فاطمة حوحو: مستقلو 14 آذار يرسمون خطة انتفاضة السلام/خليل فليحان: تنبيه إلى مخطَّط وراء عرقلة الانتخاب لافروف ناقش ظريف ولا نتيجة/اميل خوري: الوقت لا يعمل لمصلحة استقرار لبنان/علي نون: الممانعة المعذورة

342

مستقلو 14 آذار يرسمون خطة «انتفاضة السلام»
فاطمة حوحو/المستقبل/20 آب/15
لا تزال الورقة السياسية التي يعدها المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار قيد الانجاز، لكي تأتي متكاملة ومعبرة وقادرة على اغناء المناخ السياسي بأفكار جديدة وان تحت عنوان «السلام» والعمل من أجل جعله محركا للبنانيين على الانتفاضة الضرورية لحمايتهم وحماية وطنهم من عواصف المحيط ومخططات الآخرين.وفي وقت قريب جدا ستكون هذه الورقة محور المؤتمر الصحافي الذي سيعقده رئيس المجلس سمير فرنجية، حيث سيتم عرضها بعد انتهاء التشاور والنقاش حولها، وهي تشكل مشروع المجلس السياسي لسلام لبنان واعتداله، على امل ان تحظى باهتمام الشباب والجيل الجديد عله يأخذ عبر ماضي التجارب اللبنانية ويطوي صفحة الحرب والخلاف وينطلق نحو بناء المستقبل في الدولة الواحدة الموحدة. داخل اروقة الامانة العامة لـ 14 اذار تجري حوارات ايضا، حول ضرورة تبني مشروع اقتصادي ـ اجتماعي الى جانب المشروع السياسي يحاكي الطبقة الوسطى والشباب، الا ان الاولوية كما يبدو حتى الان، هي لانجاز ورقة تحدد هوية المجلس السياسية. وهناك اجماع على كون المجلس ليس حزبا ولن يكون، بل هو مجلس عابر للطوائف يهدف الى طرح افكار جديدة على اللبنانيين في وقت وصلت فيه الهيمنة الحزبية الطائفية على الدولة الى درجة أدت الى شلل المؤسسات وتعطيل الدستور. وبعيداً من الاعلام تستمر اللجان الـ 16 بعقد اجتماعاتها وانجاز برامج عملها وتحديد مهماتها بمشاركة واسعة من أعضاء المجلس الموزعين على هذه اللجان ووسط انفتاح على النقاش حتى بالتفاصيل الصغيرة، وتم تعيين منسقين لهذه اللجان تتابع الاتصالات وتعمل على اعداد التقارير اللازمة، ويبدو من خلالها ان الهيئة الادارية المفترض انتخابها لاحقاً بدأت بالتشكل مما يوحي بأن لا مفاجأة ستحصل في العملية الانتخابية وان كان الناشطون مصرون على ان تأخذ العملية الديموقراطية مجراها، الا ان الصورة بدأت ترتسم ولن تحمل الانتخابات المقرر حصولها مفاجآت تذكر.
تتضح رؤية المجلس الوطني لانتفاضة السلام من خلال طرح فرنجية الذي يرى «ان الأمر يتطلب دعم الاعتدال في لبنان والمنطقة والتجمع حول بناء حقوق اساسية توحد بين جميع المواطنين اللبنانيين»، مشيراً الى ان لبنان واللبنانيين فوتوا في السابق فرصة اتفاق الطائف 1989 والانسحاب الاسرائيلي عام 2000 والانسحاب السوري عام 2005 وفرحة طي صفحة الخلاف اللبناني ـ اللبناني عام 2009 وفرصة الانتفاضة في سوريا عام 2011 وهذا يعني انه لا بد من بدء البحث عن فرص جديدة لتوحيد رؤية اللبنانيين حول مواضيع رئيسية.
وان كان عنوان انتفاضة السلام اساسي فإن ورقة المجلس الوطني لا تتجاهل أهمية «اقامة مشرق» العيش المشترك» ومتوسط العيش معاً «والسعي نحو نهضة عربية حديثة يكون للبنان دور اساسي فيها«. ويجد فرنجية ان «فرصة بناء مستقبل أفضل للبنان مرتبطة بتحقيق انتفاضة السلام والالتفاف حول الدستور الذي يحلم السوري والعراقي بدستور مثله اليوم»، ومن هنا يعتبر ان «المجلس الوطني هو مرجعية انتفاضة السلام وترتكز على الدستور ولتحقيقها لا بد من تجاوز العراقيل والسلبيات والخصوصات مع من لا يريدون الانتماء للدولة أو الموافقة على طروحاتنا، ونحن سنعمل على تحقيقها وانجازها وتعميمها من دون الحاجة الى الخارج، ونترك للآخرين المجال في ان يفكروا ويعودوا معنا الى لبنان، نحن لن ننتظر أحدا بعد اليوم، سنعمل وليأتوا حين يأتون او يبقوا حيث هم في سوريا أو غيرها لكن نحن لن نترك لبنان»، موضحاً «نحن خط اعتدال وكتلة اعتدال وعندما نعلن عن انتفاضة سلام فان الفريق الآخر سيذوب فينا تدريجياً«.
في الجانب الحقوقي، يسعى المجلس لاقامة مرصد يهدف الى تحديد وتوحيد الحقوق بين جميع المواطنين اللبنانيين وتعزيز ثقافة الحقوق التي تجمع بينهم، لا تبدو مهمة المجلس الوطني سهلة حتى داخل قوى 14 آذار، اذ يحاول القول للبنانيين انه تجمع لا طائفي ولا حزبي الأول من نوعه في لبنان، الا ان السؤال هل تستطيع احزاب 14 آذار ان تنحو هذا المنحى في ظل مشاركتها في السلطة وهل ينجح اتفاق الطائف في ان يشكل دولة مدنية محررة من الاكراهات الطائفية وان يكون نموذجا لبناء السلام كونه يجمع فكرة المواطنة والتعددية الطائفية والاثنية، كل هذه الافكار ستكون قيد البحث والدراسة والنقاش وهي في طور الاعداد لها مع غيرها من القضايا من قبل لجان المجلس المختصة.
وفي مجال اخر، تتواصل الجهود لاطلاق هيئات المناطق : هيئة الجبل – هيئة الشمال – هيئة البقاع وزحلة ، وسيتم دعوة كل ناشطي 14 اذار وحتى من هم ضد 14 اذار حتى ينشطوا في هيئات المناطق ليطرحوا افكارهم حول آلية الخروج من الازمات ومواجهة التحديات وبناء مشروع السلام والاعتدال بين الشباب اللبناني كي يبقى لبنان نموذجا لوأد الفتن وللعيش المشترك والتنوع. وبموازاة ذلك، يتم التحضير لعقد ندوات ومؤتمرات للتواصل مع الاهالي والتفاعل معهم وحمل المشروع الجديد في وقت وصل فيه البلد الى حافة الانهيار ووصل مشهد الهيمنة الطائفية على الدولة درجة اوصلت اللبنانيين الى انعدام الثقة بالمستقبل وفقدان الامل.
العمل جار ايضا في مشروع لتنقية الذاكرة اللبنانية، ووضع خطة عمل لملف اللاجئين السوريين في لبنان ومستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية ويجري الاعداد لاطلاق منصة اعلامية الكترونية ستكون منبرا يحمل المضمون السياسي والهوية والرؤية للمجلس وستضم مدونات لكل من يرغب في الكتابة فيها من الشباب اللبناني في لبنان ودول الانتشار باللغات الثلاث. وتحضر لجنة الانتشار لمؤتمر كبير سيتم دعوة المهاجرين اللبنانيين في الخليج العربي اليه وسيعقد في دبي وهدفه اطلاق المجلس مع المنتشرين في الخارج واشراكهم بالعمل وبالدعم الفكري والسياسي والعملي. اما لجنة الشباب فتستعد مع بدء مع العام الجامعي وبالتنسيق مع الاحزاب في الجامعات لمشروع من اجل تصحيح صورة 14 آذار لدى الشباب اللبناني وشرح فكرة المجلس بمفهوم السلام والاعتدال امام شباب الجامعات.
مجلس مستقلي 14 اذار في حالة انعقاد دائم والعصف الذهني لا يتوقف لاستنباط افكار جديدة ، وهو يتابع تحضيراته منذ اطلاقه في البيال لانتخاب هيئة المكتب السياسي ومنسقي اللجان وسط اصرار اعضائه على النجاح في التحدي الكبير الذي رسموا طريقه بانفسهم.

تنبيه إلى مخطَّط وراء عرقلة الانتخاب لافروف ناقش ظريف ولا نتيجة
خليل فليحان/النهار/20 آب 2015
لفت سفير بارز معتمد لدى لبنان في حديث له مع نائب ينتمي الى تكتل نيابي يتمتع بثقل نوعي في المعادلة السياسية الداخلية الى “ان الاوضاع المتردية في لبنان تبدو غير قابلة للمعالجة، وتعترضها دوما عوائق من وزراء في الحكومة للايحاء ان اتفاق الطائف شارف نهايته”. واستعمل تعبيرا أوضح في مجال رده على استيضاح النائب “ان بعض القوى السياسية الفاعلة لم تعد تقبل باتفاق الطائف لان حجمها تبدل في السنوات الاخيرة على المستويات الشعبية وفي التمثيل البرلماني والحكومي، وهي تطالب بحقائب أكثر. ونصح السفير محدثه بأن يتنبه تكتله لما يخطط له من تغيير قيد التحضير، وبالابقاء على الحد الادنى من استمرار المؤسسات التي أصيبت بالشلل ويمكن القول انها مهددة بالانهيار التام. ورفع صوته منبها الى المساس بالاجهزة الامنية، وعلى الاخص الجيش وشعبة المعلومات في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي وجهاز التقصي في الامن العام الذين برهنوا عن مهنية عالية في تعقب الارهابيين وتوقيفهم. وتجدر الاشارة الى ان السفير الذي يملك هذه المعلومات معروف بسعة اطلاعه، وان الدولة التي يمثل تشارك من دون ضوضاء في الاتصالات بأقطاب لبنانيين من أجل الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، وقد شاركت فرنسا في بعض الاتصالات التي سعت بدورها لتسهيل الاستحقاق الدستوري عن طريق اجتماعات مشتركة. كما ان اتصالات تلك الدولة بلغت واشنطن وموسكو ولندن. وتتميز الدولة عينها بأن لديها بنك معلومات ديبلوماسياً، مما يعني ان ما يملكه السفير من معلومات هو جدي، بدليل فشل جميع المساعي لاعادة بث الروح في الحكومة السلامية التي تنازع، وممنوع عليها أن تموت. ويؤكد الرئيس نبيه بري ان الاتصالات الجارية منذ ما بعد الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء لم تنجح، واليوم الخميس ليس هناك جلسة، وبعض المقرّبين من السرايا يستبعد انعقاد جلسة الاسبوع المقبل اذا لم تتأمن الاجواء الهادئة ومخرج للتعيينات الامنية يكرس ما يطالب به وزيرا “التيار الوطني” ومن يؤيدهما من حلفاء.
وأعرب السفير عن خشيته ان يتحول انتخاب رئيس الجمهورية من اقتراع الى تعيين، لأن شل المؤسسات مستمر ويتجه نحو الاسوأ بشكل متعمد وبوعي، وهناك مخطط سيدفع بالقوى السياسية الاخرى الى ذروة التصعيد وفقدان المناعة في معظم المؤسسات للقبول بمؤتمر تأسيسي يأتي الرئيس الجديد ليطبقه. وأفاد مصدر ديبلوماسي غربي في بيروت “النهار”، ان استحالة انتخاب رئيس للبلاد كانت محور مناقشة في لقاء ديبلوماسي رفيع في منزل السفير الاميركي ديفيد هيل، شارك فيه عميد السلك الديبلوماسي في لبنان السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا. وتطرق السفراء الى ما يشهده لبنان من تدهور سريع وشلل في المؤسسات الدستورية والانعكاسات السلبية الناجمة عنه اقتصاديا وسياحيا. وذكر تقرير ديبلوماسي ورد الى بيروت من موسكو اطلعت عليه “النهار” ان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أثار موضوع الفراغ الرئاسي مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف مطلع الاسبوع الجاري اثناء زيارته لروسيا، وفهم ان الاخير “كرّر موقف بلاده ان الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني داخلي، وعلى أي دولة عربية أو غربية الا تتدخل”.

الوقت لا يعمل لمصلحة استقرار لبنان والحل السليم لأزمة الرئاسة في احترام الدستور
اميل خوري/النهار/20 آب 2015
بعدما كثرت “الممرات الالزامية” التي توصل الى انتخاب رئيس للجمهورية، فإن مجلس النواب يبقى المكان الوحيد الذي تصب فيه كل الممرات سواء كان العماد ميشال عون هو المرشح الوحيد للرئاسة أو ممراً اليها، أو أصبح التوصل الى اتفاق سعودي – إيراني هو الممر الالزامي، وهو اتفاق لن يتحقق إلا إذا توقفت الحرب في اليمن وسوريا بحل أو تسوية ليصير في الامكان الاتفاق على رئيس تسوية للبنان كما تمّ التوصل الى حكومة تسوية برئاسة تمام سلام. والسؤال المطروح هو: هل سيكون لمقاطعي جلسات انتخاب الرئيس موقف جديد اذا كانوا يريدون فعلاً رئيساً من صنع لبنان وليس من صنع أي خارج يفرضه على جميع اللبنانيين؟ فيتحمل المقاطعون عندئذ اذا استمروا في مقاطعتهم جلسات الانتخاب مسؤولية صنع الرئيس في الخارج كحل لا بدّ منه وعندها لا يعود مسموحاً القول إن الطائفة الشيعية تأتي بشخص قوي الى رئاسة المجلس، والطائفة السنية تأتي بشخص قوي أيضاً الى رئاسة الحكومة، في حين ان الطائفة المارونية لا تستطيع ذلك، والسبب معروف وهو أنها غير متفقة على اختيار هذا الشخص ولا تدع الأكثرية النيابية المطلوبة تختاره باعتمادها سياسة تعطيل النصاب والتهديد بالشارع، وهي سياسة لم تلجأ اليها لا الطائفة السنية ولا الطائفة الشيعية، إنما لجأتا الى الأصول الديموقراطية والى أحكام الدستور في جعل الأكثرية النيابية تنتخب رئيس المجلس وتسمية رئيس الحكومة بموجب استشارات يجريها رئيس الجمهورية. فليس إذاً من حق النواب المسيحيين، ولاسيما منهم الموارنة، ان يشتكوا من عدم وصول رئيس قوي للجمهورية اسوة بالسنّة والشيعة، ما داموا أنهم لم يفعلوا مثلهم باتفاقهم على مرشح لرئاسة المجلس ومرشح لرئاسة الحكومة، أو بحضور جلسات مجلس النواب وليس مقاطعتها ليصيب الخلل الفادح “الميثاق الوطني” ولتدخل البلاد في الفراغ الشامل الذي يقودها الى المجهول.
لذلك فان القيادات في لبنان تتحمل مسؤولية ترك الخارج يصنع رئيساً للجمهورية قد لا يكون يعبّر عن ارادتها تعبيراً صحيحاً، وقد يقدم مصلحة هذا الخارج على مصلحة الوطن، وربما يأتي نتيجة مقايضات وفرض شروط غير دستورية كما حصل في “مؤتمر الدوحة”.
إن الحل السليم لأزمة الانتخابات الرئاسية هو في احترام الدستور وعدم مخالفته وذلك بالنزول الى مجلس النواب والاعتراف بنتائج انتخاب الرئيس، وليس مطلوباً من الدول الشقيقة والصديقة إذا كانت فعلاً كذلك، سوى أن تساعد على ذلك، لاسيما إيران، لان من يعطل جلسات الانتخاب هم حلفاؤها في لبنان، وما عليها، إذا كانت فعلاً صديقة له وتريد له الاستقرار الدائم والثابت، سوى دعوة هؤلاء الى حضور جلسة الانتخاب والعمل داخل الجلسة على جعل الأكثرية النيابية تنتخب هذا المرشح أو ذاك لا أن تربط انتخاب الرئيس بتحقيق تقارب مع السعودية أو بحل كل الازمات في المنطقة لتبقى مدة الشغور الرئاسي في لبنان طويلة، الأمر الذي يهدّد مصيره وكيانه. يقول ديبلوماسي عربي عندما سئل عن موعد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، إن القادة في لبنان إذا لم يتفقوا على انتخاب هذا الرئيس ولا على حضور جلسة الانتخاب فانهم قد ينتظرون طويلاً اتفاق الخارج المعني بهذا الانتخاب. وهو اتفاق يبدأ أولاً بصنع صورة رئيس تكون على قياس “برواز” يعمل الخارج على صنعه، والأخطر من كل ذلك أن يطول اتفاق الخارج المعني على صنع “براويز” على قياس رئيس لأكثر من دولة في المنطقة بعد الاتفاق على صيغة الحكم فيها بحيث تكون صورة الرئيس على شكل هذه الصيغة. فاذا تقرر أن يكون لبنان على صيغة الحكم السويسري أو النمسوي، فينبغي أن يكون الرئيس ملائماً لهذه الصيغة. واذا تقرر أن يكون جرماً يدور في فلك هذا المحور أو ذاك، فان الرئيس المنشود ينبغي أن يكون له وجه يلائم ذلك ويصلح له. فعلى القيادات في لبنان من مختلف الاتجاهات والمذاهب أن تقرر هل تريد رئيساً يكون من صنعها وعليها عندئذ النزول الى مجلس النواب كونه الممر الوحيد لانتخابه بارادة حرّة، أم انها تريده أن يكون من صنع الخارج بممراته المتعددة وتنتظر الوقت للاتفاق على صنعه، وهو وقت قد لا يكون يعمل لمصلحة استقرار لبنان سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

الممانعة المعذورة!
علي نون/المستقبل/20 آب/15
معذورة منظومة الممانعة في التعامي عن الحادث العرضي البسيط الذي وقع في دوما! فهي منشغلة بحدث جلل، أكبر وأهم وأخطر بما لا يُقاس من «إضافة» بضع عشرات من الأطفال والنساء الى المقبرة التي فتحها بشار الأسد في سوريا. .. هذه الممانعة منشغلة في تعقّب خبريات أحمد الأسير. في التنقيب في كل حرف قاله! وفي كل جملة رماها! وفي كل مكان نام فيه! وفي كل سيارة استخدمها في تنقلاته! وفي كل نظّارات طبّية استخدمها! وفي كل نفَس تنفّسه! وفي كل عطسة عطسها! وفي كل حلم رآه في نومه!.. وماذا كان يقول عندما يستيقظ صباحاً! وماذا كان يأكل على «الترويقة»! وبعدها على الغداء! وهل كان هو الذي يطبخ طعامه أم يطلب «ديليفيري»! وماذا كان يتعشى وأين كان يتمشى! وبماذا كان يتمتم قبل النوم! وكم هو قياس حذائه! وهل يعرف شيئاً أكيداً عن ربطة العنق! وهل سبق واستخدم ذلك اللباس الفرنجي غير الشرعي أصلاً! وهل كان يشاهد نشرات الأخبار المتلفزة! وأي محطة كان يتابع تحديداً! وماذا قال حرفيًّا عن قصة حمل كيم كارداشيان! وما هو تماماً بتاتاً الذي قاله عن سمير جعجع! وماذا عن احتمالات إعجابه بنشيد «موطني» الذي غنّته «أليسا! وماذا كان رأيه بمهرجانات بيت الدين وبعلبك وبعورتا وتلال جزين! وهل أصدر فتوى محددة في شأن أكل اللحم بعجين في الغربة! وماذا كان رأيه في أزمة النفايات؟ وكيف وصل الى الشمال! وهل عانى من عجقة السير في الذوق وضبية؟ وكيف تحمّل كل ذلك العذاب في صندوق السيارة على مدى ساعات في عزّ دين الحر؟! منشغلة ماكينة هذه الممانعة، حتى مناخيرها وبكل تلابيبها وتفاصيلها وكامل جاهزيتها وعدّتها وضميرها الحي، ومن أصغرها الى أكبرها ومن «منارها« الى «أخبارها« الى «سفيرها« بالإنجاز المتمثل بالقبض على الأسير الخطير، والذي لا يضاهيه إنجاز سوى «اتفاق فيينا» وصيرورة إيران دولة نووية عظمى غصباً عن كل العالم! وصمود بشّار الأسد في وجه المؤامرة الكونية، واطلاق طهران النفير الأخير استعداداً للزحف المقدّس على القدس لتحريرها!
بل تراها، ممانعة آخر زمن هذه، ترى في اعتقال الأسير تحقيقاً لوعد إلهي، ونصراً جديداً أخاذاً خلاّباً لا سابق له ولا مثيل! وكيف لا؟ وهو هو تحديداً وشخصياً، من كان العقبة الوحيدة، الكأداء أمام وصول مسيرات مجاهديها الى أسوار عكا! والحاجز الحائل أمام دكّها قلاع أسلحة الدمار الشامل الصهيونية في النقب! وأمام إعادة آخر فلسطيني الى بيته في الجليل. وآخر فلسطينية الى ديارها في حيفا. وآخر مشرّد الى بيّارته في يافا! عدا عن انه، هذا الأسير الخطير تحديداً وشخصياً، هو المسؤول الحصري عن الاحتلال الأميركي للعراق وتفجير الفتنة المذهبية والعرقية فيه! وهو المسؤول الأول عن تحويل «القطر السوري الشقيق» الى شيء من محارق «الرايخ الثالث»! وهو المسؤول المركزي عن تشليع البنى الوطنية والأهلية اللبنانية ورميها بأسيد الفتن والبلايا السوداء! وهو المسؤول الحصري عن وصول اليمن السعيد الى ما وصل إليه من بلاء متراكم ودمار مستحيل! هذا الأسير الخطير يستحق أن يُحتفى باعتقاله، على مدار ساعات الليل والنهار. وأن تُسيّر تظاهرات الابتهاج في كل ركن ممانع مكين. وأن تُقدّم سلسلة اقتراحات في شأن سلسلة نشاطات تربوية وثقافية ولطمية وجهادية، وأن يُعتبر يوم اعتقاله عطلة رسمية في كل الديار الممانعة من إيران الى العراق الى سوريا الى اليمن الى الضاحية والجنوب اللبناني الى التخوم الغربية لأفغانستان وبعض نواحي باكستان.. ولا بأس من ضم الجبال الشم لطاجيكستان، وأخذ رأي موسكو في فكرة تنظيم عرض خاص بالمناسبة في الساحة الحمراء ذاتها! .. كيف بعد ذلك، تُسأل هذه الممانعة عن عماها المخزي إزاء مجزرة دوما؟ وعن هذا النفاق المجلجل المعيب والأسطوري في أدائها وبيانها وضميرها الحيّ؟.. يا عاركم!