ظاهرة ترامب
هشام ملحم/النهار/20 آب 2015
قيل فيه كل شيء سلبي يمكن ان يقال في رجل يريد ان يصل الى البيت الابيض، ومع ذلك لم يعلق به أي شيء. يطلق عليه منافسوه والمحلّلون النصال، وفي الحالات النادرة التي تصيبه، تتكسر النصال على النصال. دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لمنصب الرئاسة، نرجسي بامتياز، يعشق الاضواء، ويصر دائماً على ان يكون موضع جدل. شخصيته معجونة بالتعجرف والغرور، ومواقفه تتسم بالتهور والشوفينية التي تتقاطع مع العنصرية، ومفهومه للعلاقات الدولية بسيط وخطير: على العالم ان يقبل املاءات الولايات المتحدة، وإلاّ… ترامب يكرر دائما انه ذكي للغاية، لكنه سطحي الى ابعد الحدود، واذا تحدث بضع دقائق يقترف الاخطاء، واذا تجرأ احدهم على مساءلته، يتعرض للاهانات. كلماته المفضلة لمن يختلف معه هي: انت غبي. ولكن منذ ان أعلن ترشحه في حزيران الماضي وهو لا يزال متقدما في كل استطلاعات الرأي واخرها لشبكة “سي أن أن” حيث تفصله عن منافسه الاقرب اليه وهو جيب بوش 11 نقطة. ترامب يقول انه يريد استعادة عظمة أميركا. كيف؟ من خلال منع الصين واليابان من اغراق الاسواق الاميركية ببضائعهما، لكنه لا يشرح كيف يمكن تحقيق ذلك. هو يريد ان يطرد 11 مليون مهاجر غير شرعي، معظمهم من أميركا اللاتينية، وهو أمر غير قابل للتنفيذ، ومكلف للغاية. الاسوأ ترامب يريد منع اعطاء الجنسية الاميركية لاي طفل يولد في اميركا، وأمر يضمنه الدستور الاميركي. وهو يريد بناء جدار بطول الفي ميل مع المكسيك ويدعي انه سيرغم المكسيك على دفع كلفته، وهو امر غير قابل للتحقيق. في مقابلة أجريت معه يوم الاحد، سئل: كيف ستواجه داعش؟ ترامب: يجب حرمانهم النفط. علينا ان نعود الى العراق واحتلال آبار النفط واستغلالها. من اين تحصل على المشورة العسكرية؟ ترامب: اراقب البرامج التلفزيونية (التي يتحدث فيها العسكريون). العلاقة مع السعودية؟ ترامب: عائدات السعودية هي مليار دولار يومياً، عليهم ان يدفعوا لنا لاننا نحميهم.ترامب يستفيد من نقمة العديد من الناخبين من عجز الحزبين الجمهوري والديموقراطي عن حل المشاكل الاقتصادية للبلاد، وقلقهم من التحولات الاستراتيجية والاقتصادية التي تغير موازين القوى في العالم. لكن ظاهرة ترامب تؤكد من جديد ان الديماغوجية السياسية في الازمنة القلقة تنجح في اللعب على مخاوف الناس وقلقهم وتفلح في تضليلهم من خلال استغلال غرائزهم وهواجسهم (مثل قلق الاميركيين من الهجرة غير الشرعية). كل دورة انتخابية تجلب مرشحين نرجسيين وغريبي الأطوار ثم تلفظهم. هذه المرة النرجسي المتهور ثري جداً، وسوف يبقى معنا وقتاً أطول.
هل دونالد ترامب هو بوتين الأميركي؟
ديفيد اغناتيوس/الشرق الأوسط/20 آب/15
وعد باستعادة عظمة بلاده، من دون أن يقدم خطة محددة لتنفيذ ذلك. وهو يستخدم تعبيرات وألفاظ دارجة ومبتذلة تجعله يبدو وكأنه رجل شارع عادي، على الرغم من أنه ملياردير. وهو نرجسي النزعة ومتعطش لجذب انتباه وسائل الإعلام. وعلى الرغم من كافة عيوبه الواضحة فإنه يحظى بشعبية كبيرة. إلى من أشير بكلماتي السابقة؟ إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل تأكيد. ولكن أوجه الشبه بينه وبين أحد السياسيين الأميركيين والمعروف باسم «دونالد» باتت واضحة. يعتبر دونالد ترامب من بعض النواحي هو النسخة الأميركية من فلاديمير بوتين. فهو على غرار الزعيم الروسي، يسعى إلى تعويض خسائر بلاده السابقة ويعود بها إلى مجدها التليد. كما أنه يعد باستعادة زمام القوة والهيبة من دون العبث بالكثير من التفاصيل. شكا دونالد ترامب إلى تشاك تود مذيع شبكة «إن بي سي» في برنامج «واجه الصحافة» يوم الأحد قائلا «إننا كدولة ليست لدينا انتصارات حقيقية. وإنه لأمر يبعث على الحزن». إن الشعار الرسمي لترامب يقول «فلنجعل أميركا دولة عظمى مجددا!»، وهي عبارة مقتبسة من خطاب قبول التنصيب للرئيس الراحل رونالد ريغان في المؤتمر الجمهوري لعام 1980، عندما تعهد ريغان بـ«حملة لجعل أميركا أمة عظيمة مرة أخرى». ولكن في حقيقة الأمر، ذلك النوع من الخطاب هو الدعامة الأساسية لكل السياسيين في جميع أرجاء العالم، الذين يخرجون في حملاتهم الانتخابية على أساس استعادة الهيبة الوطنية. وتأتي خطاباتهم في نزعتها النفسية لا تختلف كثيرا عن توجهها السياسي. قال ترامب لتود في حماسة «تشاك، لسوف أعمل بشكل جيد للغاية. ولسوف تكون سعيدا بذلك. خلال أربع سنوات، سوف تعقد معي مقابلة أخرى وسوف تقول: يا له من عمل عظيم ذلك الذي قمت به أيها الرئيس ترامب». سوف تقول «لقد حققت إحدى أعظم الإنجازات»، سوف يحدث ذلك.
إن دعوات أولئك السياسيين تنبع، في جزء منها، من ثقة هوجاء بالنفس. لكنهم لا يعملون على تفسير التفاصيل الدنيوية للنهضة الوطنية، إنهم يؤكدون عليها فحسب. تذكروا شخصية «هارولد هيل» في فيلم «رجل الموسيقى»، لقد وعد بإنشاء فرقة موسيقية في ريفر سيتي، على الرغم من أنه لا يعرف كيف يعزف الموسيقى. وبوتين على شاكلة ترامب، يبدو أنه يدرك أن السلطة والظهور الشخصي توأمان غير قابلين للتجزئة، وخصوصا بالنسبة لأمة مصابة بخسائر جمة على الصعيد العسكري والاقتصادي. إنها لعبة ثقة.
أعلن بوتين في ديسمبر (كانون الأول) 1999 عن رؤيته للنهضة الروسية والتي صارت تعرف باسم «رسالة الألفية». حيث شدد فيها على أهمية بناء الدولة القوية التي يمكنها استعادة الثقة الوطنية الذاتية: «مرت روسيا مؤخرا بواحدة من أكثر الفترات صعوبة خلال قرون تاريخها الطويل. حيث واجهت الخطر الحقيقي لأن تكون دولة من الدرجة الثالثة، وليس حتى من الدرجة الثانية. وللحيلولة دون حدوث ذلك، علينا بذل الجهود الجبارة من جميع القوى الفكرية والمادية والمعنوية في البلاد».
يعاني ترامب من نزعة تعزيز الذات بشكل سافر أكثر من بوتين ذاته، حتى أن تعليقاته الحادة موجهة نحو أمة سئمت من الخطاب السياسي ذي الوجهين. التقريع المستمر من جانب ترامب حيال الهجرة غير الشرعية، وهي أعلى ثيمة تتميز بها حملته الانتخابية، ليس إلا جزءا من قصة طويلة وسخيفة في الولايات المتحدة الأميركية. خلال 70 عاما من تأسيس الجمهورية، كان هناك حزب معروف باسم «الذين لا يعرفون شيئا» يعمل دائما على تقريع المهاجرين، وخصوصا الكاثوليك. وعبر العقود التالية، كان القوميون يهاجمون كل تيار جديد من الطوائف الأميركية – الأيرلنديين، والإيطاليين، والألمان، والسلاف، واليهود، والصينيين، والأفارقة، كما فسر جون هيغام الأمر في كتابه التاريخي الشهير «غرباء في الأرض». ومما يثير الدهشة حول ترامب أنه نجح في جذب تلك القاعدة الشعبية الواسعة. إنه أشبه بريغان من دون المؤيدين لريغان، حيث يدير حملة انتخابية لا تكاد تحمل أي أفكار تستحق النظر. كثيرا ما تغازل الأميركيين مع الديماغوغية، منذ الأب تشارلز كوفلين في الثلاثينات حتى السيناتور جوزيف مكارثي في الخمسينات. ولكن الشخصية السلطوية البلطجية – أسلوب بوتين – لا مجال لها هنا في المعتاد. كان ذلك الصيف استثناء خاصا، ولكن التاريخ يشير إلى أنه مجرد استثناء مؤقت.* خدمة: (واشنطن بوست)