وسام سعادة: خارطة طريق متوازنة لإنهاء الشغور/خليل فليحان: الكتائب والقوات ينتظران أجوبة فرنجيه/نبيل بومنصف: حين ينتقم النظام

271

خارطة طريق متوازنة لإنهاء الشغور
وسام سعادة/المستقبل/07 كانون الأول/15
لبنان أمام تجربة شغور رئاسي مستفحل يزيد على عام ونصف العام ولم يعد قابلاً للمقارنة مع سابق فراغ السدة. بهذا المعنى فإنّ كل اقتراح عملي يقدّم لإنهاء حال الشغور على جناح السرعة يمتاز بنقطة تفاضلية على الطروح التي لا منفذ عملياً إليها لإنهاء حال الشغور. في الوقت نفسه، كلما طال الشغور كلما صعبت عملية معالجته كيفما كان، ليس فقط من باب جواز الأمر أو عدم جوازه، بل وقبل كل شيء من باب التمكّن من إنجاز ملء الشغور. كلما استفحل الفراغ الدستوري كلما صار حلّ المعضلة يتطلّب معايير واضحة لا تقتصر على مواصفات الشخص المطلوب، بل تشمل محدّدات المرحلة القادمة.
لقد وصل البلد إلى جملة «طرق مسدودة». الشغور الرئاسي أحدها. قانون الانتخاب مسألة «يا محلاه« الشغور حيالها. هذا عندما تختلف القوى السياسية الأساسية في ما بينها، لكن أيضاً البلد وصل إلى طريق مسدودة في قطاع النفايات، مع أن القوى السياسية لم تنقسم بشكل استقطابي في ما بينها حوله، بل وجدت نفسها متأهبة لمحاصرة النقمة الشعبية، وتجفيف «الحراك المدني»، من دون معالجة الملف. الملفات العالقة تتراكم. كل هذا ولم نذكر مشكلة سلاح «حزب الله»، وحربه في سوريا. حيثما وليت تجد طريقاً مسدوداً. أزمة حكم معطوفة على أزمة تمثيل معطوفة على أزمة شرعية على أزمة معايير على أزمة كيان. الكل يقرّ بذلك على طريقه. الجميع يردف في الوقت نفسه: ليس وقت البحث عن معالجة جذرية وشاملة لكل هذا. لا بأس، لكن ما الحل؟ منذ مدة جرى الاتفاق على أن الحل يكون بـ»باكيدج». لكن «الباكيدج« لا يمكن أن يكون مبهماً، ولا يمكنه أن يقتصر على ترشيحات.
لا «باكيدج« من دون تصوّر يتّفق عليه لقانون الانتخابات، وتحديد موعد للانتخابات النيابية، وتحديد معايير أساسية لمعالجة متدرجة للملفات العالقة والمستعصية الأساسية. لم يعد البلد يحتمل شغوراً رئاسياً «بلا سبب دستوري» سوى عصيان نيابي يحول دون اكتمال النصاب. لكنه يحتمل مرحلة «إياب» في النقاش السياسي، باتجاه دسترة المسائل: إنهاء الشغور ينبغي أن يربط بهدف. هدف إعادة إحياء ثلاثي البرلمان والحكومة والقضاء في هذا البلد. الإحياء الأول يبدأ من قانون انتخابات ثم انتخاب. الإحياء الثاني يبدأ بفهم كيف لن يتكرر التعطيل. الإحياء الثالث يكون بفهم كيف يمكن للقضاء أن يكون سلطة بإزاء السلطتين التشريعية والتنفيذية. شخصنة المسائل بدلاً من ذلك لا تؤدي إلى نتيجة مفيدة. الشغور الذي زاد على حدّه ما عاد يمكن أنْ يعالج من دون خارطة طريق لما بعد إنهاء حال الشغور، وما لم تبلور خارطة الطريق هذه فلا شيء حتمياً، سوى استفحال الشغور مدة إضافية. يحتاج البلد إلى خارطة طريق متوازنة لإنهاء الشغور. خارطة طريق يعرف بموجبها كل فريق بماذا ضحى وماذا كسب. ويعرف بعدها كافة الفرقاء كيف يحتكمون الى صناديق الاقتراع ثم ينتظمون في المؤسسات. لا شيء يمكنه أن يحل مكان خارطة طريق كهذه.

 

الكتائب و”القوات” ينتظران أجوبة فرنجيه زوّار عون يتحدثون عن نيّته إسقاط مبادرة الحريري
خليل فليحان/النهار/7 كانون الأول 2015
لم يؤشر الحوار الماروني – الماروني حول محاولة الرئيس سعد الحريري ترشيح النائب سليمان فرنجيه لرئاسة الجمهورية الى أية إيجابية يمكن أن تؤدي الى انتخابه رئيسا في جلسة 16 الجاري اي بعد تسعة أيام، ليملأ الفراغ المتمادي منذ نحو 17 شهرا في قصر بعبدا.
وافادت مصادر متابعة للاتصالات داخل البلاد وفي باريس والرياض “النهار” بأن مراجعة لعدد من المواقف التي ظهرت منذ عودة البطريرك بشارة الراعي من ألمانيا تؤكد ان الفاعليات المسيحية لم تؤيد مشروع الحريري القائم على استعداده لترشيح فرنجيه للرئاسة لأسباب عدة، لعلّ ابرزها أن اي زعيم سني مهما بلغ شأنه لا يمكنه ان ينتقي هو مرشحا لرئاسة الجمهورية، حتى لو كانت الحجة التي استند اليها انه يريد إيصال رابع الشخصيات التي اختارها الراعي للترشح الى الرئاسة، وان التعهد الذي وقعه الأقطاب الأربعة في بكركي يقضي بأن ينسحب الثلاثة الآخرون لمصلحته إذا نال تأييد غالبية القوى السياسية الاخرى. واللافت ان البطريرك وصف مبادرة الحريري بأنها “جدية”، وان الأجواء التي تسرّبت عن الصرح لم تثر ارتياحاً لدى أكثر من مرشح او حزب ماروني آخر لأنها توحي تأييداً لرئيس “تيار المردة”.
ولعلّ أكبر دليل على عدم دعم اي من الأقطاب الثلاثة لمبادرة الحريري هو إحجام الراعي عن دعوتهم إلى اجتماع لتداول مبادرة الحريري الرئاسية، بل إنه فضّل الذهاب الى اللاذقية لمناسبة راعوية للموارنة هناك حفاظا على الحد الأدنى من التفاهم مع رافضي ترشيح فرنجيه، وإتاحة المجال أيضاً لمزيد من الاتصالات وانتظار ما سيعلنه الحريري هذا الأسبوع كما هو متوقع بدعم من رئيس “اللقاء الديموقراطي” وليد جنبلاط. واللافت أيضاً ان الرئيس نبيه بري يلوذ بالصمت وإن كان موقفه منسجماً مع موقف الثنائي الحريري – جنبلاط في موضوع انتخاب فرنجيه. كما ان رئيس “تيار المردة” يلازم بنشعي ويرد على استفسارات من يزوره من الديبلوماسيين المعتمدين لدى لبنان عن استعداده لخوض معركة الرئاسة، وقد زاره أمس في السياق هذا الأمين العام لوزارة الخارجية الإيطالية. أما رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل فينتظران أجوبة فرنجيه العلنية عن أسئلة تتعلق بموقفه من بعض القضايا الوطنية الحساسة وما اذا كان يؤيد ثوابت الحزبين. الا ان فرنجيه لا يبدو متحمسا للإجابة العلنية، بل يغرّد من حين الى آخر عبر حسابه الخاص على “تويتر” معلناً مواقف تتناول بعض مواضيع الأسئلة، مثل قانون الانتخابات النيابية والدفاع عن حقوق المسيحيين والقول إنه ليس بحاجة الى شهادة احد للتثبت من صلابة مارونيته. في هذا الوقت ينقل زوار عون عنه مدى تضايقه من مبادرة الحريري وتأكيده انه لن يتركها تمر كما يتصور رئيس “المستقبل”، لانها تستهدف ما يسعى اليه عون مع تياره من تثبيت للموقف الماروني في المعادلة السياسية اللبنانية.
ونصحت المصادر المتابعة بعدم تحديد موعد لانتخاب الرئيس قبل التوصل الى تذليل مشكلات نتجت من تحرك الحريري، لأن ثمة سيناريو يتداوله نواب من كتل مختلطة ومفاده ان تنافسا قد يحصل في مجلس النواب، وان جعجع قد يتخلى عن موقفه غير المؤيد لترشيح عون، وان دورة الانتخاب الأولى في الجلسة قد لا تؤدي الى انتخاب فرنجيه، فيدعو الرئيس بري الى جلسة انتخابية ثانية يفوز بنتيجتها مرشح الحريري. لكن الثابت ان الحريري لا يريد ان تتأزم الأمور الى هذه الدرجة، وسيحاول مناقشة الموضوع مع مرشحه الأساسي للرئاسة، الدكتور جعجع الرافض حتى اليوم تلبية دعوته الى الرياض. كما ان “حزب الله” لا يزال على تأييده لعون، ولم يغير موقفه رغم أن فرنجيه من داعمي خط الحزب.

حين “ينتقم” النظام
نبيل بومنصف/النهار/7 كانون الأول 2015
يتمايز مشروع التسوية الرئاسية الذي بدأ يتحول الى مواجهة حادة عن المعارك الرئاسية التي تعاقبت منذ ربع قرن من عمر الطائف بناحية غريبة في شكلها ومحتواها، ليس في الملابسات التي طبعت الترشيح المباغت لزعيم “المردة ” فقط بل في استحضار هواجس ما قبل الطائف وإسقاطها على هذه التسوية. تستأهل هذه الناحية تدقيقا في هذه الردة للطبقة السياسية لا لمنح الساسة، في اي اتجاه او تحالف كانوا، علامة حسن سلوك في اكتشاف علم المقارنات التاريخية وانما لتظهير انعكاس الأثر المخيف للجفاف الديموقراطي الذي ضرب النظام اللبناني منذ امد طويل حتى في الشكليات. لا نذكر ان فورة مقارنات أثرت تأثيرا حقيقيا في دورات انتخاب العهدين الممددين للرئيسين الياس الهراوي وأميل لحود واللذين حكما بقوة الوصاية السورية ولم يكن ثمة نقاش داخلي لوهلة واحدة لدى اسقاط كلمة السر المكشوفة في اختيارهما على يد النظام السوري آنذاك. ومع ان عهد الرئيس ميشال سليمان حل عقب فتنة داخلية دامية في ٧ أيار الشهير فان انتخابه التوافقي لم يتسع ايضا في تلك العجالة لاي مقارنات سابقة. قد تكون الردة الآن الى استحضار تجارب بدأت تغرق في النسيان الغابر من جانب رافضين او مؤيدين لانتخاب سليمان فرنجية امرا جيدا حتى لو اتسمت في نهاية الامر بمغالطات يرجح ان تثبتها الظروف الجديدة والمتغيرة تغييرا شبه جذري في لبنان والمنطقة. ولكننا نتساءل واقعيا، حتى لو امتلك اصحاب الرفض جانبا من الحق واصحاب التأييد جانبا من المشروعية : هل يدرك هؤلاء واولئك ان اصطناع الغيرة على اتفاق الطائف لم يعد يرقع النظام الدستوري الممزق ليس في عراء ترك الفراغ الرئاسي يتمادى ١٨ شهرا فقط بل في انهياره الناجز تماما ؟ يضحكنا التباكي على الطائف او ذرف دموع الحنان والحنو عليه حين يحتاج الامر الى تستير تسوية هبطت بفعل فاعل كأمر واقع قسري، او حين ينوجع المتضررون الذين نالهم منها قصاص ولا اشرس لم يخالوا يوما انهم قد يتذوقون مرارته فيغدو النظام ايضا طريق الهروب من الكابوس. يجري ذلك ومعظمنا يسلس القياد للساسة في الاستهانة تكرارا بذاكرة جماعية يفترض انها لم تنس ممارسات تعطيل النظام وتقويضه. هل سمع احدنا في الاسابيع الاخيرة ملهم من عظماء السياسة ينادي بالاحتكام الى تعويم النظام الديموقراطي الحقيقي ؟ ما دامت الواقعة قد وقعت وتهدد بكل المجهول، لماذا لا تكون سابقة السوابق الان تحديدا في مبارزة انتخابية ديموقراطية طاحنة مفتوحة “لعموم ” المرشحين علها تنقذ ما تبقى على الرمق الاخير من جمهوريتهم الزاهية بهم ؟ ام تراهم هنا وهناك توهموا ان نظاما يحتضر لا يمتلك القدرة على الانتقام ؟