ليست أميركا وحدها «يا سيد» مسؤولة عن مشكلة النزوح السوري؟! د.توفيق هندي/جنوبية/03 تشرين الأول/2023
إنطلقت الثورة في سوريا سنة 2011 في سياق “الربيع العربي”، وكان هدفها إسقاط النظام السوري الظالم وكانت سلمية مئة بالمئة. حينها تأسس “المجلس الوطني السوري” في 2 تشرين الأول 2011، لقيادتها وتنسيق تحركاتها، وتم التوافق بين مكوناته، أن يكون أول رئيس له الصديق القديم الدكتور برهان غليون. وقد جُدد له ثلاث مرات.
عسكرة الثورة
كيف تّمت عسكرة الثورة؟
1) قرر النظام السوري وحليفه النظام العراقي، إطلاق سراح السجناء الذين كانوا ينتمون إلى القاعدة وأخواتها. وكانا قد إستخدموهم لمواجهة الإحتلال الأميركي للعراق عام 2003. والمعلوم أن النظامين هما حليفي الجمهورية الإسلامية في إيران. وكان الهدف “تخويف الغرب من خطر القاعدة وأخواتها” لكي يتورط هذا الغرب مع النظام السوري، في قمع الثورة السورية، ولدفعها إلى المواجهة العسكرية معه.
2) لم يكن يوماً الدعم الأميركي جدياً ل”المجلس الوطني السوري”. كان آنذاك باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأميركية منذ 2009. وكان يدرك تماماً أهمية سوريا-الأسد الإستراتيجية بالنسبة لإيران، كما كان منذ ذالك الحين، ينظر إلى عقد صفقة مع الجمهورية الإسلامية في إيران، بخصوص موضوع النووي الإيراني. هذا ما يُفسر موقفه الحذر من الثورة السورية السلمية، التي كانت تهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد. وقد تُرجِمت هذه السياسة الأميركية الملتبسة بسماح “السي.آي. أي”، بتهريب السلاح من تركيا إلى سوريا لمصلحة الأطراف الإسلامية، مما صّب في خانة ما كان يُخَطِط له النظام السوري بعسكرة الثورة.
3) وقد دخلت قطر والمملكة العربية السعودية، على خط العسكرة هذه لكي لا تكون خارج اللعبة في سوريا وتتركها حكراً لتركيا-أوردوغان. كان آنذاك عاهل السعودية الملك عبد الله، ولم تكن المملكة حينها قد دخلت في عصر التغيير الجذري، الذي أحدثه الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. ن هنا، نرى جليا” أنه لم تكن أميركا وحدها المسؤولة عن عسكرة الثورة، ولاحقاً عن النزوح السوري إلى لبنان. كما نلاحظ أن “محور المقاومة” هو المسؤول الأول عن هذه العسكرة.
المسؤول عن النزوح السوري إلى لبنان
منذ أن تبين أن عسكرة الثورة السورية باتت تشكل خطراُ على النظام السوري، بإنقلاب السحر على الساحر، بدأ حزب الله يستعد إلى الذهاب إلى سوريا، لدعم النظام والحيلولة دون سقوطه. وقد برزت في البداية نِّية الحزب بشكل ملتبس، غير أنه سرعان ما توّضحت نواياه الحقيقية. من المؤسف أن تكون بعض أطراف 14 آذار، ولا سيما تيار المستقبل، ساعدته بأن أعطته الحجة بالتدخل العسكري في سوريا، نظراُ لسياستها “البدائية” بدعم الثورة المتعسكرة، من خلال “البّطانيات”، ولعب دور ملتبس بدعم بعض أطرافها بتمرير الأسلحة لها، أو بالأحرى بلعب دور الوسيط بتمرير الأسلحة لها. هذا “التدخل في دعم الثورة”، الذي كان لزوم ما لا يلزم، وّفر الحجة للتدخل الجدي لحزب الله في سياق السياسة الإيرانية، لما للنظام السوري من أهمية إستراتيجية ل”محورالمقاومة”. لم يكن من مصلحة 14 آذار ولبنان، التورط في وحول الثورة السورية، مهما كانت أحقية هذه الثورة. وكان من الأفضل دعمها بالموقف السياسي، ليس إلا، والطلب من مجلس الأمن أن تقوم “اليونيفيل” بمراقبة الحدود السورية-اللبنانية، عملاً بتنفيذ القرار 1701. هذا كان رأيي آنذاك ورأي صديقي المرحوم الدكتور محمد شطح. إن فتح الحدود ذهاباً وإياباً مع سوريا، أفاد “حزب الله” وحده وأّدى إلى فتح باب النزوح السوري إلى لبنان. إذاً، المسؤولية الرئيسية للنزوح السوري إلى لبنان، تقع على عاتق حزب الله، إلى جانب مسؤولية 14 آذار بتدخلها الخاطئ، بما لا يعنيها.
لا حّل اليوم لمعضلة النزوح السوري
السيد حسن نصر الله يريد الإستفادة من “الإجماع” اللبناني، بالنسبة لضرورة حّل معضلة النزوح السوري، لتوظيفه بدعم متجدد للنظام السوري. يربط نصر الله الحصار الأميركي الإقتصادي على سوريا، بالنزوح السوري إلى لبنان، ولا سيما الموجة الأخيرة منه. ويستنتج أنه ثمة ضرورة لمواجهته، ولا سيما من خلال تسهيل مِن مَن يريد من النازحين السوريين، الذهاب بحراً إلى أوروبا. برأيه، أن هذا الإجراء سوف يدفع الأوروبيين إلى التفاوض مع لبنان. فتكون النتيجة لمصلحة لبنان وسوريا معاً، فيضطر الغرب، وعلى رأسه أميركا، إلى تعديل سياسته تجاه سوريا، ووقف الحصار عليها، مما يسمح لنظام الأسد بإستعادة أنفاسه، بتدفق الرساميل الأجنبية والعربية لإعادة إعمار سوريا. هذا الأمر يؤدي برأيه، إلى عودة النازحين إلى سوريا. بالرغم من موضوعية هذا الطرح، ليس له واقعياً حظوظ بالنجاح. بالتأكيد أن معضلة النزوح السوري إلى لبنان تشكل خطراً وجودياُ على لبنان غير أن الظروف الموضوعية للحلول المجتزأة بالقطعة غير متوافرة اليوم.
الحل الوحيد لتحقيق خلاص لبنان، لن يكون إلا حّلاً راديكالياً، برفع الإحتلال الإيراني (الذي يمارس عبر حزب الله) عن لبنان، وبالتخلص نهائياً من الطبقة السياسية المارقة القاتلة الفاسدة، التي تتحرك تحت سطوة الحزب.