حسن المصطفى/العربية: سعوديون في معسكرات حزب الله

168

سعوديون في معسكرات حزب الله

حسن المصطفى/العربية/05 كانون الثاني/2022

كنا جالسين في “قهوة الغراب”، المقصدُ الشعبي الشهير بشارع الملك عبد العزيز، بمدينة القطيف، شرق السعودية، بُعيد صلاة الفجر، نحتسي الشاي، فيما يقدم لنا “أبو علي” فناجين القهوة، وكاسات الحليب، دونَ كللٍ أو ملل! يومها، كان معنا ثلاثة من الأصدقاء، يستعدون للسفر نحو الجمهورية العربية السورية، رحلة ظاهرها السياحة وزيارة مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، وحقيقتها أن هؤلاء كانوا يعتزمون الالتحاق بمعسكرات التدريب التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني و”حزب الله” اللبناني.

التدريب المستتر
رغم مرور أكثر من 26 عاماً على الحدث، إلا أنه لا يزال حاضراً في ذهني، رغم أنني لم أكن أعلم عن تفاصيله حينها، والتي تكشفت في وقت لاحق، بُعيد تفجير “أبراج الخبر” شرق السعودية 1996، حيث تم إلقاء القبض على مجموعات من الشباب السعودي، العديدُ منهم كان قد تلقى تدريباً في معسكرات بمناطق لبنانية مختلفة، بعضهم لبضعة أيام، فيما آخرون، ونسبتهم أقل، ممن كانوا يوصفون بـ”القياديين” تلقوا تدريباً مكثفاً في معسكرات مختلفة، وعلى مستوياتٍ عدة. كانت معسكرات “حزب الله” تستقبل الشُبان السعوديين، بتنسيق مع شخصيات عدة، أبرزها أحمد المغسل، الذي ألقت السلطات السعودية القبض عليه في آب 2015، والذي يوصف بأنه “العقل المدبر لتفجيرات الخبر”. أحد الجالسين في “مقهى الغراب” أعرفهُ بشكل شخصي جداً، شابٌ ذو صوت شجي في قراءة القرآن الكريم والأدعية، حيث كان متديناً تقليدياً، قبل أن ينخرط في تيار “خط الإمام”. هذا الشاب، بالتأكيد لم يذهب إلى معسكرات “حزب الله” وفي ذهنه القيام بعمليات إرهابية داخل المملكة، فـ”المؤمنون الطيبون”، وخصوصاً أصحاب الشخصيات العاطفية مثله، يتم إقناعهم بأن رحلتهم “الجهادية” هذه هي من أجل أخذ العدة لـ”زمن الظهور”، حين يخرج قائم آل محمد، الإمام محمد بن الحسن المهدي، والذي يجبُ على شيعته نصرته، ولذا، على الشباب أن يكونوا متهيئين لتلك الساعة، عملاً بما جاء في القرآن “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ”. هكذا يتم اختيار الصيغة المناسبة لكل فرد، فالبعض يتم تجنيده مباشرة بشكل واضح، وآخرون بشكلٍ مواربٍ، وفريق عن طريق الأصدقاء، ورهطٌ من خلال العزف على الوتر المذهبي؛ هي طرقٌ شتى، لهدف واحد: بناءُ شبكات عنقودية واسعة لـ”حزب الله الحجاز” تكون جاهزة للقيام بأعمال إرهابية في الداخل السعودي. صاحبُنا الذي كثيراً ما أراق الدمع رقراقاً من مآقي المتبتلين لله في لياليَّ الجمعِ والقدرِ، تلقى التدريب على السلاح لبضعة أيام، ليعود بعدها إلى السعودية، ويتم توقيفه هو ورفيقه والشخص الذي كان عرابهم بعد تفجير “أبراج الخبر”، ويمكث في السجن عددا من السنين، ليكون ضحية لأفكارٍ “ثورية” روجَ لها أشخاص أكثر منه دهاء وحيلة!

الإمداد والتجهيز
قبل تفجير “أبراج الخبر” بحوالي 3 أشهر، ألقت السلطات السعودية القبض على السيد فاضل العلوي، في منفذ “الحديثة” الحدودي، أثناء محاولته تهريب أكثر من 30 كلغم من المواد المتفجرة، مخبأة في سيارته، كان قد سلمها إياه أحمد المغسل، بهدف نقلها إلى داخل المملكة.

توقيف العلوي، دفع السلطات إلى إلقاء القبض على علي المرهون، الذي كان يدرسُ في “كلية الآداب” بـ”جامعة الملك سعود” في العاصمة الرياض، وكل من صالح رمضان ومصطفى المعلم، والأخير بعدها بأشهر، تم توقيف اثنين من إخوته، كانا يعملان لدى إحدى مؤسسات النقل التي تملكها عائلة “الشويخات”، وهي العائلة التي ينتمي لها جعفر الشويخات، والذي كان موقوفاً في سجن “الحائر” بالعاصمة الرياض، لدوره في التفجيرات التي طالت منشأة لشركة “صدف” للبتروكيماويات، بمدينة الجبيل شرق السعودية، العام 1988، حيث أطلق سراحه لاحقاً العام 1994، إلا أن اسمه عاد للظهور بشكل رئيسي كمشتبهٍ فيه مشارك في تفجير “أبراج الخبر” 1996، حيث ألقت السلطات السورية القبض عليه بطلبٍ من الحكومة السعودية، قبل أن تعلنَ أنه انتحر مبتلعاً صابونة في السجن، فيما يُرجح أنه تم تصفيته بتنسيق بين المخابرات السورية و”الحرس الثوري” الإيراني، حيث وري الثرى في محلة “السيدة زينب”، ودفنت معه مجموعة من الأسرار!

حلقة الوصل
كان أحمد المغسل، المشهور بـ”أبو عمران” حلقة الوصل بين غالبية الشباب الذي تلقى التدريب العسكري، والمنسق مع “الحرس الثوري” و”حزب الله” اللبناني، كونه الشخصية الأبرز في “الجناح العسكري” لـ”حزب الله الحجاز”.

أبو عمران، كان شخصية راديكالية، عسكرية، إلا أنه أيضاً صاحب فكاهة يعرف كيف يحبب الشباب له. ومن خلال تواجده الدائم والخدمات التي يقدمها للزائرين في بلدة “السيدة زينب” بسوريا، استطاع أن يجتذب العديد من “المراهقين” ويؤثر فيهم، ويجعلهم ضمن شبكاته المتفرعة.

تحشيد المجندين
العام 1994، بدأت “الحركة الإصلاحية” التي يقودها الشيخ حسن الصفار بالعودة إلى المملكة، وإنهاء أنشطتها الخارجية، وتبعها في ذلك عدد من التشكيلات اليسارية والتنظيمات الإسلامية. إلا أن أحمد المغسل، رفض الانخراط في المشروع، وبقي هو ومجموعة من المؤيدين لأفكاره في الخارج، ليعدوا العدة من جديد لترتيب صفوفهم وجلب المؤيدين.

علاقات أبو عمران المتشعبة في لبنان، جعلته قادراً على فتح أبواب معسكراتها لاستقبال أعداد أكبر من الشباب السعودي، وهذا الأمر بالتأكيد لم يكن يتم خلسة، دون علم القيادة السياسية أو العسكرية للحزب، بل كان جزءا من عقيدته في ما يطلقون عليه “دعم المستضعفين”، وتدريب “الحركات الثورية”، وهو ما كانت نتيجته لاحقاً عملية تفجير “أبراج الخبر”، التي جاءت تتويجاً لجهود الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني. العملية الأمنية التي أعقبت التفجير، كشفت عن حجم التدريب الذي تلقته مجموعات من الشباب، وكيف أن هؤلاء ولأسباب عدة (تحتاج لمادة تفصيلية تناقشها) انخرطوا في ممارسات لا قانونية، كانت ستقودهم للقيام بأعمال إرهابية تضر بالأمن والسلم الأهلي في وطنهم، وبالفعل عددٌ منهم تورط في ذلك بشكل مباشر.

اللبناني الغامض
ضمن الحلقات الغامضة في تفجير “أبراج الخبر” شخصية لبنانية، لم يتم القبض عليها، ولم يتداول اسمه هذا الشخص الحقيقي، وتم الإشارة إليه في بعض التقارير باسم مستعار، كونه على ما يبدو لم يكن يظهر شخصيته الحقيقية حتى لمن عمل معه من السعوديين. الشخصية اللبنانية التي رُسمت لها صورة مقاربة، من خلال إفادات الشهود لأجهزة الأمن السعودية، كان على صلة بـ”حزب الله” لبنان.

رعاية الحرسِ والحزبِ

المغسل الذي كان يقيم في ضاحية بيروت الجنوبية، وتحديداً “حي السلم”، كان يتردد على المملكة بهويات مزورة، وكان يأتي في موسم “الحج”، بجوازات مختلفة، بعضها إيراني! ورود اسم أبو عمران بشكل مركزي في التحقيقات مع الموقوفين، وسعي السلطات السعودية لإلقاء القبض عليه، جعله يتوارى عن الأعين، ويختبئ في أكثر من مكان. كانت الأجهزة السعودية تراقب تحركات المغسل وعائلته، وكل من يشتبه في صلتهم به، ومن ضمنهم بعض السعوديين الذين أُلقيَّ القبض عليهم حينما تم توقيف أحمد المغسل.ذات مرة، قَدَمَت المملكة معلومات دقيقة وموثقة  للسلطات الإيرانية، حول مكان إقامة المغسل، محددة المدينة والحي والشارع والمنزل؛ إلا أن طهران أنكرت وجوده هناك، حيث كان الحرس الثوري الإيراني يوفر له الحماية، فيما يكون تحت رعاية “حزب الله” حين يقيم في لبنان، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه العام 2015.

الدور التخريبي
إن دور “حزب الله” لبنان التخريبي تجاه السعودية لا يقفِ عند اليمنِ، وتدريب عناصر الميليشيات الحوثية، بل هو أقدم من ذلك بسنوات طويلة؛ وهو دورٌ أضرَ بالداخل السعودي. وانخراط بعض الشباب السعودي من المنطقة الشرقية في خلايا الحزب، أوقع مشكلات عدة في مجتمعاتهم المحلية في القطيف والأحساء والدمام، ودفعهم للصدام مع عائلاتهم، فضلاً عن أن ذلك كان مدخلاً استغلته التيارات المتشددة للتحريض الطائفي على المواطنين في المنطقة الشرقية. لقد كانت عملية “أبراج الخبر” الإرهابية، ذروة التخريب ضد المملكة، وهو تخريب استمر عبر التحريض الإعلامي، ونشر الدعاية السوداء، وتوفير الدعم اللوجستي لبعض العناصر الفاعلة في الخارجة، والمنتمية لـ”حزب الله الحجاز”، والتي ترفع شعار العمل المسلح ضد النظام في السعودية، وتبرر القيام بأعمال إرهابية في المملكة.

غيضٌ من فيض
ذلك شيءٌ مختصر من سيرة موسعة، يعلمُ تفاصيلها بشكل دقيق أمين عام “حزب الله” لبنان، حسن نصر الله؛ الذي عليه قبل أن يرمي التهمَ جزافاً تجاه الآخرين مدعياً قيامهم بأدوار تخريبية، أن يكفَ حزبه عن التدخل في شؤون الدول الأخرى بحجج واهية، مذهبية، تحت غطاء ديني؛ وهي التدخلات التي أضرت العديد من المجتمعات، وراح ضحيتها عدد كبير من الشباب وعائلاتهم، فيما “حزب الله” لا يرفُ له جفنٌ تجاه ضحاياها من الشباب السعودي، لأنهم مجرد وقود في معركة كبرى تهدف لأن تكون الغلبة فيها لـ”الولي الفقيه” لا لأحدٍ سواه.