الكولونيل شربل بركات/الحنتوش… بين الذكرى والتطويب

99

الحنتوش… بين الذكرى والتطويب
الكولونيل شربل بركات/03 آب/2024

منذ سنة مرت “مثل أمس الذي عبر”، وقبل أن نحسب الأيام لكثرة الأحداث والمواقف التي تتالت، وقفت لتشهد أمام الناس بأنك تحمل صليبك بكل فخر لتضيء به طريق الحرية وتعيد النفس والعنفوان للأحرار الذين أعتقد الظالمون بأنهم سحقوا وذلوا وبأن قتلك سينهي تململهم ويؤد البطولة التي تغذي استمراريتهم وتقود إلى الثورة على الاستبداد والقهر.

ومنذ أربعة قرون قام في قلب لبنان بطريركا قديسا جمع التراث والتاريخ إلى الطموح والعنفوان وتعاون مع المختلف فيه ليبني بلد المؤمنين المتجذرين بالأرض فينطلق منها شعاع الشرق النابض بالحرية والحياة.

في ذكرى استشهادك بكل جرأة ووقوفك بوجههم بكل عنفوان، في يوم الاحتفال بازاحة الستار عن صليب الصمود والفخر الذي رسخه نضالك في بلاد القهر والعنف والتي جرّحها غيّهم وأفرغها حقدهم ولطّخ بطولتها غباءهم واستعبادهم للظلمة والرجعية، في نفس ذلك اليوم أعلن تطويب بطريرك لبنان ابن الجبة المباركة التي منها عدنا نزرع هذه الأرض بالمحبة والنشاط ونطلق معها بزار المستقبل الواعد على طريق القداسة التي باركتها دعسات السيد ولفتة أمه العذراء.

يوم ولد الطوباوي في اهدن سنة 1630 كانت مزرعة عين إبل تستقبل أول كاهن رعية لها وقد تخرج من المدرسة المارونية التي نهل منها لاحقا البطريرك القديس وبنى من على مقاعدها مداميك تاريخه المجيد.

حنتوش…
يوم قتلوك بكل غدر اعتقدوا بأنهم قهروا روح البطولة فينا وأخافوا من حولك لكي يسود الذل بيننا، ولكنهم لم يعلموا بأنهم بقتلك نفضوا الغبار عن روح المقاومة الحقيقية التي لم تنطفيء نارها، والصمود الذي زرعته بين العقول والأفئدة لم يخبو، وها هم تلامذتك ورفاقك لا ينامون الليل يشحذون أفكارهم وينغرسون أكثر فأكثر بالأرض التي أحببت ويتعلقون بالروح التي من أجلها قاومت وناضلت.

سنة مرت صحيح، والقتلة وأسيادهم الذين حاولوا ارهاب الكل بقتلك لم يهنأ لهم بال بعد وها هم يتساقطون كأوراق الخريف بدون أسف، فمن يعتدي على الأحرار الذين يبنون للمحبة والخير تقطفه يد القدير وتدفع به ليغوص في شر أعماله ومخططاته.

حنتوش…
شاهدنا بالأمس تلك الجموع التي انطلقت، من قصر الصنوبر الذي شيدت بالعمل والجهد فأصبح معلما، بمسيرة شموع وصلاة إلى مكان خطفك من قبل الخونة الغادرين الذين اعتقدوا بأنهم سينجون بفعلتهم، وكما قتلوا أحرار لبنان سابقا لن يعرف أحد هويتهم، ولكنهم سقطوا في شر افعالهم وفضحوا من حيث لا يدرون، وبدل أن يكموا ألأفواه بفعلتهم أطلقوا ثورة الكرامة التي لن تستكين، وستحرقهم في جحورهم ولن يهنأ لهم بال.

تطويب البطريرك القديس الذي كتب تاريخ الأزمنة وفاخر بشعب لبنان وتعاونه سيكون نقطة تحول بدون شك في مسيرة هذا البلد الذي تحميه السماء. ونحن بايماننا العميق نعرف بأن عين إبل وأخواتها على الحدود ستزهر من جديد بالرغم من المآسي، وسيرتفع تمثال ام النور التي عمل الحنتوش بكل جهد وفخر لكي يتحقق الحلم به، وكان آخر منجزاته تأكده من انتهاء العمل بالقاعدة التي سيثبت عليها، وهو اليوم قد اضاف برحيله سببا جديدا لنزيد تعلقا بالإيمان ونرفع صليبنا بكل فخر.

وكما ذلك البطريرك ابن اهدن شهد للبنان والكنيسة كذلك ابن حصرون وبشري والحدث وغيرها الذين تجذروا في هذه الأرض الطيبة سينبتون رفقة القديسة وابراهيم ويوحنا والكثيرين من أعلام لبنان ليصبح الجنوب أرض القداسة كما الشمال الذي منه أتينا متحدين كلنا عاملين على نشر النور بدل الظلمة والفرح بدل الكآبة.

فيا أم النور بصلوات القديسين أمثال الطوباوي مار اسطفان وبتضحيات الأبطال المناضلين أمثال الحنتوش ورفاقه باركي هذه البلاد وأحمي أبناءها من شرور القتلة وأسيادهم وأعيدي الطمأنينة لها فتزهرالأفراح بيننا من جديد وننطلق في موكب النور مرنمين لك رافعين صليب ابنك الحبيب عنوانا للكرامة وشعارا للعنفوان…

حنتوش… سنة لا بل دهر… لن تنسى وستبقى أنت العلم والمعلم وأنت المدافع عن الحق وأنت صانع الأعاجيب… فأرقد بسلام ايها الصديق العزيز فقد صنعت المجد بموتك كما كنت تصنعه بحياتك.. وابتسم من عليائك فسوف يتحقق حلمك ويعود لجنوب لبنان سلامه واستقراره بصلوات القديسين وبركة أم النور…