الإسلام السياسي الجهادي، بشقيه السني والشيعي، يشكل تهديداً مستمراً لكل مجتمع يسعى للسيطرة عليه. في عقيدته، ينقسم العالم إلى فئتين: دار الإسلام، حيث يُفرض الحكم الإسلامي، ودار الحرب، التي يجب إخضاعها بكل الوسائل، بما في ذلك الخداع والعنف، حتى تتحول إلى دولة إسلامية.
هذه ليست مجرد نظريات، بل هي استراتيجية متجذرة في عقيدة الحركات الجهادية، تعود جذورها إلى اتفاقية الحديبية التي أبرمها النبي محمد مع اليهود عندما كان ضعيفاً، ثم نقضها عندما أصبح قوياً. اليوم، تُطبق الحركات الإسلامية هذه القاعدة ذاتها، سواء كانت سنية مثل الإخوان المسلمين، القاعدة، حماس، وبوكو حرام، أو شيعية بقيادة إيران وأذرعها في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
التاريخ يعيد نفسه: الإسلام السياسي واستراتيجية الحديبية
عندما وقع النبي محمد اتفاقية الحديبية، كان هدفه كسب الوقت حتى يزداد قوة. وعندما تغيرت موازين القوى لصالحه، نقض الاتفاق وهاجم حلفاءه السابقين. هذه الاستراتيجية لا تزال ركيزة أساسية في نهج الإسلاميين اليوم، حيث يعتمدون على التقية، أي إبرام الاتفاقيات عند الضعف ونقضها عند القوة.
أحد الأمثلة الحديثة لهذه الاستراتيجية هو الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب. عندما وقعت إيران الاتفاق النووي (JCPOA) في عام 2015، استخدمت التقية لخداع المجتمع الدولي، مدعيةً أنها ستتخلى عن طموحاتها النووية مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. لكن الحقيقة أن إيران لم تكن تنوي الالتزام بالاتفاق، بل استخدمته لشراء الوقت، لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتطوير برامجها الصاروخية، والعمل سراً على تقنيات تخصيب اليورانيوم. وعندما شعرت بالقوة الكافية، انقلبت على الاتفاق، ورفعت مستوى تخصيب اليورانيوم، وتحدت العقوبات الغربية، تماماً كما فعل محمد في صلح الحديبية.
الإسلام السياسي السني والشيعي: وجهان لعملة واحدة
لا فرق جوهري بين الإسلام السياسي السني والشيعي، فكلاهما يتبع نفس القواعد في التوسع والهيمنة. إيران، التي تمثل الإسلام السياسي الشيعي، لا ترى في الاتفاقيات سوى أوراق ضغط تستخدمها لترسيخ نفوذها، سواء عبر “تسويات” في لبنان وسوريا، أو عبر اختراق الحكومات في العراق واليمن. وبالمثل، تعمل الحركات السنية كالإخوان المسلمين وجبهة النصرة بنفس النهج، حيث تبدأ بالمهادنة، ثم تستغل أي فرصة لفرض مشروعها الأصولي بالقوة.
اتفاقيات أحمد الشرع في سوريا: تكرار للخداع الذي جسدته اتفاقية الحديبية
أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، أصبح اليوم رمزاً من رموز الإسلام السياسي بفضل الدعم التركي والقطري والتواطؤ الغربي القائم على الغباء السياسي. وكأصولي متشدد مؤمن باستراتيجية اتفاقية الحديبية، فإن كل الاتفاقيات التي يعقدها مع الأكراد والدروز وسائر الشرائح المذهبية والمناطقية في سوريا ليست سوى مناورات تكتيكية وليست اتفاقات حقيقية. التاريخ مليء بالأمثلة على كيف يستغل الإسلاميون الاتفاقيات فقط ليخرقوها لاحقاً. إيران فعلت ذلك مع الاتفاق النووي، وحماس استخدمت الهدن المتكررة لاستعادة قوتها قبل الانقلاب عليها. والشرع لن يكون استثناءً. كل من يثق باتفاقياته إما جاهل بالتاريخ أو يتعمد تجاهله. مستقبل سوريا تحت حكم الشرع واضح: كل اتفاق يوقعه اليوم سيتحول غداً إلى ورقة لا قيمة لها. فهو لا يرى في سوريا وطناً، بل ساحة حرب لنشر حكمه الإسلامي. كل من يعتقد أنه يستطيع التعايش معه وفق تسويات سياسية سيجد نفسه لاحقاً ضحية خداع الإسلاميين الذي لا يعترف بالسلام الدائم، بل فقط بالهدن المؤقتة التي تنتهي فور تغير موازين القوى.
النتيجة النهائية: لا حلول وسط مع الإسلام السياسي
لا يمكن الوثوق بأي اتفاق يُبرم مع الحركات الإسلامية الجهادية، سواء كانت سنية أو شيعية، لأنها جميعاً تستند إلى مفهوم اتفاقية الحديبية والتقية، أي توقيع الاتفاقيات عند الضعف ونقضها عند القوة. الاتفاق النووي الإيراني دليل جديد على أن الإسلام السياسي لا يمكن احتواؤه بالدبلوماسية. التاريخ واضح، والتجارب الحديثة تُثبت أن هذه الجماعات لا تفهم إلا لغة القوة، وأن أي تهاون أمامها ليس إلا مقدمة لصراعات جديدة ودمار قادم.