عملاء إلى الأبد…فلكم ارتكبت المعاصي بإسمك يا فلسطين، وكم من مشروع أتى وذهب فهل سيشهد تاريخنا، تاريخ لبنان العريق أفواج عملاء إلى الأبد. د. رندا ماروني/17 تشرين الثاني/2024
عندما إعتلى آية الله أحمد علم الهدى المنبر، وهو العضو في مجلس خبراء القيادة وممثل الولي الفقيه في محافظة خراسان، ليرشد سامعيه في أواخر عام ٢٠١٩ أمام جامع مدينة مشهد الإيرانية، بعد هزات داخلية ومعارضة قوية ظهرت تتناول سياسة إيران الخارجية فيما الشعب الإيرني يعاني ويرزخ تحت مستوى خط الفقر، ليقول مبررا، إيران اليوم ليست فقط إيران، ليست محددة بالحدود الجغرافية، اليوم، الحشد الشعبي في العراق هو إيران، حزب الله في لبنان إيراني، أنصار الله في اليمن إيراني الجبهة الوطنية في سوريا هي إيران، الجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين هما “إيراني”حسب لفظه، جميعهم يأتون إيران، لم تعد إيران فقط نحن، سيد المقاومة نصرالله أعلن أن المقاومة في المنطقة لها إمام واحد، وهذا الإمام هو المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهل تدركون حتى أين هي إيران؟ هل تريدون أن تعلموا أين هي؟ أليس جنوب لبنان هو إيران؟ أليس حزب الله هو إيران؟ طائرات الدرون اليمنية التي تسببت بأضرار جسيمة للسعودية، أليست إيران هناك، يقولون إن طائرات الدرون أتت من الشمال وليس من الجنوب، شمال أو جنوب ما الفرق؟ إيران هي شمالكم وجنوبكم.
هذا الإنفلاش الإيرني الذي أتت به السياسات الأميركية من خلال سياساتها الربيعية التي أولت من خلالها شأن الشيعة العرب لإيران الفارسية، وأيقظتها من سباتها لتستعيد الأمجاد الإمبراطورية القديمة التوسعية فكانت الإعادة على الصعيد الجغرافي التوسعي وكانت الإعادة نفسها في الحياة الإقتصادية أما في الحالة الدينية والفكرية فقد استجد الجديد في شكله أما في مضمونه هو هو أو هو نفسه، لقد كانت تحكم بلاد إيران الإمبراطورية الساسانية في القرن السابع الميلادي وكان الفرس هم مكون الدولة الأساسي، إنما أخضعوا التركي في بلاد ما وراء النهر، وأخضعوا العرب في العراق، وكانت حدودها الغربية غير مستقرة حسب قوتها، فأحيانا تغلب على أطراف بلاد الشام كما حدث سنة 614 ميلاديا عندما إجتاحت بلاد الشام وإستولت على بيت المقدس، ولم يستسلم هرقل إمبراطور الروم بل أعاد تنظيم بلاده وإعداد جيوشه وهزم الفرس في آسيا الصغرى سنة 622م، ثم إستعاد منهم سوريا سنة 625م، ثم هزمهم سنة 627م، قرب أطلال نينوى، مما أدى إلى ثورة العاصمة ضد “كسرى” الثاني، وعقد خليفته “شيرويه” الصلح مع هرقل، على أن أحوال الدولة الفارسية لم تستقر بعد ذلك، إذ تكاثرت الثورات والإنقلابات الداخلية، حتى تعاقب على عرش فارس في التسع سنوات التالية أربعة عشر حاكما مما مزق أوصال دولة الفرس، وجعلها مسرحا للفتن الداخلية، حتى أجهز عليها العرب المسلمون.
أما في الإقتصاد، فلقد إحتكر الأقوياء الثروة ومصادرها، وزادوا من ثرائهم بالضرائب الثقيلة التي فرضوها على الضعفاء من الفلاحين الذين كانوا تابعين للأرض ومجبرين على السخرة ويؤخذون إلى الحروب بغير أجر ولا إرادة، فإزدادوا فقرا وتعاسة، وفرضوا الجزية على سكان المدن الذين عملوا بالتجارة والحرف، وكان جباة الضرائب يعملون على إغتصاب الأموال، وفرضها بعشوائية ويسيئون تقديرها حيث تفرض بصورة إعتباطية خاصة وقت الحروب.
أما من الناحية الدينية فلم يعرف الفرس الديانات الإبراهيمية التي سبقت ظهور الإسلام إلا لنطاق محدود جدا، وكان أكثرهم من معتنقي الزرادشتية دينا للدولة، وحاول “كسرى الثاني”، تجديد الزرادشتية وإحياء معابد النيران ونشر تفسسر جديد لكتابها” الآفستا”، وكانت عقوبة من يخرج عليها الإعدام، وتقوم العقيدة الزرادشتية على “الثنوية” أي وجود إلهين في الكون هما إله النور “أهورامزدا”، وإله الظلام “أهريمان” وهما يتنازعان السيطرة على الكون، ويقف البشر الأخيار مع إله الخير، والأشرار مع إله الظلام، وتقدم الزرادشتية النار، وقد أقيمت معابد النيران في أرجاء الدولة، ويعرف رجال الدين الزرادشتيون بالموابذة وكل منهم يرأس مجموعة يسمون الهرابذة وهم الذين يخدمون نار معبد كل قرية، ولم يصبح التشيع ذو أغلبية بين سكان فارس حتى مجيء عهد عباس الأول(١٥٨٧-١٦٢٩) الذي كان يكره أهل السنة بالتحول إلى المذهب الإثني عشري.
وبالرغم من الاختلاف حول تاريخ نشأة مفهوم ولاية الفقيه والاختلاف حول مضامينه في قلب البيت الشيعي نفسه إلا أنه تصدر المشهد بعد الثورة الإسلامية في إيران، وارتفعت وتيرة الخلاف حول المضمون بعد هذا التصدر، فكان تفسير الإمام الخميني لولاية الفقيه، بأن نفس الولاية التي كان يمتلكها رسول الله والإمام في تأسيس الحكومة وتولي إدارتها، يمتلكها الفقيه، وهذه الصلاحيات التي فرضها الخميني وشرعها لنفسه كانت وما زالت عرضة للجدل والنقد وعدم القبول بين أصحاب الفكر وقد أكد آية الله علم الهدى، عضو مجلس خبراء القيادة، وممثل الولي الفقيه في محافظة خراسان، بأن السيد الخامنئي معصوم، والمعصومون في العقيدة الشيعية، هم رسول الله محمد وابنته فاطمة الزهراء، والأئمة الاثنا عشر من نسل الإمام الأول علي بن أبي طالب وفاطمة، حيث يعتقد الشيعة بأنهم مخولون من الله بنشر تعاليم الإسلام لذلك عصمهم الله من الذنوب والمعاصي، صغائرها وكبائرها، فلا يمكن أن يرتكبوا شيئا من ذلك، وإتهم آية الله كل شخص يشكك بأن القائد ليس معصوم ويمكن أن يخطئ، هو إما مجنون وإما من الأعداء ويريد أن يدمر هذا النظام.
وأعلموا إن هذا الكلام هو محاربة للرسول الأكرم إنزال هذه الهالة الإلهية على شخص الإمام الخميني، وبعده الخامنئي، شكلت ركيزة أساسية لنظام الثورة الإسلامية، لسحق معارضيها في الداخل بإسم الله ولسفك دماء من لا يتبناها في عصر الفتوحات الربيعية المرسرمة أميركيا، والمنفذة فارسيا خارج الحدود بإسم الله أيضا، فأنتشرت أحزاب الله، وحروب الله، وإنتصارات الله فإخترقت وتمزقت الدول العربية بتوجيه أميركي وبيد فارسية (مشروع الشرق الأوسط الجديد)، وحل الخراب في العراق واليمن وسوريا ولبنان وفلسطين.
فلسطين التي شكلت نقطة تحول مسار في هذا المشروع بعد حرب ٧ تشرين كردة فعل فارسية على مفاوضات السلام التي كانت جارية بين المملكة العربية السعودية واسرائيل، لتثبت طهران أيضا بأن فلسطين تحت الوصاية الإيرانية من خلال حركة حماس الموالية لها، ولها وحدها الكلمة الفصل في أي عملية سلام ليس نصرتا لقضية فلسطين العربية بل تأكيدا على نفوذها على أرض فلسطين وضمها إلى مستعمراتها المترامية وقبضتها المحكمة، حيث لا سلطة للشرعية الفلسطينية بطرح مشاريعها وتوجهاتها طالما يد إيران تطال الداخل الفلسطيني.
وهذا ما توضح أيضا في لبنان بعد حرب الإسناد الخائبة حيث لا سلطة ولا نفوذ للدولة اللبنانية على العمل للحد من خسائر هذه الحرب، لتثبت طهران مرة أخرى من خلال موفديها بأن الأمر لها وبأن لبنان لا زال يرزح تحت الوصاية الإيرانية وتحت حكم الإمام الإيراني (وجه الخراب والبوم)، فآية الله الهدى في حديثه عن إيران ليست هي إيران وحدها، وعن إمتداد إيران المترامي وعن أن لبنان إيراني، لم يأتي من فراغ ولم يأتي عن عبث، لأن هناك من مهد له الطريق في الداخل في إطار الصراع على السلطة في لبنان، للانقضاض على الداخل والانقضاض على الدولة والمؤسسات والاستئثار بالسلطة وتسخيف وتمزيق الدستور وارتكاب المعاصي والجرائم دون حساب، ونحر القومية اللبنانية بصياغة أفكار وعناوين فوق قومية، ومد اليد إلى الخارج وتبرير تهمة العمالة بإلقائها على الآخرين، والحجة الجاهزة دائما نصرة “القضية الفلسطينية”، ولكن الحقيقة سلحونا ودعمونا لنستلم السلطة حتى لو خرب البلد، فلكم ارتكبت المعاصي بإسمك يا فلسطين، وكم من مشروع أتى وذهب فهل سيشهد تاريخنا، تاريخ لبنان العريق أفواج عملاء إلى الأبد.