نديم قطيش/الاحتلال الإيرانيّ لا ميشال عون

137

الاحتلال الإيرانيّ لا ميشال عون
حزب الله هو المشكلة يا دولة الرئيس وليس ميشال عون..

نديم قطيش/أساس ميديا/الأحد 18 تموز 2021

فيما عدا الإشارة إلى انتساب سليم عيّاش، المدان دولياً بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى حزب الله، والنقد العابر لقلّة جهود الحزب في تليين موقف ميشال عون في مفاوضات تشكيل الحكومة، غاب الحزب وغابت إيران عن المقابلة الأخيرة للرئيس سعد الحريري. خلاصة اللقاء أنّ عون هو مشكلة لبنان، أو أنّ تحالفه مع حزب الله الذي “يريحه على وضعه” هو المشكلة.

خلاصات الحريري ليست قصوراً في الفهم، وهو أكثر مَن اختبر الجانب الدموي في سلوك حزب الله، مِن رفيق الحريري إلى محمد شطح، مروراً، داخل بيته، بوسام الحسن ووسام عيد، وقذائف السابع من أيار على جدران قصره. لكنّها خلاصات لا تزال تقيم في المكان نفسه لمنطق التسوية الذي يستحيل كلّ مرّة استسلاماً للوقائع، وتفكيراً بالتمنّيات بأنّ المعركة التي يخوضها حزب الله لا يمكن أن تكون في الواقع المعركة التي يُحكى عنها، لا في لبنان وحسب، بل في الإقليم برمّته.

خلاصات الحريري ليست قصوراً في الفهم، وهو أكثر مَن اختبر الجانب الدموي في سلوك حزب الله، مِن رفيق الحريري إلى محمد شطح، مروراً، داخل بيته، بوسام الحسن ووسام عيد، وقذائف السابع من أيار على جدران قصره

توقّفت عند غياب إيران عن نصّ المقابلة، لأنّ إيران في لحظة تصعيد عالي السقف من العراق إلى اليمن إلى فيينا.. ولا سبب عندي للاعتقاد أنّ لبنان سيكون خارج ساحات التصعيد، ولا سيّما أنّه ساحة الاحتلال الإيراني الأوضح..

لنترك ميشال عون جانباً.. الرجل يمتلك كلّ مواصفات النزق السياسي والعناد والسلبيّة، وهذا تعريف دقيق لتجربته في كلّ مفاصلها الرئيسيّة.. هكذا تصرّف مع أمين الجميّل، ومع سمير جعجع، ومع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير، ومع حافظ الأسد، ومع حزبه وتيّاره وبناته، ومع كلّ قريب وبعيد.. بيد أنّ كلّ هذا النزق ما كان ليصير ما صاره، وعون هو الرئيس، من دون أن يخضع “للتخصيب” في “أجهزة الطرد المركزي” السياسية لحزب الله. هنا بيت القصيد.

أحياناً، تنطبق على السياسة قواعد الرياضيات، وأهمّها، في حالة ارتباك البحث عن الحلّ، العودة إلى أساس المشكلة في المعالجة.

لنعد إلى الأساس. مَن قتل رفيق الحريري، وهو حزب الله بحسب الإشارات الضمنيّة لقرار المحكمة الخاصّة بلبنان، قتله في سياق مشروع توسّع مذهبي أعقب سقوط صدام حسين في العراق، واستفاد من وفاة ياسر عرفات في فلسطين، ورأى في الحريري حائط سدّ، وقائداً لمجموعة سياسية لبنانية في الغالب، سنّيّة في التفاصيل، عربية في الانتماء، دوليّة في الحضور والمعنى، تجب إزالتها.. وأُزال الحريري في 14 شباط 2005.

ومنذ تلك اللحظة يعمل هذا العقل الإيراني على منع ولادة بديل سنّيّ، عربي، دولي، في عموم المشرق العربي، ولا سيّما في لبنان حيث إمكان الولادة كان أكبر من أيّ مكان آخر، بسبب الإرث العميق للحريرية الوطنية، ولأنّ سنّة لبنان نجوا، حتى الآن، من لعنات التهجير وتدمير حواضرهم على يد القتيل قاسم سليماني، من الموصل إلى إدلب وما بينهما وفوقهما وتحتهما… ولأنّ لسُنّة لبنان خصوصية حريرية هي قدرة التجسير مع بقية الطوائف والتخفيف من المكوِّن الطائفي في الهويّة السياسية..

إذا كان لبنان محتلّاً إيرانيّاً عبر ميليشيا حزب الله، فإنّ عون ليس أكثر من ضابط الارتباط الذي يعيّنه الاحتلال ويديره الاحتلال ويشغّله الاحتلال

في سياق جهود هذا العقل الإيراني، صُمِّمت الانتخابات النيابية الأخيرة بطريقة واضحة تُوْكِل إلى سلاح حزب الله تعطيل كل التفاصيل التحديثية في قانون الانتخاب، وجاءت نتائجها متوافقة مع مقاصد مديريها، إذ سدّدوا عبرها ضربة سياسية وشعبية هائلة للحريري. في تلك الأيام كان يردّد أمامي أحد العارفين ببواطن التقيّة الشيعيّة أنّ الهدف العميق لحزب الله هو “هرغلة” سعد الحريري و”إنهاؤه”.. ومضت استراتيجية “الهرغلة” باستدراج الحريري بشكل غير مفهوم حتى اللحظة، إلى إعادة طرح نفسه مرشّحاً لرئاسة الحكومة، لتجري مراوغته لتسعة أشهر قبل إخراجه على النحو المثير للشفقة الذي خرج به.. في قصر بعبدا لم ينجح في إنتاج لحظة تلفزيونية وهو يعلن قرار الاعتذار. وهي واحدة من أهم اللحظات في أرشيفه السياسي، بل أرّخ تلك اللحظة الوجومُ في صوت الصحافيين الذين فاجأهم الاعتذار وهو متوقّع..

أمّا من المقابلة الأسوأ في تاريخ ظهوره الإعلامي، فليس بوسع مَن تابعها أن يذكر عبارة واحدة تعلق في الذهن، أو لمعة سياسية تذهب مثلاً.

كلّ هذا من فعل حزب الله لا ميشال عون، أياً تكن الوظيفة الأداتيّة لعون في هذا السياق. فإذا كان لبنان محتلّاً إيرانيّاً عبر ميليشيا حزب الله، فإنّ عون ليس أكثر من ضابط الارتباط الذي يعيّنه الاحتلال ويديره الاحتلال ويشغّله الاحتلال..

ميشال عون ليس مشكلة لبنان، بل الاحتلال الإيراني عبر ميليشيا حزب الله، وهذا ما كان يرتّب على الحريري أداءً مختلفاً منذ الأيام المئة الأولى للتسوية، أو الأسبوعين الأوّلين بعد مؤتمر سيدر، في أبعد تقدير، وأن يخرج إلى المعارضة ويغامر بتسليمهم البلد بالكامل، حتى إذا ما جاء الانهيار، كان الانهيار، كما هو الآن، النتيجة المباشرة لحكومة الاحتلال الإيراني.

هذا كلام تأخّر كثيراً. انتهت البلاد التي يكون لمثل هذا النقاش فيها معنى. فلا الحريري قادر على الحكم ولا مكان له على مقاعد المعارضة..

صحيح أنّ الحريريّة لم تنتهِ .. لكنّها جزء من ذاكرة بلاد انتهت، تماماً كما أراد حزب الله..

حزب الله هو المشكلة يا دولة الرئيس وليس ميشال عون..