أحمد عدنان/موقع لبنان الكبير: البنود السرية في اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني تشعل سوريا

61

البنود السرية في اتفاق وقف إطلاق النار اللبناني تشعل سوريا
أحمد عدنان/موقع لبنان الكبير/06 كانون الأول/2024

ما كان ليحدث وقف إطلاق النار في لبنان لولا شرطين أصر عليهما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: حق الرد على أي تجاوز ترتكبه ميليشيا “حزب الله”، وإغلاق طريق السلاح الإيراني إلى الحزب عبر السيطرة على الحدود اللبنانية – السورية. ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية منحت نتنياهو ما يريد، في ظل الحديث الأميركي الواضح عن بنود سرية في اتفاق وقف إطلاق النار.

تجلى “حق الرد” الإسرائيلي من خلال ما تصوره اللبنانيون انتهاكات إسرائيلية لوقف إطلاق النار، لكن لم تصدر ولا إدانة لتلك “الانتهاكات” على عكس ما جرى مع قيام الحزب بقصف جبل دوف. استند الحزب الى بند يتحدث عن حق لبنان وإسرائيل في الدفاع عن النفس، لكن إسرائيل منذ بداية الحرب تقول إن معركتها ضد “حزب الله” لا ضد لبنان، وبالتالي فنص الاتفاق نفسه انحاز للغة إسرائيل. لكن موضوع الحدود اللبنانية – السورية كان موضع تساؤل، وتداول الإعلام أفكاراً عن قوات متعددة الجنسيات أو توسيع “اليونيفيل”، لكن الجواب ظهر من مكان آخر. أطلقت تركيا حلفاءها الإسلامويين مدعومة بمصلحة إسرائيلية وإيعاز أميركي – على الأرجح – بهدف قطع طريق السلاح بين إيران و”حزب الله” من داخل الأراضي السورية، لكن الانهيار الإيراني – السوري – الروسي فاق كل تصور.

وخطورة ما فعلته تركيا أنها قدمت – لأول مرة – صورة إسلاموية سنية منظمة ومنضبطة على غرار علاقة إيران بميليشياتها إلى حد كبير. كان باراك أوباما يقول للمعارضين السوريين ان الإرهاب الشيعي يمكن التعامل معه لأن كلمة واحدة من المرشد تحركه أو تمسكه، ويبدو أن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان نجح – إلى الآن – في تقديم نموذج مواز بينه وبين أتباعه أو أدواته سواء كان الاسم “هيئة تحرير الشام” أو أي اسم آخر.

بدأت عملية “ردع العدوان” بتفويض أميركي للأتراك حدوده قطع طريق السلاح داخل سوريا، لكن تجاوز هذا التفويض أتاحته الوقائع على الأرض، وفاقمته المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة من إدارة جو بايدن إلى إدارة دونالد ترامب، خصوصاً وأن الرئيس التركي يهمه إحلال النفوذ التركي محل النفوذ الإيراني في منطقة انسحب منها العرب ثم تعرضت فيها إيران لنكسة فادحة بعد حرب لبنان.

قد يبدو أن ما يجري في سوريا من مصلحة اللبنانيين، فقطع طريق السلاح وتدهور نظام الأسد مصلحتان لبنانيتان استراتيجيتان بلا شك، لكن في المقابل، إن انتقال عدوى “هيئة تحرير الشام” إلى داخل الأراضي اللبنانية – من خلال اللاجئين السوريين أو من خلال “الجماعة الإسلامية” وشبيهاتها – يضع لبنان – بذاته وكليته – في مأزق مرعب أو في خطر داهم. والخوف – كل الخوف – من أن تكون السيطرة التركية الظاهرة على الإسلامويين مرحلة موقتة أو صورة خادعة. ولا بد من الاعتراف، بأن الدول العربية المؤثرة، بحاجة إلى دراسة موضوعية وواقعية وجديدة عن الوضع السوري الداخلي، فانهيار نظام بشار الأسد المدهش إلى الآن، يشير إلى أن الرهان عليه لن يحقق الهدف المرجو منه، وتدفق الميليشيات المتأيرنة من العراق إلى سوريا لمساندة الأسد سيعيد المشهد إلى نقطة الصفر، وعلى ما يبدو أن الأغلبية السورية بعد كل ما قاسته تحت حكم الأسد لن تقاوم الإسلامويين إما عجزاً وإما يأساً وإما تجربة.
إن الرؤية العربية لمصالحها في الشام واضحة وصائبة، إذ يرى العرب أنه لا يمكن أن تكون سوريا متأسلمة ولا متأيرنة ولا مجزأة أو مفتتة، وإن قطع طريق السلاح هدف استراتيجي لا تراجع عنه، لكن الواقع يقول ان حساب الحقل ليس كحساب البيدر، لذا فإن سياسة الانكفاء التي انتهجها بعض العرب – اختياراً أو بحكم الظروف – لا يمكن أن تستمر.

يبدو العرب اليوم لأسباب كثيرة خارج المشهد السوري الذي تحكمه 4 عوامل: العامل الأميركي، والعامل الإسرائيلي، والعامل التركي، والعامل الإيراني، هل سيقنع أردوغان بتقاسم النفوذ؟ وهل ستسمح الولايات المتحدة أخيراً بإسقاط نظام الأسد؟ هل تفكير إسرائيل بإنشاء منطقة عازلة داخل سوريا سببه خوفها من سقوط الأسد أو أنها غضت الطرف عن “ردع العدوان” للمضي في إنشاء هذه المنطقة؟ وهل ستستسلم إيران؟ وهل سيقدم الإسلامويون صورة جديدة تختلف عن “طالبان” و”الإخوان”؟

لقد أمضت الدول العربية عقوداً في محاربة الإسلام السياسي من جهة ومحاربة المشروع التوسعي الإيراني من جهة أخرى، وإن أي حركة خاطئة في سوريا ستكلف المنطقة أثماناً أمنية فادحة، والأكيد أن الحلول البسيطة لم تعد ممكنة، لكن نقطة الانطلاق تبدأ من الأسئلة الصحيحة والجواب الدقيق: هل دعم بشار الأسد هو الطريق للمحافظة على الدولة المركزية السورية أو العكس؟ ما هي الآثار الأمنية والسياسية الناجمة عن تمدد تركيا في سوريا أو تعاظم الدور الإيراني من جديد فيها؟ وما هي آثار تهشم لبنان تحت المطرقة الإيرانية أو تحت القبضة التركية؟

يبدو المسار الذي يجب أن يسلكه العرب، يبدأ من مراقبة تشكل المشهد السوري الجديد ليبنى على الشيء مقتضاه، وإلى حينه يتم العمل على تشكيل ساتر سياسي يطوق سوريا فيتيح صد المخاطر واستيعاب التحولات والبناء على الإيجابيات انطلاقاً من إعادة التضامن الفاعل والكامل مع الدولة الأردنية، المستهدفة من إيران لتعويض خسائرها والمستهدفة من إسرائيل لتصفية الضفة الغربية.

ويكتمل الساتر السياسي في لبنان، إذ يبدو أن اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده السرية، كما أربك حسابات المنطقة، قد يكون هو المفتاح لإعادة ترتيبها، فالاهتمام بإعادة إنتاج السلطة وبناء الدولة في لبنان من خلال انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة وتأليف حكومة فاعلة ومتجانسة، وكل ذلك وفق معايير الكفاءة والنزاهة والوطنية، هو ما سيخفف الأعراض الجانبية للمشهد السوري على لبنان وسيتيح مستقبلاً التأثير الإيجابي على ذلك المشهد، والخطأ في هذه العملية من خلال التسليم برئيسين أقرب الى المحور الإيراني أو ضعيفين أمامه، سيفقد العرب عوامل التأثير وسيفتح عليهم كل أبواب جهنم.