علي حمادة/فصول اتفاق بكين تتلاحق بسرعة مذهلة

55

فصول اتفاق بكين تتلاحق بسرعة مذهلة
علي حمادة/النهار العربي/20 آذار/2023

منذ الكشف عن الاتفاق السعودي- الإيراني في العاصمة الصينية بكين قبل أسبوع، تتسارع الأحداث والتطورات بقدر كبير حتى يكاد المراقب يصاب بدوار فيما هو يلاحق نتائج هذا الاتفاق بين قوّتين إقليميتين كبيرتين فرضتا من خلاله معطى جيوسياسياً جديداً، قلب المناخ في المنطقة.
الأحداث تتسارع، من الإعلان في بكين، إلى المواقف التي توالت في الرياض، وطهران، ثم حديث وزير المالية السعودي محمد عبدالله الجدعان عن أن الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الإيراني يمكن أن تتحرك بسرعة كبيرة بعدما زالت العقبات، ثم اعلان وزيري خارجية البلدين السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والإيراني حسين أمير عبداللهيان عن أن اتفاقاً قد حصل من أجل عقد اجتماع بينهما وتم تحديد المكان من دون الإعلان عنه.
ثم اتى أخيراً يوم أمس الاحد الإعلان عن ان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد وجه دعوة رسمية الى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للقيام بزيارة رسمية للمملكة العربية السعودية وقد سارع الأخير الى اعلان قبولها.
كل ذلك وسط تسريبات إيجابية متبادلة من الأوساط المقررة في البلدين، لاسيما في طهران أن الاتفاق جدي الى ابعد الحدود، وان الطرفين سيمضيان بسرعة نحو تنفيذ مضامينه المعلنة وغير المعلنة.
وقد كان تسريب إيراني من الأوساط المقربة للمرشد علي خامنئي تكشف عن انه كان يستعجل انجاز الاتفاق، وانه في المرحلة الأخيرة فقد صبره مما اعتبره تباطؤا فأوعز الى مفاوضيه بالتعجيل وانجاز الاتفاق مهما صار.
توازياً مع ما سبق، تحرك إيراني عاجل وزيارات مكثفة للمفاوض الإيراني وهو الأمين العام لمجلس الامن القومي الجنرال علي شمخاني الذي زار أبوظبي ليلتقي رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، ونظيره مستشار الامن القومي الامارتي الشيخ طحنون بن زايد.
بعدها زيارة الى البحرين للمباشرة بطي صفحة الخلاف مع المملكة البحرينية والتحضير لعودة العلاقات الى مستوى السفارات، تزامناً مع فتحها لتنقية العلاقات. ولا ننسى الإعلان عن رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع كل من أبوظبي، الكويت وبالطبع البحرين.
كل هذا في زمن قياسي لم تشهد مثله المنطقة منذ عقود طويلة. واذا ما أضفنا الى المشهد حركة التواصل الدبلوماسية في المنطقة، التي تشمل تركيا مع تحسن علاقاتها الى حد بعيد مع السعودية والامارات ومصر.
الإعلان السعودي عن تقديم وديعة بخمسة مليارات دولار توضع في البنك المركزي التركي.
وكان سبق للاماراتيين أن فعلوا الامر عينه، وأقاموا إثر زيارة الشيخ محمد بن زايد الاخيرة الى انقره مشروعا لصندوق استثماري في تركيا بمبلغ يصل الى عشرة مليارات دولار أميركي.
اما العلاقة مع مصر، والتي يعتقد انها وصلت الى مستوى من التحسن لم يعد ينقصها سوى تبادل الزيارات الرسمية لقادة البلدين في الشهرين المقبلين.
ما تقدم مثير للدوار حقاً. فتسارع الأحداث بهذا الشكل يعكس تبدلات جوهرية في المعطى الجيوسياسي في المنطقة في أعقاب حرب روسيا على أوكرانيا، وانخراط القوى الكبرى في العالم في صراع جيوستراتيجي واسع النطاق من أوروبا الى جنوب شرق آسيا، ووصول المنطقة الى شفير حرب قد تنشب في أي وقت على خلفية بلوغ طهران عتبة النووي العسكري وسط تحضيرات إسرائيلية لتوجيه ضربة للمنشآت النووية الإيرانية.
اضف إلى ذلك أن ايران نفسها باتت تعاني الأمرين بسبب أزمتها الاقتصادية والمالية الخانقة، والعقوبات الأميركية، والأهم تبعات ثورة “امرأة، حرية،حياة” على إثر قتل “شرطة الاخلاق” الشابة مهسا أاميني في السادس عشر من أيلول (سبتمبر) 2022.
وقد تطورت موجة الاحتجاجات الى ما يرقى إلى ثورة كبيرة نالت من أسس النظام ومشروعيته ورموزه الدينية والسياسية والعسكرية. وما استطاع النظام ان يحاصر الاحتجاجات إلا بعد أن قتل ما يربو على 600 شخص، بينهم عدد كبير من النساء والشبان تحت العشرين من العمر. وجرى اعتقال اكثر من 19000 شخص، وجرى تنفيذ عدد من الاعدامات بحق ناشطين من الشباب الإيراني الثائر.
وفي المقابل، ومع تقدم برامج التنمية الاقتصادية و التحديث والتطوير في المملكة في ظل رؤية 2030 للامير محمد بن سلمان صار لزاما على الرياض ان تبرد جميع ازماتها مع جيرانها من اجل حماية مكتسبات رؤية 2030، ومتابعة المشروع الذي سينقل المملكة العربية السعودية من عصر الى عصر.
في مطلق الأحوال، واضح للعيان أن كلا الطرفين يستعجل تنفيذ مضامين اتفاق بكين. وكلاهما يظهر جدية لافتة في تسريع عجلة التطبيع ورفع مستوى العلاقات المفيدة لمصالح البلدين.
أخيراً وليس آخراً، ليلة أمس أفيد من مصادر البنك المركزي الإيراني أن السيولة بالعملات الأجنبية في البلاد بدأت تتحسن نتيجة الاتفاق مع الرياض!