا لتحديد مسارنا على نجمة القطب الشمالي التي اكتشفها الفينيقيون. وكم كانت فرحتنا كبيرة حين تمكنّا من رؤية الأرض من بعيد واشتمام رائحتها. إنّها لحظة مؤثّرة”.

لماذا شارك اللبنانيّان في البعثة؟
ريمي قهوجي، رئيس مركز الأبحاث الفينيقي الدولي.
عن دوافع مشاركته في البعثة، يروي لنا الباحث قهوجي أنّه مولع منذ صغره بالتاريخ والفينيقيين. ممتعض وغاضب من منهج التاريخ المعتمد في لبنان، يُصرّح أنّ كتب الشهادة المتوسّطة “مُسَيَّسة وناقِصة. علينا أن نحتضن تاريخنا كأمّةٍ. لا يمكننا محوه بسبب أشخاص أرادوا صياغته حسب غاياتهم”. في السابعة عشرة من عمره، وجّه رسالة إلى القبطان بيل عبّر له فيها عن استيائه لعدم وجود لبنانيّين على متن السفينة. في عام 2011، بعد أن خضع لدراسة جينية من إعداد البروفيسور بيار زلّوعة في الجامعة اللبنانية الأميركيّة اكتشف أنّه يحمل جينات فينيقيّة، فزادت عزيمته واهتمامه بموضوع الرحلة. عاود الاتّصال عام 2014 بالقبطان ليطلعه على رغبته بالمشاركة في الحملة فأقنعه. يكمل أنّه تعرّف في تلك الفترة إلى الدكتور حبيب شمعون والقنصل نيك قهوجي وسليم جورج خلف وهم مؤسّسو PIRC – Phoenician International Research Center (مركز الأبحاث الفينيقي الدولي)، الذين آمنوا بقدراته وقرّروا تعيينه رئيساً للمركز. يقول “ساهم PIRC في التمويل وتنظيم الإستقبال عند وصول السفينة إلى محطّات مختلفة”.

شيماء الأوبري.
من ناحيتها، تسرد شيماء الأوبري أنّها وُلِدت في فرنسا وأمضت 12 سنة في لبنان حازت خلالها على شهادة الأدب الفرنسي من الجامعة اللبنانية. عَمِلَت ضمن جمعيّة Save Tyr Foundation. تواصلت مع القبطان عام 2016 عبر الانترنت حين اكتشفت أنه أعدّ سفينة وأبحر حول أفريقيا بين 2008 و2010 متّبعاً مسار الفينيقيّين. وحين استضافت جامعة LAU القبطان ضمن حملة ترويج للمشروع، أطلعته الشابة عن رغبتها في المشاركة. في أيلول 2019، التحقت بالطاقم وقامت بجزء من العبور من جبل طارق إلى تونس. عادت إلى لبنان ثمّ أبحرت مع المجموعة من جديد انطلاقاً من جزر الكاناري. تخبر “أحضرتُ علماً لبنانيّاً كبيراً وكلّما وطأنا أرضاً رفعته مع ريمي بفخر، وأنا لبنانيّة أمثّل بلدي وإرثي”.

تستطرد “في مدينة سانتو دومينغو في الجمهورية الدومينيكية حيث الجالية اللبنانية كبيرة، كتابات فينيقيّة. بعض الدراسات تشير إلى امتلاك الأميركيين جينات فينيقيّة، وهناك أسطورة عن أشخاص أتوا من المشرق عبر المحيط إلى القارّة”. تتأسف الشابة “غالباً ما يستذكر العالم حضارات الإغريق والرومان والمصريّين فيما يَغفَل تاريخ الفينيقيّين الذين ابتكروا الأبجدية وتاجروا عبر 3 قارات وربما 4 فأعطوا دروساً في التجارة”.
مسيرة السفينة هي قرطاج تونس، جبل طارق، قاديز إسبانيا، الصويرة المغرب، جزر الكناري، الجمهورية الدومينيكية وصولاً إلى فورت لودردايل ثمّ ميامي في فلوريدا.

حسب قهوجي والأوبري، في شتّى محطّاتها، استُقبِلَت السفينة بحرارة من لبنانيّين تجمهروا للمناسبة. وفي استقبال في فورت لودردايل في فلوريدا، تحدّث البروفيسور اللبناني-المكسيكي حبيب شمعون وهو مؤلّف لكتب عديدة ومحاضر حول فنّ المفاوضات لدى الشعب الفينيقي شاكراً Coral Ridge Yacht Club لتنظيم الاحتفال وChâteau Saadé لتقديمه النبيذ. واللافت ذكره حضور: حاكم المنطقة دين ترانتاليس، الدكتور وليد فارس، قنصل لبنان الفخري في جاكسونفيل دومط شموني، قنصل لبنان الفخري في فانكوفر د. نيك قهوجي، بالإضافة إلى طوم حرب، سامي حنّا الخوري وجورج سعاده.

في حديث ل”النهار” عن هذه الحملة العلميّة؛ يقول البروفيسور شمعون “غايتها إثبات أنّ التقنيّات القديمة التي استخدمها الفينيقيّون مكّنتهم من الوصول إلى القارة الأميركية منذ آلاف السنين؛ ومركزنا PIRC يهتمّ لتعزيز التراث والثقافة الفينيقية في جميع أنحاء العالم لذا دعمنا هذا المشروع وما زلنا نعمل عليه منذ 12 سنة”. حسب رؤيته: “الدياسبورا قد تكون بدأت انتشارها منذ أيّام الفينيقيّين لذا يجد اللبنانيون في كلّ أنحاء العالم منازل مضيافة. يستاء من اللذين عملوا على طمس معالم الحضارة الفينيقية وجهّلوا اكتشافاتها ومساهمتها في تطوير البشريّة. “هذه الحملة وسيلة لتسليط الضوء على الحضارة الفينيقيّة”.

الفينيقيّون هم شعب لبنان القديم في بلاد كنعان؛ اشتهروا بصناعة نسيج الأرجوان (فينيكس) عند الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسّط. عَرِفَت مدنهم-الدول ازدهاراً وتوسّعاً تجاريّاً في أوروبا وأفريقيا وآسيا، ما خوّلهم تأسيس مدن جديدة. صنعوا السفن وبنوا عدداً منها من خشب الأرز؛ ابتكروا الأبجديّة وصدّروا الحرف إلى العالم. اكتشفوا نجمة القطب الشمالي، رسموا خرائط جديدة لتحديد المواقع ووضعوا خطوط الطول. بحسب الأسطورة، إنّ أميرة فينيقية أعطت اسمها لقارّة “أوروبا” والأميرة إليسار أسّست قرطاجة في تونس. وقد أبحر الفينيقيّون حول القارّة الأفريقيّة وربّما وصلوا إلى أميركا.

السفينية الفينيقيّة.
في الختام، يوجّه ريمي قهوجي دعوة إلى اللبنانيين المقيمين والدياسبورا عبر “النهار” لشراء السفينة الفينيقية وعرضها في المتحف. يوضح “هناك منافسة كبيرة بين بلدان عديدة ويجب أن نعمل لاقتنائها. إنّها رمز من رموز جذورنا” فيدعو المهتمّين للتواصل مع مركز PIRC.
قمة الدهشة: رسمت قصة حياتها بفمها