ترافق تعيين خالد البحاح نائباً للرئيس الجمهورية اليمنية مع دخول «عاصفة الحزم» اسبوعها الثالث. يمكن أن تكون هذه الخطوة بداية بحث عن مخرج سياسي للأزمة اليمنية بعدما حقّقت العملية الهدف المطلوب، خصوصاً إذا كان البحاح، الذي لم يعترض الحوثيون في حينه على تعيينه رئيساً للوزراء، جاء قبل فترة قصيرة إلى الرياض بعد اسبوعين في حضرموت وتحدّث عن حل وسط يمكن التوصل إليه.
تدلّ معظم المؤشرات، أقلّه إلى الآن، على أن الجانب الأهمّ في العملية العسكرية العربية ـ الإسلامية ـ الدولية التي تقودها المملكة العربية السعودية تحقّق إلى حد كبير. يؤكّد ذلك ردّ الفعل الإيراني على تلك العملية الذي فاق في حدّته كلّ تصوّر. تميّز هذا الردّ بهجوم عنيف على المملكة شارك فيه «المرشد» علي خامنئي والأمين العام لـ»حزب الله» في لبنان السيّد حسن نصرالله.
أفشلت «عاصفة الحزم» وضع اليد الإيرانية على اليمن. هل أخذت طهران علماً بذلك؟ هل تأتي خطوة تعيين البحاح نائبا لرئيس الجمهورية في سياق البدء في عودة التوازن الداخلي إلى اليمن؟
تبيّن أن السعودية تعرف جيّداً ما الذي تفعله إيران في اليمن. قرّرت بكل بساطة التحرّك من أجل وضع حدّ لعملية تستهدف أمنها بشكل خاص والأمن الخليجي عموماً.
كانت عملية وضع اليد هذه تنفّذ بهدوء وبلغت ذروتها بالاتفاق الذي وقّعه الحوثيون، أي «انصار الله» مع السلطات الإيرانية باسم الحكومة اليمنية. سمح هذا الاتفاق لإيران بتسيير أربع عشرة رحلة جوّية في الاسبوع إلى صنعاء ومنها. بالطبع، تضمن الاتفاق السماح للخطوط اليمنية بتسيير العدد نفسه من الرحلات إلى طهران ومنها. ماذا لدى اليمنيين يفعلونه في طهران وماذا لدى إيران تقدّمه لليمن؟ هل لدى الخطوط اليمنية طائرات تسمح لها بتسيير رحلتين يوميا إلى طهران؟
كلّ ما في الأمر أنّ إيران تراهن منذ ما يزيد على خمسة عشر عاماً على الحوثيين. بدأت بالسعي إلى تغيير طابع المجتمع الزيدي في اليمن مستفيدة في بداية الأمر من دفع الرئيس السابق علي عبدالله صالح في اتجاه تشجيع الحوثيين على تشكيل قوّة سياسية ودخول مجلس النوّاب. حدث ذلك في وقت كان الحوثيون يلعبون، انطلاقاً من صعدة، تحت تسمية «الشباب المؤمن» دور التيار الزيدي المستقلّ عن العائلات الزيدية الكبيرة المعروفة بالعائلات الهاشمية مثل آل حميد الدين والمتوكّل. معظم هذه العائلات من محافظة حجّة، وكانت لدى علي عبدالله صالح في كلّ وقت حساسية تجاهها.
ابتداء من العام ، فوجئ علي عبدالله صالح بأن «الشباب المؤمن» بات خارج سيطرته وذلك خلال توقّفه في صعده في طريقه، برّا، إلى مكّة لإداء فريضة الحج. اكتشف وقتذاك أن الحوثيين صاروا في الحضن الإيراني، خصوصاً بعدما أطلق شاب في وجهه ما يسمّى «الصرخة»، أي «الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام». كانت تلك «الصرخة» التي أُطلقت في وجه علي عبدالله صالح، بعد صلاة الجمعة في أحد مساجد صعده، إشارة الانطلاق لست حروب مع الحوثيين الذين صاروا يعرفون باسم «انصار الله».
وصل الحوثيون في السنة إلى أن يصبحوا القوة العسكرية الرئيسية في اليمن جراء الفراغ الناجم عن سقوط الصيغة التي كانت تحكم البلد والتي كانت قائمة على الحلف بين علي عبدالله صالح من جهة وآل الأحمر، زعماء حاشد من جهة أخرى. كان هناك حلف بين الجانبين، من دون أن يعني ذلك غياب التجاذب بينهما، خصوصاً أنّ علي عبدالله صالح أقام تحالفات مع قوى يمنية أخرى عرف دائماً كيف يقيم من خلالها توازناً معيّناً يخدم نظامه.
ضم هذا الحلف الإخوان المسلمين الذين كانوا يعملون بغطاء من آل الأحمر. هؤلاء قرّروا خطف «ثورة الشباب» اليمني ذات الأهداف المثالية. كذلك، قرّروا التخلص جسدياً من علي عبدالله صالح عن طريق تفجير مسجد النهدين في دار الرئاسة حيث كان يؤدي صلاة الجمعة مع كبار مساعديه في الثالث من حزيران ـ يونيو من العام .
انتقل اليمن بعد «ثورة الشباب» إلى ثورة من نوع آخر. الواقع أن اليمن انتقل إلى الفراغ الذي تسببّت به عوامل عدّة. من بين هذه العوامل ضعف الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور، الذي لا يزال يمثّل، مع مجلس النوّاب، الشرعية الوحيدة في اليمن، وانتقال الصراع إلى داخل اسوار صنعاء. دار هذا الصراع بين علي عبدالله صالح والموالين له من جهة وابناء الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من جهة أخرى مدعومين من القوات الموالية للواء علي محسن صالح الأحمر (قائد الفرقة الأول/ مدرّع)، قريب علي عبدالله صالح وشريكه في الحروب الست على الحوثيين بين و. ملأ «انصار الله» الفراغ تدريجا بدعم واضح من إيران التي عملت منذ فترة طويلة على ايجاد موطئ قدم لها في اليمن.
استند «انصار الله» إلى كل نوع من التبريرات للقول إنّهم النظام الجديد في اليمن وأنّ لديهم شرعية ما هي «الشرعية الثورية». كان لا بدّ من الردّ عليهم، خصوصا بعدما اتجهوا جنوباً من أجل السيطرة على ميناء عدن بالتنسيق مع القوات التي ما زالت موالية للرئيس السابق.
ما لا بدّ من الاعتراف به أن ما كان تحالفاً تكتيكياً مع علي عبدالله صالح، سهّل على الحوثيين السيطرة على صنعاء وفرضهم «اتفاق السلم والشراكة» بقوّة السلاح، صار مع تطوّر الأحداث تحالفا في العمق.
بكلام أوضح، ما كان في استطاعة الحوثيين الالتفاف على تعز والتقدم في اتجاه عدن عن طريق أكثر من محور، لولا القوات التي بقيت موالية لعلي عبدالله صالح. هنا يكمن الخطأ الكبير الذي ارتكبه الرئيس السابق الذي كان يفترض به العضّ على جرحه بعد طرد القوات الخاصة (قوات الأمن المركزي سابقا) التي كنت مرابطة في معسكر لها في عدن بقيادة العميد عبد الحافظ السقّاف.
لم يكن ممكناً السكوت عن ملء إيران الفراغ القائم في كلّ اليمن والناجم عن انهيار الدولة ومؤسساتها وفشل مؤتمر الحوار الوطني بسبب ضعف عبد ربّه منصور وغياب القيادات اليمنية الفاعلة من جهة وشراسة الحوثيين ومن خلفهم إيران، من جهة أخرى.
ليست «عاصفة الحزم» سوى بداية عملية اثبات وجود بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز الذي استهلّ عهده بسلسلة من القرارات الجريئة التي تؤكّد أن السعودية قادرة على اتخاذ مبادرات على الصعيد الإقليمي تؤثر في التوازن الذي تحاول إيران فرضه في المنطقة. ما تعيين خالد البحاح، وهو من حضرموت في موقع نائب الرئيس واحتفاظه بمنصب رئيس الوزراء، سوى دليل على أن هناك خطوات سياسية ترافق الخطوات ذات الطابع العسكري.
في ظلّ الفراغ القائم في اليمن والذي سعت إيران إلى ملئه، ثمّة اسئلة تطرح نفسها بقوّة. في مقدّم هذه الأسئلة كيف سيستفيد اليمنيون الموجودون على الأرض من «عملية الحزم» لإثبات أن هناك مقاومة حقيقية للمشروع الإيراني في اليمن؟ هل الاستعانة بآل الأحمر والإخوان المسلمين تساعد في ذلك؟ هل العملية البرّية مسألة وقت فقط بعدما حقّقت الضربات الجوّية الهدف المطلوب لجهة تشتيت القوات الحوثية وتلك الموالية لعلي عبدالله صالح؟
ليس سرّاً أنّ ثمّة حاجة إلى صيغة جديدة لليمن يتفق عليها اليمنيون في مؤتمر حوار وطني بعيدا من هيمنة السلاح. لا شكّ في أن الموقع الجديد لخالد البحاح يسمح بالبحث عن مثل هذه الصيغة التي لا يمكن أن تنبثق من خارج إعادة التوازن السياسي والعسكري إلى بلد ليس مسموحاً بأي شكل أن يكون مستعمرة إيرانية، أي قاعدة لابتزاز دول مجلس التعاون على رأسها السعودية…