المحامي عبد الحميد الأحدب/التأخر عن اجراء الاستشارات يشكل مخالفة واضحة للدستور

86

التأخر عن اجراء الاستشارات يشكل مخالفة واضحة للدستور
 المحامي عبد الحميد الأحدب/25 تشرين الثاني/2019

وضع الدستور على عاتق رئيس الجمهورية موجب اجراء استشارات نيابية ملزمة، وذلك في “المادة (2) 53” منه، ولكنه لم يحدد له مهلة لمباشرة هذه الاستشارات. من المسلم به انه إذا القى الدستور موجباً على عاتق رئيس الجمهورية ولم يحدد له مهلة لتنفيذه فإن الموجب يبقى قائماً ضمن “المهلة المعقولة” بمفهومها الدستوري. إلاّ إذا كانت هناك قوة قاهرة تحول او تعيق تنفيذ الموجب الذي ألقاه الدستور على عاتق رئيس الجمهورية، أي مباشرة الاستشارات النيابية الملزمة.

بحسب رئيس مؤسسة “جوستيسيا” للإنماء وحقوق الإنسان، الدكتور بول مرقس، يوجد في الفقه الإداري والدستوري مفهوم “المهلة المعقولة” délai raisonnable التي يترتب على السلطة الدستورية او الادارية التقيد بها لأجل القيام بإجراء دستوري او اداري معين. وهذه المهلة تُحدّد بالأيّام وليس بالأسابيع أو الأشهر.

استناداً الى مؤسسة “جوستيسيا”، فان المهلة المعقولة لدعوة رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية هي عدة ايام لا تتجاوز الاسبوع.
ان القوة القاهرة، في الاوضاع الراهنة، ليست لصالح تمديد المهلة بل لصالح تقصيرها حيث تتطلب الظروف قراراً او موقفاً سريعاً. هذه المهلة يجب ألا تتجاوز الأيام القليلة وإلاّ يكون هناك تأخير. كما تجدر الإشارة الى ان الرئيس الذي وتماشياً مع “المهلة المعقولة” هو ملزم بممارسة مهمته بهمة وعناية diligence وإلاّ يصبح بطئه يعادل خرق الدستور بمعنى المادة 60 من الدستور.

ان المشترع اللبناني يعطي للمهلة المعقولة مضموناً اخلاقياً Contenu moral. فالمادة 287 موجبات وعقود مثلاً، تنص على ما يلي:
جاء في النص الأصلي الفرنسي للمادة 287 موجبات في فقرتها الثالثة ما يلي:

L’approbation ne peut intervenir qu’après que les parties ont donné communication de la reprise au créancier et elle doit intervenir dans le délai fixé au cours de ladite communication, sinon, dans un délai moralement nécessaire pour prendre parti.
Une fois ce délai expiré, l’approbation est considéré comme ayant été refusée .

والاجتهاد كما الفقه أعطى الأرجحية للنص الفرنسي الذي هو الأصل على النص العربي الذي هو مترجم: تمييز – هيئة عامة- قرار اعدادي (نقض) رقم 1 تاريخ 5 تموز 1970 دعوى حنا ضد شقير (الرؤساء أبو خير، برجاوي- طليع- حاتم- ن ق ل 1092 صفحة 103- العدل صفحة 421 وفيه بحث في مدى توافق قانون رجب 1304 المعروف بقانون المرابحة وقانون المراباة usure الصادر في 24 حزيران 1939 وقانون العقوبات الصادر في 8 آذار 1943 المادة 66 وكذلك قرار محكمة التمييز (الهيئة العامة) صادر في 5/3/1970 الرؤساء برجاوي- نجيم- أبو خير- حاتم- طليع.

ان المفهوم الاخلاقي للمهلة المعقولة في القانون الدستوري يفرض نفسه لان الدستور هو اسمى تشريع في البلاد وعند وجود ثغرات فيه يصار الى الاستعانة ليس فقط بقواعد المنطق بل ايضاً بالقاعدة الاخلاقية Règle morale.

ان القانون الدولي، وتحديداً القانون الاوروبي، اتخذ هذا المنحى اذ اعتمد المعيار النوعي للمهلة المعقولة Critère qualitatif. فقد قضى بان المهلة المعقولة، عند توفر الضرورات الاقتصادية والاجتماعية الملحة، كما هو الحال في الظروف الحاضرة، يجب ان تفسر بالعجلة القصوى Prompitude الموازية للتدابير الفورية والنجدات السريعة
يراجع:

“52. Il ne faut pas oublier non plus que l’affaire présentait un enjeu considérable non seulement pour les requérants, mais aussi pour la société espagnole en général, en raison de ses vastes incidences sociales et économiques. Le grand nombre des personnes impliquées- salariés, actionnaires et tiers-, ainsi que le volume des capitaux en cause, militaient pour une prompte solution du litige.
53. A la lumière de l’ensemble des circonstances de la cause, la cour conclut au dépassement du délai raisonnable prévu à l’article 6 par. 1 (art.6-1), lequel a donc été violé sur ce point. » CEDH, Cour (Plénière), 23 juin 1993, no. 12952/87. Lire en ligne :
https://www.doctrine.fr/d/…/HFJUD/CHAMBER/1993/CEDH001-62395

ان الدستور يلزم رئيس الجمهورية بالدعوة الى اجراء الاستشارات النيابية الملزمة ضمن “مهلة معقولة” بالمعنى المشار اليه علاه.
ان العجلة القصوى لا بل “التدابير الفورية” تفرض نفسها في الظروف الحاضرة لان البلد ينهار يوماً بعد يوم وهو على شفير الهاوية.
ان الظروف الاستثنائية في الوقت الحاضر تقلص حدود السلطة الاستنسابية – في حال افترضنا وجودها – الى اقصى الحدود والقول بعكس ذلك يجعل من السلطة الاستنسابية pouvoir discrétionnaire قريبة من السلطة التعسفية pouvoir arbitraire
Le recours au raisonnable pour qualifier le délai viserait « à tracer une limite entre discrétionnaire et arbitraire» (J. Salmon, “le concept de raisonnable en droit international public», pp. 462-467).

إن التأجيل الذي يزيد عن حده والذي يتجاوز “المهلة المعقولة” يؤدي الى الاختناق والمزيد من التدهور.

ان “المهلة المعقولة” بالمعنى المشار اليه اعلاه تعد بالأيام وليس بالأسابيع، بينما لم تباشر الاستشارات على الرغم من انقضاء أكثر من ثلاثة أسابيع على استقالة الحكومة.

ان الدساتير في البلدان الراقية تعطي لرئيس الجمهورية صفة الاب الصالح Le bon père de famille الذي يعتمد، عند خلو النص من تحديد للمهلة، مفهوم المهلة المعقولة وفقاً للمعنى الذي اعطيناه اعلاه.

[…] l’administration ne doit-elle pas ainsi se conduire de manière raisonnable, prudente tel un bon père de famille ? (Le raisonnable en droit administrative (Sous la direction de Mme Sophie THERON), 1ère édition, volume 13).

ان التأخر في تحديد موعد للاستشارات الملزمة الذي نصت عليه المادة 53 فقرة 2 من الدستور يشكل ليس فقط مخالفة لهذه المادة نصاً وروحاً بل ايضاً مخالفة لليمين التي حلفها فخامة الرئيس والمنصوص عليها في المادة 50 من الدستور.