سوسن مهنا: هل يستفيد داعش من انشغال لبنان بحرب الجنوب لتنفيذ عملياته؟

19

هل يستفيد “داعش” من انشغال لبنان بحرب الجنوب لتنفيذ عملياته؟
هشاشة الحدود مع سوريا تسهل حرية الحركة لعناصر التنظيم وعودته تتزامن مع فراغ دستوري ومؤسسي في البلاد

وفي التفاصيل أن بعض عناصر هذه الخلية ارتبطوا بعلاقة صداقة بالمدعو (ع ش) وكانوا يلتقونه في مسجد الهدى، حيث كان يحدثهم عن  “داعش”، ومع الوقت اقتنعوا بفكر التنظيم وأصبحوا يؤيدونه ويتابعون إصداراته عبر الإنترنت. ومنذ نحو عامين وقبل انتقال (ع ش) إلى سوريا، أقنعهم بمبدأ “الاحتطاب”، وعرض على أحدهم سرقة المجلس النرويجي للاجئين، ومركز تدريب الشباب البداوي (NRC) في محلة جبل البداوي، إلا أنهم لم يتمكنوا حينها من التنفيذ.

مبدأ “الاحتطاب”

“الاحتطاب” لغوياً هو جمع الحطب، وفيه يخرج الحطاب بفأسه ليغنم من الطبيعة ما يريد، لكنه ووفقاً لأستاذ الحضارة، والباحث في مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات وعلم الأديان المقارن في تونس، عبيد خليفي، أن الجماعات المتشددة استحضرت هذا المفهوم في سياق مشروعها المعاصر لتبرير عمليات سلب ونهب تقوم بها لتمويل نشاطاتها، إذ تركز الأدبيات المتشددة المعاصرة على محاولة تأصيل عمليات النهب والسلب والسرقة التي تقوم بها، وفي هذا السياق يأتي مفهوم “الاحتطاب” الذي أخذت به الحركات المتطرفة المعاصرة كمفهوم للغنيمة بعد تكفير الدولة والمجتمع وتحويل دار الدعوة إلى دار حرب ليصير تحصيل المال من “الكفار” واجباً.

p2_(5)_(3).jpg
لتنظيم “داعش” تاريخ في استغلال الخواصر الرخوة للدول (غيتي)

وهذا ما ذهب إليه أحد قادة تنظيم “القاعدة” أنور العولقي في قوله “المال الذي يؤخذ من الكفار بالقوة أكثر طهراً ونقاءً من ذلك الذي يحصل عليه رجل الأعمال أو الفيزيائي أو المزارع لأنه ببساطة مصدر الدخل الذي ارتضاه الله سبحانه للرسول محمد”. وتعتمد تلك الجماعات على مبدأ “الاحتطاب” للتمويل الذاتي أي الموارد الذاتية لأعضاء التنظيم أو ما يجنيه التنظيم خلال نشاطه من الغنائم. ويعتبر الباحث المصري في مجال الأديان عبدالسلام القصاص، أن مفهوم الاحتطاب من المفاهيم العقائدية وأن “العامل الاقتصادي لتمويل العمليات الإرهابية هو الهاجس الرئيس لهذه الجماعات”. يشار إلى أن أكبر عملية “احتطاب” في التاريخ الحديث هي الهجوم المسلح الذي نفذه  “داعش” في يونيو (حزيران) 2014 على فرع البنك المركزي العراقي في مدينة الموصل حين استولى على مدخرات تقدر بـ425 مليون دولار، وكمية كبيرة من سبائك الذهب.

خطر عودة “داعش”

وفي أحدث تقارير لمنظمة الأمم المتحدة في الـ15 من فبراير (شباط) الماضي يحذر من خطر عودة “داعش”، ويستعرض وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، التهديد الذي يشكله التنظيم للسلام والأمن الدوليين ونطاق الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة دعماً للدول الأعضاء في مكافحة هذا التهديد. ووفقاً لتقرير المنظمة الأممية فإنه وعلى رغم أن “داعش” والجماعات المنتسبة إليه ظلوا يواجهون استنزافاً في القيادة ونكسات مالية، فإنهم احتفظوا بقدرتهم على شن هجمات إرهابية والتخطيط لتهديد خارج مناطق عملياتهم. وظل خطر عودة ظهور التنظيم قائماً في سوريا والعراق، كما أسهمت أنشطة الجماعات المنتسبة إلى “داعش” في تدهور الوضع في أجزاء من غرب أفريقيا ومنطقة الساحل. وفيما يتصل بالموارد المالية للتنظيم، أشار تقرير الأمين العام إلى استمرار تناقص إيرادات “داعش” الأساسية، فقد أوردت الدول الأعضاء أن الاحتياطات المتاحة تراوح ما بين 10 و25 مليون دولار.

“ولاية لبنان” وعمليات أمنية

وفي العودة إلى خلية البداوي في لبنان، تكشف تحقيقات مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني عن خطورة ما كانت تخطط له هذه الخلية، لو نجحت في استكمال ما كانت تسعى إليه، من استهداف للأبرياء وزعزعة للأمن، غير المستقر أصلاً. وهي ليست المرة الأولى التي تكشف الأجهزة الأمنية اللبنانية عن عمليات نوعية أدت إلى إحباط عمليات وضبط لأسلحة وذخائر حربية، وكشف عن تدريبات عسكرية ومخططات لضرب مراكز عسكرية، وإدارة شبكات لترويج العملة الأجنبية المزيفة والمخدرات، وذلك بهدف تمويل أعمال تلك المنظمات ومهامها الموكلة إليها. ومنذ تولي “أبو الحسين الحسيني القرشي” قيادة التنظيم، أعلنت مجموعة من العناصر التي أطلقت على نفسها “ولاية لبنان”، في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2022 البيعة للتنظيم، وبثت وكالة “أعماق” الجهة الإعلامية الرسمية التابعة للتنظيم عبر منصاتها المختلفة صوراً لبيعة العناصر اللبنانية للقرشي، وهو ما اعتبر إعلاناً رسمياً عن تأسيس فرع جديد لتنظيم “داعش”.

ويعتبر الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب أحمد كامل البحيري أنه “على رغم موقف نشاط فرع التنظيم في لبنان، فإن عديداً من تحركات عناصره استمرت منذ عام 2017، وهو ما يمكن ملاحظته عبر تمكن الأمن اللبناني من القبض على كثير من الخلايا والعناصر التابعة له خلال السنوات الماضية، وبصورة خاصة منذ انفجار الأزمة في لبنان في أعقاب الحراك الشعبي في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس (آب) 2020، إذ أعقب الانفجار قيام عناصر إرهابية تابعة لـ(داعش) بإطلاق النار على عناصر أمنية ببلدة كفتون بمنطقة الكورة (شمال لبنان) في الـ22 من أغسطس من العام نفسه، مما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص من أبناء البلدة هم ابن رئيس البلدية واثنان من شرطة البلدية”.

ويتابع المتخصص في شؤون الإرهاب أنه “أعقب هذه العملية مقتل أربعة عسكريين في مدينة طرابلس أثناء عملية مداهمة من قوات الجيش في الـ14 من سبتمبر (أيلول) 2020، والقبض على قائد الخلية خالد التلاوي الذي بادر الجيش بإلقاء المتفجرات مما أسفر عن مقتله بجانب أربعة من عناصر الجيش، وهو ما دفع الإرهابي عمر بريص لتنفيذ عملية في الـ26 من سبتمبر، بالهجوم على موقع للجيش اللبناني مقابل معسكر عرمان في المنية مما أدى إلى مقتل عسكريين، بجانب مقتل تسعة مطلوبين، من الجنسية اللبنانية والسورية والفلسطينية”.

هذا الأمر تكرر خلال شهر أبريل (نيسان) 2021، حين تمكنت الأجهزة الأمنية اللبنانية من إحباط عملية انتحارية للتنظيم، حينها أعلنت الأجهزة أن مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني أوقفت عدداً من المنتمين إلى “داعش”، الذين كانوا في مرحلة الإعداد والتخطيط لاستهداف مراكز ومواقع عسكرية تابعة للجيش والقوى الأمنية، وتمكنت تلك الأجهزة من توقيف 18 شخصاً، بينهم 12 سورياً وستة لبنانيين، وكشفت التحقيقات عن أن التنظيم يخطط للعودة إلى تنفيذ عمليات إرهابية في لبنان، تستهدف أماكن ومراكز عسكرية. هذا إلى جانب عديد من العمليات الاستباقية التي أتت في مرحلة لاحقة، قامت بها الأجهزة اللبنانية المختصة مجنبة البلد خضات أمنية دموية.

إطلالة “داعش” والحرب في الجنوب

وتبعاً لعديد من المراقبين فإن لهذا التنظيم تاريخاً في استغلال الخواصر الرخوة للدول، وهذا ما يحدث اليوم في لبنان، إذ إن السلطات اللبنانية ومنذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023، انشغلت بتبعات تلك الحرب، ومن الممكن القول إن كل مرافق الدولة متوقفة بانتظار ما ستؤول إليه تلك الحرب، ذلك بعد إعلان أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله أكثر من مرة أن الجبهة الجنوبية لن تهدأ، قبل توقف الحرب في غزة. من هنا يربط عديد بين “إطلالة داعش” والحرب المندلعة في الجنوب. فهل يستفيد التنظيم أو خلاياه من انشغال لبنان بأحداث الجنوب لتنفيذ عملياته؟

يشير الإعلامي فادي أبو دية في حديث لـ”اندبندنت عربية” إلى أنه “كان واضحاً أن لبنان مستهدف بعد سوريا نتيجة لعوامل عدة، أبرزها إغراق (حزب الله) في حروب استنزافية طويلة وتسعير الفتنة عربياً”. ويردف أن “مع بدء المد التكفيري وصولاً إلى دمشق حصل تسرب كبير إلى الداخل اللبناني نتيجة عوامل عدة، وجود أرضية جاهزة ومعبأة في الشمال بخاصة، بعد ظهور حركات تكفيرية في الداخل، وكذلك محاولة الانتقام من نظام الرئيس بشار الأسد. وبرأي أبو دية أن “كل هذه العوامل وغيرها أسهمت في بناء أرضية لهذه الجماعات لا سيما مع وجود قوى سياسية في لبنان تسعى إلى أي تحالف مع أي جهة بهدف إرباك الحزب… كل ذلك أسهم بصورة كبيرة في وجود ما يسمى خلايا إرهابية تكفيرية يتم استخدامها حسب الطلب”، على حد قوله.

عودة “داعش” والفراغ الدستوري

وبرأي المحلل السياسي المتابع للشأن العربي، طارق أبو زينب في حديث لـ”اندبندنت عربية” أنه “تتزامن عودة تنظيم داعش على الساحة اللبنانية مع تعرض لبنان لفراغ دستوري ومؤسسي يتمثل في خلو منصب رئيس الجمهورية، ووجود حكومة مستقيلة واعتداءات يومية من العدو الإسرائيلي مع ربط لبنان بما يسمى وحدة الساحات. ويحاول من يحرك تنظيم (داعش) في هذه اللحظات الحرجة الذي يمر فيها لبنان توجيه بعض الرسائل على كل الأصعدة إلى دول الغرب والولايات المتحدة مفادها بأنه ما زال التنظيم الأقوى بالمنطقة والقادر على إعادة الانتشار وتنفيذ العمليات الإرهابية على رغم سقوط ما تسمى بـ(دولة الخلافة الداعشية) في مارس (آذار) 2019، ومقتل كثير من قيادات الصف الأول من التنظيم خلال المرحلة الماضية”.

هشاشة الحدود اللبنانية – السورية

وفي بداية عام 2022 أعلن عن اختفاء عشرات الشباب من مدينة طرابلس وتحدث حينها وزير الداخلية بسام المولوي، عن مغادرة 37 شاباً طرابلس للالتحاق بـ”داعش” في سوريا والعراق. ولاحقاً أكدت تقارير صحافية مقتل شباب لبنانيين في عمليات مواجهة عديدة نفذتها القوات العراقية ضد “داعش”، في تأكيد على انخراط هؤلاء في صفوف التنظيم بالعراق. وتتساءل أوساط عدة عن كيفية هروب عشرات الشباب والدخول إلى سوريا، وكيف يصلون إلى العراق.

 السلطات اللبنانية ومنذ اندلاع حرب غزة انشغلت بتبعات تلك الحرب جنوباً (وكالة أنباء المركزية)
 السلطات اللبنانية ومنذ اندلاع حرب غزة انشغلت بتبعات تلك الحرب جنوباً (وكالة أنباء المركزية)​​​​​​​

في هذا الخصوص يشير المحلل السياسي أبو زينب إلى أنه “للأسف هشاشة الحدود اللبنانية – السورية وحرية الانتقال، تساعد على حرية الحركة لعناصر وأفراد تنظيم (داعش) الإرهابي، للانتقال عبر الحدود في الشمال اللبناني، لذا فالمتهم بدخول أعضاء التنظيم ومساعدتهم هو النظام السوري. لكن على رغم ذلك، فإن هذه الخطوة قد لا تكفي لتعزيز نشاط التنظيم داخل لبنان، إذ إن ذلك مرتبط بالتغيرات السياسية في لبنان والمنطقة، فضلاً عن مدى قدرة النظام السوري على مواصلة استغلال الانقسامات السياسية اللبنانية، من أجل توسيع نطاق نفوذ التنظيم في المرحلة الحالية لتحقيق مكتسبات سياسية له أو لحلفائه”.

ويستدرك أبو زينب أن “الأمن اللبناني بالمرصاد، وتمكن من القبض على كثير من الخلايا والعناصر التابعة لـ(داعش)، وخلال السنوات الماضية تمكنت الأجهزة الأمنية اللبنانية من العمل على تفكيك خلايا عديدة من التنظيم، ذلك أن لبنان ليس بيئة حاضنة للتطرف ومعظم اللبنانيين ينبذون التنظيمات المتطرفة والإرهابية وضد الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان. وبات واضحاً بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة وانفجار مرفأ بيروت، تشكل رأي عام لبناني يعمل على المطالبة بالسيادة الكاملة على الأراضي اللبنانية وانتخاب رئيس للجمهورية وتطبيق القرارات الدولية والقوانين والدستور الذي يتجسد باتفاق الطائف، لينعم لبنان بالاستقرار والأمن”.

هنا يشير الإعلامي أبو دية إلى أن “القوى الأمنية قامت بدور كبير وجبار في الإجهاز على هذه الجماعات، ولكن بقيت تتلقى دعماً من بعض السفارات في لبنان لضمان بقائها على قيد الحياة”. ويتابع “من دون شك أن هذه الجماعات لا تعتبر إسرائيل عدواً، ولم تقم بأية عملية عسكرية ضد إسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة مع أنها ترفع شعارات إسلامية، ومن المؤكد إذا اندلعت أي حرب شاملة سيكون إلى جانب إسرائيل، كما ذهب إلى أوكرانيا ليقاتل مع حلف الناتو ضد روسيا”، مضيفاً “هؤلاء بيادق تحركهم استخبارات الدول المستفيدة”، بحسب وصف أبو دية.