الكولونيل شربل بركات: المفتي قبلان والمصير المؤلم/Colonel Charbel Barakat: Mufti Qabalan and the Painful Fate

253

Mufti Qabalan and the Painful Fate
By Colonel Charbel Barakat/November 07, 2024
(Freely translated from Arabic and quoted by Elias Bejjani, editor and publisher of the LCCC website)

المفتي قبلان والمصير المؤلم
الكولونيل شربل بركات/07 تشرين الثاني/2024

في أواخر الحروب الصليبية وبالتحديد بعد أن قتل بيبرس وأصحابه السلطان المملوكي قطز، الذي كان قادهم للنصر ضد جيش هولاكو المغولي في معركة عين جالوت وكانت وقعت سنة 1260م، وهم في طريق العودة باتجاه مصر فور انتهائهم من المعركة، تسلّم بيبرس السلطنة وقام بشن الحروب على المدن الصليبية التي كانت تحميها اتفاقات معقودة بينها وبين دولة المماليك تمنع التعديات من الجانبين. وبالتالي وصل به الأمر لتفريغ منطقة جنوب لبنان من السكان بعد سلسلة من المعارك التي هدم خلالها قلاع صفد وتبنين وهونين ونمرود ومارون وغيرها من الحصون التي كانت تحمي المنطقة وتؤمن استقرار السكان وأمنهم فيها. ومن ثم هدم القرى والمدن ومنع السكن حتى عمق أربعين كيلومتر من البحر، مدعيا بأن هؤلاء السكان سيساعدون الصليبيين للعودة والاستقرار في المنطقة.

كانت هذه المرة الأولى التي تخلى فيها هذه المنطقة من سكانها بسبب تعنت بيبرس، وربما كان هذا القرار لالهاء الناس عن عملية الانقلاب على السلطان قطز وقتله واشغالا لمعاونيه بالحرب بدل التحول إلى التخطيط لقتله هو كما كان فعل مع سابقه. ولكن النتيجة كانت تفريغ المنطقة من سكانها المسيحيين والشيعة والدروز وغيرهم، حيث انتقل هؤلاء للسكن في الداخل أي منطقة حوران أو أبعد باتجاه البقاع والسلسلة الشرقية من جبال لبنان للشعور بالأمان، خاصة وإن حروب بيبرس وقلاوون من بعده طاولت المدن الساحلية حتى جبيل وطرابلس حيث دمرت منطقة بشري بكاملها بعد خيانة المقدم سالم (عن طمع أو سذاجة؟) خلال غزوة قلاوون التي كانت تهدف للوصول إلى طرابلس.

هذه المقدمة هي محاولة لتذكير المفتي قبلان وغيره من المنظورين في الطائفة الشيعية الكريمة والساعين لتزوير التاريخ وجعل لبنان موطنا للشيعة فقط بدفع من الإيرانيين، بدل أن يروا فيه ملجأً لكل المختلفين بالفكر والعقيدة والذين تحميهم مناعة الجبال وقلة الخصب في نفس الوقت، ليصبح وطنا مميزا للذين يهمهم حريتهم ومعتقدهم أكثر من الثراء والبحبوحة، إذ تساند هذه الحرية صعوبة الجغرافيا. وكما كان بيبرس وقلاوون وغيرهم من قادة المماليك، وكذلك ابن تيمية وفتاواه التي أحلت قتل الشيعة والدروز والاسماعيلية والعلويين وكل المختلفين عنهم، بحجة أنهم خوارج عن الدين اضافة إلى تكفير المسيحيين واليهود بالطبع، لم يبق في هذه المنطقة أثر للسكن في تلك المرحلة سوى بعض الأبراج كمراكز انذار على امتداد الساحل.

اليوم وفي ظل تشاوف حزب الله وخطط السيطرة التي يغزيها جنون العظمة عند ملالي إيران حيث، وعلى غرار بيبرس، قاموا بافراغ سهول سوريا ومدنها من سكانها وتهجيرهم لتغيير الديمغرافيا. ومن ثم أقنعوا أمثال صديقنا المفتي ابن ميس الجبل بأن سكان لبنان من غير الشيعة ليس لهم مكان في لبنان، ويجب أن يرحلوا بالذل أو بالهوان، بالضغط أم بالافقار، وفي كل الحالات تحت تهديد السلاح وعنجهية “المقاومة” ومشاريعها التدميرية وتغييب العدالة والقانون. فأين شيعة الحق من كل هذا؟

نقول للسيد المفتي ابن منطقتنا العزيزة حيث بقي للناس كرامات ومفاهيم مجتمعية، بأن الغرور والعظمة الفارغة ها هي تفرغ الجنوب من أهله، وتدمر كل ما بناه الجدود؛ من جامع أبو ذر الذي بقي دلالة على تاريخ هذه المنطقة باستقبال المظلوم، إلى الاسواق والمدارس والبيوت العامرة وحتى المستشفى، ها هي تدمّر وتفجّر لكي لا يعود ويسكنها أحد. فهل إن حزب الله هذا الذي تتغنون به وباصراره على القتال الفارغ من أي منطق سيعيد إلى ميس الجبل بيوتها المدمرة وساحاتها العامرة؟ أو هل إن الدفع الإيراني للاستيلاء على أراضي الغير في جبل لبنان، إن بين الدروز أو الموارنة، سيعطي طمأنينة للشيعة المطرودين من بيوتهم ومن أرزاق أجدادهم؟ أو هل سيعيد لهم ذكريات العز وأيام الجهد في الحقول وبين أشجار الزيتون والتين وعرائش الكروم؟ أم أننا ساندنا غزة لنصبح مثل أهلها مشردين بدون مأوى وبدون وطن كما سكان المخيمات الفلسطينية التي حاول الحزب أن يستغلها، وبدل أن ينقل أهلها من بؤسهم ويسكنهم في بيوت صالحة ها هو ينقل أهله من بيوتهم ويسكنهم في مخيمات الذل هذه، يتقاتلون مع ابناء وطنهم الذين أفقروهم وهدموا دولتهم في سبيل دولة الفقيه التي لم تشبع شعبها، بالرغم من أموال النفط والغاز ووقوعها على مفترق طرق التجارة العالمية بين آسيا الوسطى والصين والهند وخليج النفط والبحبوحة وسهول الهلال الخصيب وأنهاره؟

كان المرحوم المفتي عبد الأمير قبلان، الذي عاش طفولته وشبابه في ميس وبقي له فيها ذكريات وأهل وأقارب وأصدقاء، مهتما بقريته وبمصير أبنائها ويعرف حق المعرفة أهمية الجيرة والهدوء عبر الحدود، ولذا عندما سأله الأهل بعد دخول الجيش الاسرائيلي إلى لبنان سنة 1978 وفتح بوابة عند حدود البلدة، ماذا نفعل؟ كان جوابه وقد ذكرناه سابقا، “إذا أغلقوا البوابة اقفزوا فوق الشريط”، ما معناه أن عليكم التمسك بالأمن عبر الحدود ولا تتركوا سببا لخلق المشاكل. وهكذا وقفت ميس وغيرها من قرى المنطقة الحدودية مع “التنسيق”، وساهمت بالحفاظ على الهدوء ومنع أي كان من التعدي على الجيران الاسرائيليين. فالتزمت بمجموعة من الحرس الوطني في البدء، ومن ثم التحق أبناؤها ككل المنطقة بجيش لبنان الحر وبعده جيش لبنان الجنوبي بدون عقد ولا مركبات نقص. وهكذا مر أكثر من عشرين عاما والوضع مستقر بالرغم من عمليات حزب الله خارج المنطقة، ومن ثم محاولته استدراج بعض أبنائها للعمل معه وتخريب السلم الأهلي.

الاسرائيليون اليوم يعانون من التهجير تماما كما أهالي المنطقة، ولكن جيشهم يحاول تنظيف المناطق القريبة من الحدود لمنع التعدي مستقبلا في حال عودة السكان، فماذا ننتظر؟ أن يكمل تنظيف هذه المنطقة ثم ينتقل إلى أخرى ويحتل هذه المرة جزء من الجنوب وينشئ فيه مستعمرات ويبقى اهل المنطقة لاجئين في غير ديارهم؟ أم أن الوقت قد حان لنعيد الحسابات ونعرف أن نحاور ونتفق على وقف القتال والعودة إلى احترام الجيرة وأمن الحدود لكلا الطرفين فنعيش بسلام وبدون عقد؟ وماذا يمنعنا عن ذلك غير الأوامر الشاهانية؟

لا نريد التكلم مع جماعة الحزب لأنهم موظفون ملتزمون بالأوامر، ولكننا نتكلم مع بقية المواطنين، وخاصة أبناء القرى الحدودية التي سمحت للشر أن يتغلغل فيها تحت تأثير عنجهية الحزب، وبدون تفكير بالمصير والمستقبل. ولهؤلاء نقول تعالوا نطلب من الدولة أن تلتزم بقرار وقف النار وتأمر جماعة الحزب على التسليم بالهزيمة وترك السلاح. علنا نقدر أن نقنع الجار، ولو أنه لسع من جحرنا مرة (ولا يلسع المؤمن من الجحر مرتين)، بأننا تعلمنا الأمثولة ولن نعود إلى الحرب مجددا، بل سنسعى إلى السلم. وليبقى كلٌ منا ضمن حدوده ولنفتح صفحة جديدة، لأنه إن لم يقم ابناء هذه القرى بالمبادرة فلن يفعلها أحد، وانتظار طهران هو خطأ تاريخي سنندم عليه. فلنعد إلى صوابنا ولنقلع عن التشاوف الذي خلق لنا أعداء كثر في الداخل والخارج. ولم يفد السلاح إلا بقتلنا وهدم بيوتنا وقرانا.

“Mufti Qabalan and the Painful Fate”
By Colonel Charbel Barakat/November 07, 2024
(Freely translated from Arabic and quoted by Elias Bejjani, editor and publisher of the LCCC website)
Introduction
Colonel Charbel Barakat, a retired Lebanese Army officer, historian, terrorism expert, and author of numerous works on Lebanon, the Iranian regime’s schemes, and jihadist movements, has testified multiple times before the U.S. Congress on critical issues, including Iranian and Syrian terrorism, the Syrian occupation of Lebanon, jihadist threats, and the pursuit of Middle East peace.
In his editorial of today, Colonel Barakat speaks directly to the Shiites of Lebanon and their political and religious leaders, urging them, “Heed the lessons of history. Do not repeat it in ways that serve Iranian agendas.” He warns against allowing “arrogance and an excess of power” to draw Lebanon’s Shiite community into Iranian schemes aimed at depopulating Lebanon, transforming it into a Shiite stronghold, and aligning it with the ideological visions of the Iranian mullahs.
Reflecting on his deep personal connection to South Lebanon, Barakat recounts, “I have lived through the turbulent events of the 1970s and beyond, witnessing firsthand the impact of military, security, and political challenges.” Drawing on historical examples, he advises Hezbollah and specifically Shiite Mufti Qabalan, stating, “Cease repeating the mistakes made during the Mamluk rule.”Barakat argues that the distorted retelling of history by Mufti Qabalan and Iran “will only lead to more suffering and tragedy for Lebanon.” He emphasizes, “Let us not fall prey to illusions of power that erase Lebanon’s diversity and unity.”Through his message, Barakat calls on Lebanon’s Shiite community to resist ideologies that seek to “alter Lebanon’s historical identity and foster division.” He urges, “Our country must not become a pawn in foreign agendas. Let Lebanon stand as a beacon of peace, freedom, and coexistence.

”Mufti Qabalan and the Painful Fate”
Colonel Charbel Barakat / November 7, 2024
Colonel Charbel Barakat begins his analysis by recalling, “In the late Crusader period, specifically after Sultan Baibars and his allies assassinated Mamluk Sultan Qutuz—who had led them to victory over Hulagu’s Mongol army at the Battle of Ain Jalut in 1260—they claimed authority over Egypt.” He emphasizes that Baibars assumed the sultanate after Qutuz’s assassination and, immediately upon his return, launched attacks on Crusader cities. He highlights, “These Crusader cities were protected by mutual agreements with the Mamluks that ensured non-aggression, yet Baibars disregarded them entirely.”

Barakat explains that Baibars’ campaigns led to the depopulation of South Lebanon, stating, “He emptied the area of inhabitants after destroying strongholds such as Safed, Tebnine, Hunin, Nimrod, Maroun, and other fortifications that protected the stability and security of the region.” He notes, “Baibars went as far as to raze villages and towns, forbidding habitation within 40 kilometers of the sea, under the claim that these inhabitants would support the Crusaders’ return to the area.”

Reflecting on Baibars’ motives, Barakat suggests, “Perhaps this brutal decision was a tactic to divert people’s attention from his coup against Sultan Qutuz, as he occupied his followers with war instead of allowing them to plot against him.” However, he concludes that the outcome was the same: “Baibars’ actions led to the displacement of Christians, Shiites, Druze, and others who sought safety by relocating inland—to places like the Hauran region or further toward the Bekaa Valley and the eastern mountains of Lebanon.”

Barakat also recalls, “Notably, Baibars’ and later Qalawun’s campaigns extended to coastal cities, from Byblos to Tripoli, destroying the entire Bsharri area after a betrayal by Salim, a local leader, during Qalawun’s assault aimed at capturing Tripoli.” He questions whether Salim acted out of greed or naïveté, yet he underscores the devastating impact of these invasions on the region’s inhabitants.

“This historical prelude,” Barakat explains, “serves as a reminder to Mufti Qabalan and other Lebanese Shiite leaders who, manipulated by Iranian forces, seek to rewrite history and transform Lebanon into an exclusively Shiite territory.” He warns that rather than seeing Lebanon as a haven for people of diverse beliefs and ideologies, some leaders aim to reshape Lebanon to fit the ideologically driven agendas of the Persian mullahs. He asserts, “Like Baibars, Qalawun, and the fatwas of Ibn Taymiyyah, who justified the killing of Shiites, Druze, Ismailis, Alawites, and all who differed from them, these Iranian mullahs seek to distort the region’s demographic and historical landscape under the pretense of purging ‘infidels.’”

Colonel Barakat states, “Today, as Hezbollah’s arrogance grows and as the mullahs in Iran grow increasingly delusional with dreams of dominion, they’ve already displaced entire populations from Syria’s plains and cities to alter the demographic balance.” He criticizes Mufti Qabalan for echoing these dangerous ideologies, claiming that, “Figures like our friend Mufti Qabalan of Mays al-Jabal have been convinced that non-Shiite Lebanese have no place in Lebanon.” Barakat condemns this ideology, which suggests that non-Shiites must leave “whether through humiliation, impoverishment, coercion, or at gunpoint, imposed under the pretense of ‘resistance’ and its destructive projects that undermine justice and law.” He poses the question, “Where are the Shiites of truth in all of this?”

Addressing Mufti Qabalan directly, Barakat urges, “To Mufti Qabalan, a son of our cherished region where people still value dignity and community, I say this: the hollow arrogance you’ve adopted is emptying the South of its people and destroying everything our forebears built.” He refers to iconic sites and infrastructure, observing, “From the historic Abu Dhar mosque, a symbol of welcoming the oppressed, to the bustling markets, schools, homes, and even the hospital—everything is being demolished so that no one can live there again.” He questions Hezbollah’s role, asking, “Will this Hezbollah you praise, with its relentless and illogical warfare, restore the ruined homes and busy squares of Mays al-Jabal?”

He continues, “Will Iran’s backing to seize lands in Mount Lebanon, whether from the Druze or the Maronites, bring any comfort to the displaced Shiites driven from their homes and ancestral lands?” He emphasizes, “Will it return to them the memories of pride and the hard work they put into their fields, among the olive and fig trees and vineyards?” Barakat suggests that their situation is comparable to that of Gazans, with “its displaced people and stateless citizens, akin to Palestinian refugees in camps that Hezbollah tried to exploit.”

Recalling Mufti Abdul Amir Qabalan’s more peaceful approach, he explains, “The late Mufti Abdul Amir Qabalan, who grew up and spent his youth in Mays and held deep ties to the village, understood the importance of neighborly relations and calm across the borders.” When the residents asked him about their course of action following the Israeli army’s entry into Lebanon in 1978, Barakat recounts, “His response was clear: ‘If they close the gate, jump over the fence.’” He clarifies that this was a metaphor for maintaining stability and avoiding any cause for conflict.

Barakat states that this wisdom led Mays and other border villages to embrace a “coordination” approach, which contributed to peace and deterred hostility against the Israeli neighbors. He notes, “People joined the local National Guard, then the Free Lebanon Army, and eventually the South Lebanon Army without resentment or insecurity.” He points out, “For more than twenty years, stability reigned, despite Hezbollah’s operations outside the region and its attempts to lure residents into unrest.”

Barakat reminds readers of the dire situation today, explaining, “Today, Israelis face displacement much like our own residents, as their army works to clear areas near the borders to prevent future attacks when people return.”