الجماعات الإسلاموية… خنجر في خاصرة الاوطان فيصل نصولي/موقع أكس/09 حزيران/2024
لم يعد خافياً على أحد حقيقة الدور المشبوه والتخريبي الذي تلعبه الجماعات السياسية ذات الطابع الحزبي والمذهبي، كالإخوان المسلمين والتنظيمات الموالية لإيران، في مجتمعاتنا العربية. فهذه الجماعات، التي طالما تغنت بشعارات الإسلام والمقاومة والممانعة، باتت اليوم تشكل خنجراً مسموماً في خاصرة الأوطان، وأداةً طيعة لتنفيذ أجندات القوى الأجنبية الساعية للهيمنة والتوسع على حساب دولنا وشعوبنا. فتحت ستار الدين وقدسية “المشروع”، تعمل هذه الجماعات جاهدة على شق الصف الوطني وتأجيج الفتن الطائفية والمذهبية، ضاربةً عرض الحائط بكل مقومات الدولة الحديثة ومبادئ المواطنة والتعايش.
وهي في سبيل تحقيق مصالحها الحزبية الضيقة، لا تتورع عن التحالف مع أعداء الأمة ومناصرة مشاريعهم التوسعية، حتى لو كان الثمن تدمير بلدانها وإلحاق الويلات بشعوبها. ولعل النموذج الأبرز على ذلك هو حزب الله اللبناني، الذي يدين بالولاء المطلق للنظام الإيراني ويتلقى منه الدعم المالي والعسكري واللوجستي. فهذا الحزب، الذي يتشدق بالمقاومة والدفاع عن المستضعفين، لم يكن في حقيقته سوى أداة طيعة لتنفيذ الأجندة التوسعية الإيرانية في المنطقة، حتى لو تطلب الأمر زج لبنان في حروب مدمرة وصراعات إقليمية لا ناقة له فيها ولا جمل.
وهذا ما رأيناه جلياً في السنوات الأخيرة، حيث ورط حزب الله لبنان في حرب سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد، وها هو اليوم يقحم البلاد في مواجهة عبثية مع إسرائيل بحجة دعم المقاومة في غزة. وفي كلتا الحالتين، كان الثمن فادحاً على الشعب اللبناني، من دمار وقتل وتهجير ونزوح، ناهيك عن العقوبات والضغوط الدولية التي باتت تخنق اقتصاد البلاد. والحال نفسه ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين، التي عاثت في الأرض فساداً تحت شعار “الإسلام هو الحل”، وحاولت اختطاف ثورات الربيع العربي لصالح مشروعها السياسي الهادف للسيطرة والاستئثار بالحكم.
فقد كشفت التجربة الإخوانية في مصر، على سبيل المثال، زيف ادعاءاتهم الدينية وضحالة فكرهم السياسي، وأظهرت بجلاء أن ولاءهم الحقيقي هو لمشروع الهيمنة والتمكين الحزبي، لا للوطن أو المصلحة العامة. والأدهى من ذلك، أن هذه الجماعات الإسلاموية، في سعيها الدؤوب لتحقيق أهدافها المشبوهة، لا تتردد في التغرير بالبسطاء والتلاعب بمشاعر الناس الدينية، عبر خطاب سياسي مغلف بعبارات شرعية براقة. وهي بذلك تظن أنها لا تزال قادرة على خداع الجماهير وكسب تأييدها، متوهمة أن مطالبهم الواهية وشعاراتهم الجوفاء مازالت صالحة وفعالة في زمن التحولات الكبرى.لكن ما تجهله أو تتجاهله هذه الجماعات، هو أن المجتمعات العربية اليوم قد تجاوزت بمراحل هذه العقلية الظلامية والخطابات المغلوطة. فالشعوب الواعية باتت تدرك تماماً حقيقة هؤلاء ونواياهم الخبيثة، وأن ولاءهم الحقيقي ليس للأوطان والمقدسات، بل للمحاور والأجندات الخارجية. وهي لم تعد تنطلي عليها الأكاذيب المغلفة بالشرعية والأخلاق، ولم تعد تكترث للوعود الزائفة والمغامرات الانتحارية التي لا تجلب سوى الخراب والدمار.
والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى: من تظاهرات الغضب الشعبي في العراق ضد سطوة الميليشيات الموالية لإيران، إلى الانتفاضة الجماهيرية في لبنان ضد فساد وجمود النظام الطائفي، ومن ثورة 30 يونيو المجيدة في مصر التي أطاحت بمشروع “أخونة” الدولة والمجتمع، إلى الجهود الحثيثة في تونس لجم غول الاسلام السياسي ونزعاته الشمولية. كلها دلائل صارخة على الصحوة الشعبية الحقيقية التي تجتاح العالم العربي، وتؤسس لمرحلة جديدة تقوم على قيم المواطنة والمدنية والعقلانية.
في المحصلة، لم يعد هناك أي مكان أو مبرر، لاستمرار هذه الجماعات الإسلاموية المأزومة في مجتمعاتنا اليوم. فالنماذج التي قدمتها على مر العقود الماضية، لا تمت بصلة إلى جوهر الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء، كما أنها لم تعد تتناسب البتة مع تطلعات الشعوب وآمالها في الحرية والعدالة والتقدم. بل إن هذه الجماعات، بممارساتها وأفكارها المتخلفة، باتت تشكل عائقاً أمام نهضة الأمة وتقدمها، وتهديداً حقيقياً لوحدة نسيجها الاجتماعي وأمنها واستقرارها. لذا، فإن مواجهة هذا الفكر المتطرف بكل أشكاله، والتصدي لمشاريعه التخريبية أينما حلت، هو مسؤولية وطنية جامعة، لا تحتمل التردد أو المهادنة. ويجب أن يتكاتف في سبيلها كل القوى الحية والشريفة في مجتمعاتنا، من مثقفين ومفكرين ورجال دين وسياسة وإعلام ومجتمع مدني، من أجل تعزيز ثقافة الاعتدال والوسطية، وترسيخ قيم الحوار والتعايش والمشاركة، ونشر الوعي بأهمية الدولة الوطنية الجامعة كإطار حاضن للجميع.