العمى عمى القلب وليس عمى البصر الياس بحاني/17آذار/2024 (من الأرشيف)
“جئت إلى هذا العالم للدينونة، حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون”. (يوحنا 09/39)
كم بيننا من أفراد وجماعات هم حقيقة عميان بصيرة، وقليلو إيمان، وخائبو رجاء، في حين أن عيونهم من الناحية الصحية سليمة مئة في المائة، غير إن علتهم تكمن في عمى البصيرة وليس عمى البصر، فهم وإن كانت عيونهم متعافية إلا أنها تحجب عن عقولهم ووجدانهم وقلوبهم المحبة فيعشون في ظلام دامس بعيدين عن الله. الأعمى ابن طيما الشحاذ الذي هو موضوع مقالتنا نذكره اليوم في كنائسنا المارونية ونسمي الأحد السادس هذا من الصوم الكبير باسم عجيبة شفائه، (أحد شفاء الأعمى).
يعلمنا الكتاب المقدس أن ابن طيما ولد أعمى ولم يكن يعرف الفرق بين النور والظلام، إلا أنه كان متنوراً في قلبه وضميره وإيمانه، وقوى وعنيد وثابت في رجائه. هذه العجيبة وردت في إنجيل القديس يوحنا 09(/01-41)، وفي إنجيل القدّيس مرقس (10/46-52)، وفي إنجيل القديس متى (20/29-34)
يعطينا انجيل القديس يوحنا (09/08-34) المزيد من التفاصيل التي تبين لنا الإضطهاد والإرهاب اللذين تعرض لهما الأعمى بعد شفائه من أجل أن ينكر ما حصل: “”فتساءل الجيران والذين عرفوه شحاذا من قبل: أما هو الذي كان يقعد ليستعطي؟ وقال غيرهم: هذا هو. وقال آخرون: لا، بل يشبهه. وكان الرجل نفسه يقول: أنا هو! فقالوا له: وكيف انفتحت عيناك؟ فأجاب: هذا الذي اسمه يسوع جبل طينا ووضعه على عيني وقال لي: إذهب واغتسل في بركة سلوام. فذهبت واغتسلت، فأبصرت. فقالوا له: أين هو؟ قال: لا أعرف. فأخذوا الرجل الذي كان أعمى إلى الفريسيين، وكان اليوم الذي جبل فيه يسوع الطين وفتح عيني الأعمى يوم سبت. فسأل الفريسيون الرجل كيف أبصر، فأجابهم: وضع ذاك الرجل طينا على عيني، فلما غسلتهما أبصرت. فقال بعض الفريسيين: ما هذا الرجل من الله، لأنه لا يراعي السبت. وقال آخرون: كيف يقدر رجل خاطئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع الخلاف بينهم. وقالوا أيضا للأعمى: أنت تقول إنه فتح عينيك، فما رأيك فيه؟ فأجاب: إنه نبي! فما صدق اليهود أن الرجل كان أعمى فأبصر، فاستدعوا والديه وسألوهما: أهذا هو ابنكما الذي ولد أعمى كما تقولان؟ فكيف يبصر الآن؟ فأجاب والداه: نحن نعرف أن هذا ابننا، وأنه ولد أعمى. أما كيف يبصر الآن، فلا نعلم، ولا نعرف من فتح عينيه. إسألوه وهو يجيبكم عن نفسه، لأنه بلغ سن الرشد. قال والداه هذا لخوفهما من اليهود، لأن هؤلاء اتفقوا على أن يطردوا من المجمع كل من يعترف بأن يسوع هو المسيح. فلذلك قال والداه: إسألوه لأنه بلغ سن الرشد.
وعاد الفريسيون فدعوا الرجل الذي كان أعمى وقالوا له: مجد الله! نحن نعرف أن هذا الرجل خاطئ. فأجاب: أنا لا أعرف إن كان خاطئا، ولكني أعرف أني كنت أعمى والآن أبصر. فقالوا له: ماذا عمل لك؟ وكيف فتح عينيك؟ أجابهم: قلت لكم وما سمعتم لي، فلماذا تريدون أن تسمعوا مرة ثانية؟ أتريدون أنتم أيضا أن تصيروا من تلاميذه؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذه، أما نحن فتلاميذ موسى. نحن نعرف أن الله كلم موسى، أما هذا فلا نعرف من أين هو. فأجابهم الرجل: عجبا كيف يفتح عيني ولا تعرفون من أين هو! نحن نعلم أن الله لا يستجيب للخاطئين، بل لمن يخافه ويعمل بمشيئته. وما سمع أحد يوما أن إنسانا فتح عيني مولود أعمى. ولولا أن هذا الرجل من الله، لما قدر أن يعمل شيئا. فقالوا له: أتعلمنا وأنت كلك مولود في الخطيئة؟ وطردوه من المجمع”
رغم أن ٱبْنُ طِيمَا كان أعمى وحاسة النظر عنده تالفة ومعطلة، غير أنه ومن خلال إيمانه وثقته بالله أدرك بعقله وقلبه أنه في حال ذهب إلى المسيح وطلب منه الشفاء فبقدرته أن يشفيه ويعيد له نعمة النظر التي حرم منهما منذ ولادته. عندما اقترب من المسيح تمرد ورفض التقيد بتعليمات وتحذيرات الذين حاولوا منعه من تحقيق غايته فلم يأبه ولم يرتد ورفع صوته عالياً ومدوياً معلناً أن المسيح هو المخلص وأنه قادر على إعادة نظره إن رغب بذلك، وطلب من المسيح أن يشفيه فكان له ما أراد. لم ييأس ولم يُحبط ولم يقبل بوضعية العاجز غير القادر على رؤية طريق الخلاص والسير عليها. عرّف قدرة وألوهية المسيح ولجأ إليه طالباً الرحمة والنعمة فحصل عليهما ومن ثم تبعه وتتلمذ له. رفض الإذعان لهرطقات الكتبة والفريسيين وبعناد الأبطال لم يُبدل ولم يغير كلمة واحدة عما قاله عن الأعجوبة. اتُهم بالخيانة والعمالة للغريب إلا أنه تمسك بالحقيقة وشهد لها غير مبالي بما سيوقعه عليه رجال الدين اليهود من تحريم ونبذ وعقاب ومضايقات. مشى الطريق لأنه كان في النور وهم ضلوا لأنهم عميان بصر وبصيرة وقليلي إيمان. ولو نظرنا اليوم حولنا في زمننا الحالي نجد أن الحال لم يتغير حيث أن جماعات المؤمنين يتعرضون للمضايقات والإضطهاد والذل والأذى الجسدي في معظم بلدان العالم إلا أنهم يقاومون بعناد متكلين على الله تماماً كما كان حال ابن طيما.
ما أحوجنا اليوم كلبنانيين مقيمين ومغتربين أن نقتدي بمثال هذا الأعمى المؤمن فنسير بقوة وعناد وإيمان وثبات على طريق الخلاص ونطلب من الله نعمة النور الإيماني لينير دروبنا وعقولنا وينجينا من شر عبادة مقتنيات الأرض الفانية وأن لا يدخلنا في فخاخ الشرور والتجارب الإبليسية.
من المحزن أن دفة سفينة وطننا الأم لبنان يمسك بها ويتحكم بحركتها رعاة وقادة وسياسيين ومسؤولين عميان بصر وبصير وقد أوقعوه بسبب قلة إيمانهم وخور رجائهم في آفات الفوضى والاضطرابات والحروب وزرعوا بين أبنائه بذور الفتنة وثقافة الموت .
يا رب نور عقولنا لندرك أنك محبة، وابعد عنا ظلمة الخطيئة ونجنا من التجارب.
الأناجيل الثلاثة التي تحكي شفاء الأعمي
2-القراءة (إنجيل يوحنا9 /1-41)
يسوع يشفي الأعمى
وبينما هو في الطريق، رأى أعمى منذ مولده. فسأله تلاميذه: يا معلم، من أخطأ؟ أهذا الرجل أم والداه، حتى ولد أعمى؟ فأجاب يسوع: لا هذا الرجل أخطأ ولا والداه. ولكنه ولد أعمى حتى تظهر قدرة الله وهي تعمل فيه. علينا، ما دام النهار، أن نعمل أعمال الذي أرسلني. فمتى جاء الليل لا يقدر أحد أن يعمل. أنا نور العالم، ما دمت في العالم. قال هذا وبصق في التراب، وجبل من ريقه طينا ووضعه على عيني الأعمى إذهب واغتسل في بركة سلوام (أي الرسول). فذهب واغتسل، فأبصر. فتساءل الجيران والذين عرفوه شحاذا من قبل: أما هو الذي كان يقعد لـيستعطـي؟ وقال غيرهم: هذا هو. وقال آخرون: لا، بل يشبهه. وكان الرجل نفسه يقول: أنا هو! فقالوا له: وكيف انفتحت عيناك؟ فأجاب: هذا الذي اسمه يسوع جبل طينا ووضعه على عيني وقال لي: إذهب واغتسل في بركة سلوام. فذهبت واغتسلت، فأبصرت. فقالوا له: أين هو؟ قال: لا أعرف. فأخذوا الرجل الذي كان أعمى إلى الفريسيـين، وكان اليوم الذي جبل فيه يسوع الطين وفتح عيني الأعمى يوم سبت. فسأل الفريسيون الرجل كيف أبصر، فأجابهم: وضع ذاك الرجل طينا على عيني، فلما غسلتهما أبصرت. فقال بعض الفريسيـين: ما هذا الرجل من الله، لأنه لا يراعي السبت. وقال آخرون: كيف يقدر رجل خاطـئ أن يعمل مثل هذه الآيات؟ فوقع الخلاف بـينهم. وقالوا أيضا للأعمى: أنت تقول إنه فتح عينيك، فما رأيك فيه؟ فأجاب: إنه نبـي! فما صدق اليهود أن الرجل كان أعمى فأبصر، فاستدعوا والديه وسألوهما: أهذا هو ابنكما الذي ولد أعمى كما تقولان؟ فكيف يبصر الآن؟ فأجاب والداه: نحن نعرف أن هذا ابننا، وأنه ولد أعمى. أما كيف يبصر الآن، فلا نعلم، ولا نعرف من فتح عينيه. إسألوه وهو يجيبكم عن نفسه، لأنه بلغ سن الرشد. قال والداه هذا لخوفهما من اليهود، لأن هؤلاء اتفقوا على أن يطردوا من المجمع كل من يعترف بأن يسوع هو المسيح. فلذلك قال والداه: إسألوه لأنه بلغ سن الرشد. وعاد الفريسيون فدعوا الرجل الذي كان أعمى وقالوا له: مجد الله! نحن نعرف أن هذا الرجل خاطـئ. فأجاب: أنا لا أعرف إن كان خاطئا، ولكني أعرف أني كنت أعمى والآن أبصر. فقالوا له: ماذا عمل لك؟ وكيف فتح عينيك؟ أجابهم: قلت لكم وما سمعتم لي، فلماذا تريدون أن تسمعوا مرة ثانـية؟ أتريدون أنتم أيضا أن تصيروا من تلاميذه؟ فشتموه وقالوا له: أنت تلميذه، أما نحن فتلاميذ موسى. نحن نعرف أن الله كلم موسى، أما هذا فلا نعرف من أين هو. فأجابهم الرجل: عجبا كيف يفتح عيني ولا تعرفون من أين هو! نحن نعلم أن الله لا يستجيب للخاطئين، بل لمن يخافه ويعمل بمشيئته. وما سمع أحد يوما أن إنسانا فتح عيني مولود أعمى. ولولا أن هذا الرجل من الله، لما قدر أن يعمل شيئا. فقالوا له: أتعلمنا وأنت كلك مولود في الخطيئة؟ وطردوه من المجمع. فسمع يسوع أنهم طردوه، فقال له عندما لقـيه: أتؤمن أنت بابن الإنسان؟ أجاب: ومن هو، يا سيدي، فأومن به! فقال له يسوع: أنت رأيته، وهو الذي يكلمك! قال: آمنت، يا سيدي! وسجد له. فقال يسوع: جئت إلى هذا العالم للدينونة، حتى يبصر الذين لا يبصرون، ويعمى الذين يبصرون. فسمعه بعض الحاضرين من الفريسيـين، فقالوا له: أعميان نحن أيضا؟ أجابهم يسوع: لو كنتم عميانا، لما كان عليكم خطيئة. ولكن ما دمتم تقولون إننا نبصر، فخطيئتكم باقـية.
القراءة: (متى 20/29-34)
يسوع يشفي أعميـين
وبينما هم خارجون من أريحا، تبعت يسوع جموع كبـيرة. وسمع أعميان جالسان على جانب الطريق أن يسوع يمر من هناك، فأخذا يصيحان: ارحمنا يا سيد، يا ابن داود! فانتهرتهما الجموع ليسكتا. لكنهما صاحا بصوت أعلى: ارحمنا، يا سيد، يا ابن داود! فوقف يسوع وناداهما وقال لهما: ماذا تريدان أن أعمل لكما؟ أجابا: أن تفتح أعيننا، يا سيد! فأشفق يسوع عليهما ولمس أعينهما، فأبصرا في الحال وتبعاه.
رسالة القدّيس بولس الثانية إلى أهل قورنتس10/10-07
دفاع بولس عن نفسه
أنا بولس أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه، أنا المتواضع في حضرتكم والجريء عليكم عن بعد، راجيا أن لا تدفعوني وأنا عندكم إلى تلك الجرأة التي أرى أن أعامل بها الذين يظنون أننا نسلك سبيل الجسد. نعم، إننا نحيا في الجسد، ولكننا لا نجاهد جهاد الجسد. فما سلاح جهادنا جسدي، بل إلهي قادر على هدم الحصون: نهدم الجدل الباطل وكل عقبة ترتفع لتحجب معرفة الله، ونأسر كل فكر ونخضعه لطاعة المسيح. ونحن مستعدون أن نعاقب كل معصية متى أصبحت طاعتكم كاملة. واجهوا حقائق الأمور. من اعتقد أنه للمسيح، فليتذكر أنه بمقدار ما هو للمسيح، كذلك نحن أيضا للمسيح. ولا أخجل إن بالغت بعض المبالغة في الافتخار بسلطاننا الذي وهبه الرب لنا لبنيانكم لا لخرابكم. فأنا لا أريد أن أظهر كأني أحاول التهويل عليكم برسائلي. فيقول أحدكم: رسائل بولس قاسية عنيفة، ولكنه متى حضر بنفسه، كان شخصا ضعيفا وكلامه سخيفا. فليعلم مثل هذا القائل أن ما نكتبه في رسائلنا ونحن غائبون نفعله ونحن حاضرون. نحن لا نجرؤ على أن نساوي أنفسنا أو نتشبه ببعض الذين يعظمون قدرهم، فما أغباهم! يقيسون أنفسهم على أنفسهم، ويقابلون أنفسهم بأنفسهم. أما نحن، فلا نفتخر بما يتعدى حدود عملنا، بل نقتصر في ذلك على ما قسم الله لنا من حدود بلغنا بها إليكم. فنحن لا ندعي أكثر مما لنا، كما لو كنا ما بلغنا إليكم، لأننا بلغنا إليكم حقا ومعنا بشارة المسيح. ولا نتعدى تلك الحدود فنفتخر بأعمال غيرنا، ولكن نرجو أن يزداد إيمانكم فيتسع مجال العمل بينكم في الحدود التي لنا، حتى نحمل البشارة إلى أبعد من بلادكم، فلا نفتخر بما أنجزه غيرنا في حدود عمله. فالكتاب يقول: من أراد أن يفتخر، فليفتخر بالرب، لأن من يمدحه الرب هو المقبول عنده، لا من يمدح نفسه.
حول الرِّسالة
يعلّمنا مار بولس بأنّنا تعلّمنا أو اكتسبنا الوداعة من المسيح الّذي يحيا فينا. في هذه الرسالة، يردّ بولس على التهمة الموجّهة إليه: “في الحضرة ذليل … وفي الغيبة متجاسر” أي أنّه يضعف أمام خصمه بينما يتجاسر في غيبته، عن طريق رسائله وهو يردد التهمة ليرد ّعليها. لقد فهمت الجماعة محبّته ووداعته على أنّها ضعف. أمّا هو ففي محبته ووداعته تشبّه بالمسيح، وتصرّف معهم بوداعة بل حتّى كذليل وذلك لحبه لهم ولخوفه على مشاعرهم. أمّا في غيابه، ولخوفه عليهم من الذئاب الخاطفة، كان وبقي قويًّا، يعمل لا بحسب الجسد بل بحسب الروح، وأسلحته روحيّة لا ماديّة
صلاة
ربَّنا، أنر عيوننا كما أنرت عيني الأعمى، فنرى وجه قيامتك ونبصر جمال رأفتك ونهتدي بأنوار محبتك، ونعرفك ونسير طريقك، طريق الجلجلة، ونصل معك إلى القيامة، رغم كل ما يدور حولنا من أصوات تحاول إسكاتنا، وإسكات صوتك فينا. إرحمنا، كما رحمت برتيماوس وإبن طيما وغيرهما من الذين شفيتهم وحننت عليهم، حيث نمجِدك وأباك وروحك القدوس إلى الأبد، آمين .