الكولونيل شربل بركات/فخامة الرئيس العماد جوزيف عون

141

فخامة الرئيس العماد جوزيف عون
الكولونيل شربل بركات/10 كانون الثاني/2025

يحتفل لبنان اليوم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد طول انتظار سبّبه استعلاء الثنائي الشيعي الذي يمثل مصالح دولة الملالي ومشروعها التوسعي في هذه المنطقة من العالم، وهو الذي مني بالهزيمة النكراء عسكريا وسياسيا واجتماعيا، ولا يزال يكابر بالرغم من تسببه باحتلال الأرض وتدمير العمران ومقتل الكثيرين من أتباعه تحت الانقاض أو في جحور الشر، التي بناها بالاصرار والوهم بأنه أقدر ممن سبقه في محاربة جارتنا اسرائيل، واستغلال سذاجة العامة واستعمال نظريات الحقد سلاحا تكدّس فوق الأهواء فأغرى الكثيرين للالتحاق “بحلف الممانعة” والاستقواء بسلاح التبعية، وهو الذي عطّل المؤسسات وهدم أركان الدولة ومنع ممارسة الديمقراطية بالتهديد والوعيد، بالاغتيالات وشراء الضمائر وبالتجبّر في كل حين. ولم يقبل بعد، وبالرغم من كل البلاء الذي أوصل البلد إليه، أن يعترف بالهزيمة ويلقي سلاحه ويندم على ما قام به، وهو لا يزال وبالرغم من انقطاع أوصاله يحاول ايهام الآخرين بأنه قادر على فرض رأيه بالقوة حتى آخر نفس.

يحتفل لبنان اليوم بتعيين العماد، الذي قاد الجيش في ظروف صعبة وساهم في تماسك المؤسسة العسكرية، بالرغم من سقوط أركان الدولة وانهيار اقتصادها وانعدام خدماتها وافقار أبنائها وتهجيرهم في أصقاع الدنيا، رئيسا للبلاد. ولا يزال من أعمت التبعية عيونهم وتقاسموا فتات موائدها، يحاولون فرض شروطهم عليه ليمنعوه من محاولة استنهاض الارادة الوطنية لاعادة البناء والتخلص من أدران الماضي وأورام النظريات الفاشلة، التي هدّمت كل ما بناه اللبنانيون خلال المئة سنة من تاريخهم الحديث. فهل هناك من أمل في مستقبل واعد؟ وهل أن العوسج سيثمر تينا كما قال مرة السيد المسيح؟

إن نهاية الشر، الذي صدّره ملالي إيران ونشروه بين شعوب الشرق الأوسط؛ تفرقة وتحزّب بواسطة الأموال والأسلحة ونظريات الحقد التي كدّسوها في أرجائه، ها هي تقترب، فقد قطعت أذرعه الواحد تلو الآخر وجففت ينابيعه وضيّق الخناق على زعامته، فهل سيتلقى الضربة القاضية قريبا وينتهي إلى غير رجعة؟

يتأمل اللبنانيون بالخير كما فعلوا دائما خلال تاريخهم الطويل متكلين على الروح الإيجابية التي تنبتها هذه الأرض الطيبة، ولكنهم قاسوا الكثير في المرحلة الأخيرة خاصة عندما تعاظمت قدرة هؤلاء الأشرار، فاستغلوا بساطة الناس ومنعوهم من الابداع والتعاون، وسجنوهم في قمقم الحقد الأعمى يجترون مآسي التاريخ ويبنون عليها طموحات واهية وأحقاد قاتلة. وهم حتى اليوم وبعد كل ما جرى لم يعرفوا الندامة بعد، ولا هم قبلوا بالخسارة أو التنازل عن مواقعهم الهشة. فماذا سيقدم الرئيس الجديد للبنانيين من حلول لتخطي الواقع المر؟ وهل هناك من أمل بالتغيير؟

في قراءة لخطاب القسم، الذي ألقاه الرئيس العماد جوزيف عون بعد انتخابه، هناك نقاط يمكن التأمل بها خاصة بوجود الاصرار الدولي على تخطي الأزمة الحالية. وأهم النقاط الواعدة هي احتكار الدولة لحمل السلاح وهو مفتاح الحل، لأن لبنان عندها يغلق أبواب الساحة ويمنع التعدي على القانون، والنقطة الثانية هي استعادة بناء القضاء واستقلاليته ورعايته لحقوق الناس وهو مفتاح آخر لتقدم البلد، والكلام على محاربة المافيات والبؤر والتهريب هي أساسية للتخلص من الفساد ونظرية المزرعة، وهو يذكر تطبيق القرارات الدولية واحترام الهدنة وتشديده على حق الدولة منفردة بالدفاع عن الوطن، وهي أمور مهمة واساسية يمكن البناء عليها، ولكنها ليست بالكافية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة، لأن مشروع السلام والتطبيع، الذي تقوده دول الشرق الأوسط المستقرة والعمل على الالتحاق به وحجز مقعد على طاولة الحوار والمصالح الدولية، هو نقطة مركزية لا بل اساسية في بناء مستقبل لبنان الاقتصادي والسياسي ودوره المتعاون والخلاق على صعيد العلاقات المتبادلة والتخطيط المستقبلي. وهذا ما سيحرر القرار اللبناني في كافة جوانبه، أولا من نظريات الحقد التي تفشت خلال المرحلة الماضية والتي أدخلت لبنان في حروب لا تعنيه، ثم من الاستمرار بالتقاتل مع الجيران حول الأمن على جانبي الحدود وحق المواطنين بالعيش الكريم من خلال فتح هذه الحدود وتنظيم التعاون البناء في المجالات الاقتصادية المشتركة كما هو الوضع بين الدول الطبيعية حول العالم بدون عقد التهريب أو التجاوزات القانونية، وهذا ما تكلم عنه الخطاب على الجانب السوري وما يجب أن يتم ايضا على الجانب الاسرائيلي، لأن أبناء الجنوب بحاجة للانفتاح والتخلص من عقد العداوة والحروب.

أما فيما يتعلق بالمبعدين والممنوعين من دخول البلاد لاحكام صادرة عن المحكمة العسكرية، خاصة ضد حرية الراي أو تهم العمالة التي وزعها حلف الممانعة على من تجرأ على انتقاده من اللبنانيين، فإن ذكرها أو عدمه واحد لأن الرئيس الأسبق العماد ميشال سليمان كان تعهّد في خطاب القسم اعادة الجنوبيين المبعدين إلى اسرائيل وفشل، بينما الرئيس السابق العماد ميشال عون فلم يستطع حماية عامر الفاخوري وهو لم يكن قد صدر بحقه اي حكم قبل دخوله لبنان، ما أدى إلى تدخل الرئيس ترامب شخصيا لاخراجه من السجن، حيث تم حقنه بما أدى لموته لاحقا وهي جريمة يجب أن يعاقب عليها المسؤولون عنها.

أخيرا وليس آخرا نتمنى أن يكون الرئيس الجديد أفضل ممن سبقه فيحافظ على الدستور كما ينص قسمه وأن يتمتع برؤية بعيدة النظر لتأمين مصلحة لبنان، وهو الآتي من العيشية بلدة الشهداء التي يعرف سكانها معاني الوطنية الحقة والبطولة والشهادة التي لا يمكن أن تلطخها أدران المادة أو المصالح الآنية. ونتمنى له أن يقود لبنان على طريق السلام والاستقرار الداخلي والخارجي وأن يفرض على أصحاب الدكاكين السياسية التي أسقطت البلد أن تتنازل عن عنجهيتها وتعترف بأخطائها وتعتزل السياسة لتترك المجال لأجيال جديدة قد تتعلم من المصاعب كيف تبني للمستقبل.

**اضغط هنا لدخول صفحة الكولونيل شربل بركات على موقعنا المنشورة عليها كل مقالاته وكتبه وتحليلاته