راغدة درغام/إدارة أوباما تدرس العروض الإيرانية

240

إدارة أوباما تدرس العروض الإيرانية
 راغدة درغام/الحياة/01 أيار/15

لا غموض في المواقف الإيرانية إزاء آلية وتاريخ وكيفية رفع العقوبات الدولية والأميركية والأوروبية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بموجب الاتفاق النووي، فور التوصل إليه، وليس لاحقاً. الغموض يحيط بتفسيرات البيت الأبيض لما يتم التفاوض عليه في شأن العقوبات، والغموض يرافق ما في جيب الكونغرس فعلاً وجدياً وليس للمزايدة فقط.

لا غموض في السياسة الإيرانية نحو سورية والتي كررها وزير الخارجية جواد ظريف هذا الأسبوع متمسكاً بالرئيس السوري بشار الأسد ورافضاً الموافقة على مبدأ «السلطة الانتقالية» التي هي اللب والمرجعية الدولية في بيان جنيف. إن الجهة الغامضة هي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معاً إذ كلاهما أوحى للمبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا أن عليه ألا يخشى ردود الفعل على إعلانه اعتزامه دعوة إيران إلى المشاركة في المفاوضات حول مستقبل سورية مهما عارضت الدول العربية، وأن لا ضرورة له لإيضاح ماذا لديه من بديل عن «بيان جنيف» كمرجعية، بل إن ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، فردريكا موغوريني، أصرت على دور «رئيسي وإيجابي» لإيران من دون أن تكشف ما الذي يصنّفه «إيجابياً» وحرصت على بعث رسالة مبطّنة إلى السعودية والدول الأخرى التي تتحفظ على الدور الإيراني بأنه «سيكون تبسيطاً اعتبار أنه من الممكن أن تختفي إيران من الخريطة».

لا غموض على الإطلاق في ارتياح طهران لاعتبارها حليف الأمر الواقع للولايات المتحدة في محاربة «داعش» في العراق وسورية – فهكذا أرادت الحكومة الإيرانية للإدارة الأميركية أن تفكّر منذ اندلاع الحرب السورية مصرّة على أنها حرب مكافحة الإرهاب. وهكذا تم إنماء «داعش» وصياغة تحالف الأمر الواقع بين واشنطن وطهران لسحقه. الغموض يقع في صميم إدارة باراك أوباما التي تتعاقد سراً مع إيران في الشراكة في الحرب على «داعش» في سورية والعراق فيما تتعاقد علناً مع الدول العربية في «تحالف دولي» ضد «داعش»، وفي الوقت ذاته تحرّض على اللاثقة بين الطرفين. إيران واضحة في أنها تريد مستنقعاً للسعودية في اليمن ما لم توافق الرياض على «شرعنة الانقلاب الحوثي على الشرعية». إدارة أوباما تلعب على الوترين. إيران ليست غامضة في إصرارها على التمسك بما تمتلكه وتديره في العراق وسورية واليمن ولبنان. الغامض هو الاستراتيجية العربية الشاملة والبعيدة المدى إزاء الطموحات الإيرانية النووية والإقليمية، والغموض يرافق النوايا الأميركية أيضاً إزاء الطموحات الإقليمية لإيران، فواشنطن تبدو جاهزة لإعطاء طهران كل ما تريده كي تبرم الاتفاقية النووية – التي يتحدث الأميركيون عنها بلغة أنها باتت جاهزة للتوقيع – متجنبة مواجهتها لإيقاف امتدادها وتوسعها في البلاد العربية. فإذا كان لدى القيادات العربية التي ستتوجه إلى كامب ديفيد للقاء الرئيس باراك أوباما أي احتجاج، لن تؤخذ مواقفها على محمل الجد إذا لم تكن واضحة وحازمة حقاً في ما ترضى به أو تصر عليه في هذه الحقبة المصيرية، فالغموض ليس أبداً في المصلحة العربية ولا هو في نهاية المطاف في المصلحة الأميركية.

يطيب للبعض أن يشبه الاتفاق النووي المزمع توقيعه بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية بالاتفاقية التاريخية بين الولايات المتحدة والصين التي يرتبط اسم العقل الاستراتيجي الكبير هنري كيسنجر بها. تلك الاتفاقية كانت عبارة عن حياكة دقيقة للعلاقات الأميركية – الصينية – الروسية وثم حياكتها على أساس حاجة الصين للولايات المتحدة وحاجة روسيا للولايات المتحدة وتمكنت الولايات المتحدة من الاستفادة الاستراتيجية الكبرى من الحاجتين.

في الاتفاقية مع إيران، لا استفادة للولايات المتحدة سوى من ناحية طي صفحة عداء مع نظام الملالي في طهران الذي تولى السلطة قبل 36 سنة وأدخل فرض الدين على السلطة على الجمهورية في الشرق الأوسط. يطيب لكثير من الأميركيين الظن أن هذا الاتفاق النووي سيطوي صفحة حروب أميركا، وسيحميها من التطرف السني، وسيوقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن اقتناء السلاح النووي.

الثقوب عديدة في هذه الافتراضات، فأولاً إن الاتفاق النووي يؤجل تفعيل القدرات النووية الإيرانية ولا يلغيها – والكلام ليس عن القدرات النووية السلمية بالتأكيد. بهذا توافق الولايات المتحدة عملياً على تدمير اتفاقية منع انتشار الأسلحة النووية ليس فقط لأن دول المنطقة ستقتني السلاح النووي حال اقتناء إيران لها، بل لأن كامل نظام منع انتشار الأسلحة النووية سينهار عالمياً لأن دولاً مثل البرازيل مثلاً لن تقف متفرجة.

ثانياً، إن تمكين طهران من جميع أدوات الهيمنة عبر رفع العقوبات عنها وإقدام الشركات الأميركية والأوروبية على استثمارات ضخمة لن يكون ممكناً أبداً إلغاؤها تحت عنوان snapback – أي إعادة فرض العقوبات – سيضاعف نقمة التطرف، فالأموال بعشرات المليارات التي ستحصل عليها طهران لدى توقيعها الاتفاق النووي هي عبارة عن تمويل لمشاريعها الإقليمية بما في ذلك توسعها في الدول العربية. وهذا سيكون استثماراً في تنمية الحروب المذهبية في البقعة الإسلامية عالمياً، وهذه ليست سياسة حكيمة ولن تنجو منها الدول التي تغذي العداء والفتنة. ثالثاً، إن ترتيـــبات الإشراف على عدم ضمان امتلاك إيـران السلاح النووي معقدة لدرجة تجعلها بلا جدوى وهي ستزيد من غطرسة القيادة الإيرانية التي تكون تخلّصت من العقوبات والعزل وامتلكت الأدوات اللازمة لتنفيذ مشاريعها النووية والإقليمية – بتمويل أميركي وأوروبي. كثيرون يتحفظون على النقاش حول ما إذا كان الاتفاق النووي الذي يصيغه وزير الخارجية جون كيري تنفيذاً لما يريده الرئيس أوباما مشابهاً لاختراق هنري كيسنجر للعلاقة الأميركية – الصينية، أحد المراقبين العالمين بخفايا وتفاصيل اتفاق الإطار النووي مع إيران، قال «هذا ليس اتفاقاً على نسق ما أبرمه كيسنجر وإنما هو على نسق الاتفاق الذي أبرمه تشيمبرلين» في إشارة إلى رئيس الوزراء البريطاني في انحنائه الشهير أمام هتلر. يرى المراقب أن طهران ستوظف إنجاز النقلة النوعية في العلاقة الأميركية – الإيرانية عبر الاتفاق النووي لتعزيز مشاريع الهيمنة الإقليمية على أساس أنها باتت الشريك الموثوق به للولايات المتحدة الأميركية.

طهران ستسعى وراء إملاء نموذجها – فرض الدين على الدولة – على دول المنطقة كأمر واقع وبذلك تشجع «الإخوان المسلمين» على المضي بمشروعهم الذي يفرض الدين على الدولة في العالم السنّي. ووفق تقويمها، هذا ما تريد إدارة أوباما منذ دعمت «الإخوان المسلمين في مصر باعتبارهم «الإسلام المعتدل»، هذا في الوقت ذاته الذي ستسعى فيه إيران نحو إبراز ما تسميه دعم الأنظمة العربية لحركات التطرف والإرهاب، وبالتالي، إنها تهيئ عملياً لتطويق الأنظمة في منطقة الخليج وكذلك مصر – عبر شقي «الإخوان المسلمين» لـ «داعش» وأمثاله بهدف إسقاط هذه الأنظمة.

جواد ظريف، أثناء مخاطبته جامعة نيويورك الثلثاء الماضي، تعمّد اتهام السعودية بتمويل وتجنيد «داعش» وحرص على القول لمستمعيه الأميركيين أن السعودية وحلفاءها سبق ومولوا وجنّدوا ودعموا «القاعدة» و«طالبان» وصدام حسين. ونصّب إيران على أنها في الخطوط الأمامية لمحاربة «داعش» في سورية والعراق. صنّف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في خانة الحليف الموثوق به للولايات المتحدة في محاربة «داعش» متعمداً إلغاء السعودية والدول العربية الأخرى في هذه الحرب بالرغم من مشاركتها الفعلية في «التحالف الدولي» ضد «داعش». باختصار، قدّم ظريف الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنها حليف الولايات المتحدة الحقيقي ضد «داعش» لأنها على الأرض في سورية والعراق فيما الآخرون في الطائرات جوّاً. والحروب تحسم في الميدان.

وعندما تحدث مسوّقاً «النظام الإقليمي الأمني» مشيراً إلى أن طهران ترى في قرار وقف النار مع العراق 598 للعـــام 1986 الأساس والآلية – حرص على القول أن «الأمن لا يجــــوز شراؤه أو استيراده»، ملحاً على أن الدول الخليجية استــــوردت أمنها عبر علاقاتها التحالفية مع الولايات المتحدة. فحــــــوى رسالته أن ذلك الزمن ولّى وأن إيران جاهــــزة للحلول مكـــان الدول الخليجية لأنها ليست في حاجة لاستيراد أو شراء أمنها وإنما هي جاهزة لشراكة نوعية.

على إدارة أوباما أن تفكّر مليّاً بكل هذه النواحي من الطروحات الإيرانية وتقرر ماذا تريد حقاً في علاقاتها مع الدول الخليجية العربية. فإذا ارتأت أن لا حاجة بها للدول الخليجية في هذه المرحلة، أو في إطار الاستراتيجية الكبرى، عليها أن تستعد للعواقب التي قد لا تكون حصراً في أيادي قادة الدول لأن شعوب المنطقة العربية فقدت الكثير من الثقة بالولايات المتحدة وسئمت الرعاية الأميركية للهيمنة الإيرانية عليها.

في ما يتعلق بالتحقيق في مصادر التمويل لتنظيم «داعش»، ووفق مسؤولين أميركيين معنيين بهذا، قطعت السعودية أشواطاً في التعاون مع الولايات المتحدة في تحقيق هذا الهدف، وقطر بدأت التعاون الجدي. لا داعي لإدارة أوباما أن تعطل هذه الجهود أو أن تغذّي أولئك الذين يعارضون ذلك التعاون الضروري من خلال تحقيره. فإذا تعمدت تغذية المعارضين للتعاون الحكومي معها، تكون إدارة أوباما مساهمة جدية في مساعي إضعاف الأنظمة العربية التي تتعاون معها وتكون شريكاً مع إيران في العمل على تطويقها وإسقاطها.

هذه أمور يجب على القادة العرب بحثها صراحة في كامب ديفيد عند اجتماعها بالرئيس أوباما. إنما الصراحة في التشخيص ليست كافية. يجب أن يتوجه القادة العرب باستراتيجية متكاملة تشمل العلاقة الأميركية – الخليجية والأميركية – العربية على ضوء العلاقة الأميركية – الإيرانية الجديدة. لقد فات الأوان على «الصفقة الكبرى» التي تشمل الشق الإقليمي والعلاقات مع الدول الكبرى في ترتيبات تتساوى فيها المصالح. وحان الوقت لصياغة بديل عن «الصفقة الكبرى» بما يضمن عدم تحوّل المنطقة العربية إلى ساحة مستباحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية أو للدولة اليهودية. وهذه مسؤولية كبرى تقع على أكتاف القيادات العربية وفي طليعتها القيادة السعودية، إيران واضحة، والوقت حان للكف عن الغموض العربي.