السبع عن قصف قناة «المستقبل»: «أنصار الله» ظهر في اليمن
لايسندام ـ فارس خشان/20 آذار/15/المستقبل
بالنائب عن «حزب الله» بدأت إفادة النائب السابق باسم السبع أمام غرفة الدرجة الأولى في المحكمة الخاصة بلبنان، وبالحوثيين الذين يحملون اسم «أنصار الله» إنتهت إفادته، أمس.
وإذا كان سؤال ممثل الادعاء العام غرايم كامرون عن علي عمار قد بقيت أسبابه لغزا، إذ إنه يأتي، بعيد نشر شائعات عن أنه من بين من كانوا على اتصال مباشر مع بعض المتهمين بتنفيذ جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن إشارة السبع الى «الحوثيين» المدعومين من ايران في اليمن، وإن لم تتضمن شروحا مطولة، فهي ربطت بين اسم المجموعة التي أعلنت مسؤوليتها عن قصف مقر تلفزيون «المستقبل« في الروشة في حزيران ، كرسالة إنذار للحريري، وبين تسمية الحوثيين في اليمن لأنفسهم «أنصار الله«.
وقد كان ملاحظا أن السويسري غويناييل ميترو، محامي الدفاع عن المتهم الفار حسن صبرا، قد قفز، بسرعة، فوق إشارة السبع إلى «أنصار الله«- اذ يبدو انه قد فهمها- ليركز معه على ما لا يعرفه سوى بمطالعة صحيفة «الرأي العام» الكويتية عن المسؤول المخابراتي السوري الذي أوقف في العراق في أيار من العام ، واعترف بأنه، بناء على تعليمات رؤسائه، كان قد أعطى الأوامر، بقصف مقر تلفزيون «المستقبل» الذي سيتم حرقه، لاحقا، في غزوة «حزب الله» في أيار .
وفي واقع الحال، فقد لمع نجم هذا المحامي السويسري خلال إفادة السبع، لأنه قرر إدخال استراتيجيته الدفاعية إلى حيز التنفيذ، وهي وفق ما بدا واضحا، ترتكز على إعادة المبعدين عن قرار الاتهام إلى واجهة الشبهة، ذلك ان قرار الاتهام تحدث عن مسؤولية مجموعة أمنية تنتمي الى «حزب الله» في تنفيذ الجريمة، كما أن الإدعاء يريد في المحاكمة ربط المصلحة برئيس النظام السوري بشار الاسد الحليف الوجودي لحزب الله، في حين ان ميترو يريد التركيز على التقارير والتحاليل المتوافرة في الملف التي يعتبر انها تتحدث عن مسؤولية مباشرة على مستوى المصلحة وعلى مستوى التنفيذ للثلاثي اميل لحود- جميل السيد- رستم غزالي وملحقات هذا الثلاثي في الأجهزة الأمنية وفي السلطة القضائية (ألمح الى التضليل الذي مارسه عدنان عضوم في موضوع الاستراليين الستة) وفي الحياة السياسية وفي التنظيمات الدينية( تركيزه على «الأحباش«).
وقد لاحظ المراقبون هنا في عاصمة العدالة الدولية ان لا رئيس الغرفة الاسترالي دايفيد راي ولا العضو فيها الجامايكية جانيت نوسوورثي، قد عارضا استراتيجية المحامي ميترو، ولكنهما لفتا انتباهه الى القواعد الواجب اتباعها في الاستجواب المضاد، بحيث يستعمل الوثائق التي تتناسب ومعلومات الشاهد ونطاق معرفته، وعدم استعمال روايات مخبرين لا قيمة لهم، كقراءته فقرة- جرى لومه بسبب ذلك- عاد وأكد بنفسه، أنها كاذبة، وتتعلق بالزعم ان الرئيس رفيق الحريري قد أمر باغتيال رئيس «الاحباش» الشيخ نزار الحلبي.
كما كان لافتا للانتباه ان ممثل الادعاء العام، لم يجد أي غضاضة في استراتيجية ميترو التي تعيد الى الضوء أسماء لعنتها تقارير لجنة التحقيق الدولية، حين كانت برئاسة الالماني ديتليف ميليس.
واذا كان باسم السبع لم يشارك ميترو في استراتيجيته، رافضا تكبير أدوار «تفصيليين» في صناعة القرار في فترة اغتيال الحريري، على اعتبار ان «حصر المسؤولية بلحود ومجموعته غير دقيق، لأن أساس العلة كان في ادارة القيادة السورية للملف اللبناني»، الا أنه في نهاية إفادته شمله بشكره، مشيدا بأدائه لواجبه على أكمل وجه.
ويعكس هذا الشكر، بعيدا من كل الاستراتيجيات، شعورا ساد هنا، في قاعة أنطونيو كاسيزي، أن اللعنة، بالاتهام وبالدفاع، تتمحور حول كل من شارك يوما، سياسيا أو عمليا، بما سماه السبع التدرج في عملية اغتيال الحريري، فهي بدأت معنويا، وتحولت سياسيا، وانتهت جسديا.
وكان واضحا ان ممثل الادعاء العام قد بدا في غاية الارتياح الى مجمل إفادة السبع، ولا سيما الى نتائج الاستجواب المضاد، وقد تجلى ذلك في أن غرايم كامرون، طرح في نهاية الافادة سؤالا واحدا على السبع يتعلق، حصرا، بما نشرته «السفير» في صباح شباط عن ان الحريري قرر أن يكون مرشح «حزب الله» في بيروت ضمن لائحته الانتخابية، فسأله عما اذا كان الحريري، مساء الاحد شباط ، حين استقبل النائب وليد جنبلاط بحضوره قد أثار هذا الموضوع، فرد السبع: « أجزم بأنني لم أسمع منه ذلك.»
لماذا ارتاح الادعاء العام لمجمل افادة السبع؟
في قراءة جنائية لهذه الافادة التي امتدت على مدى أيام، فإن السبع أجاد في تقديم مجموعة من الأمور المهمة للغاية، فهو وضع اطارا، في غاية الوضوح، للاشتباك بين بشار الاسد من جهة وبين رفيق الحريري من جهة أخرى، عكس عمق الهوة العدائية التي تفصل من يهدد، وهو يملك عناصر القوة والعنف، عمّن يتعرض للتهديد، وهو لا يملك سوى الموقف السياسي.
وقد أكد السبع ان الاسد في قصره في دمشق، وعبر ضباطه الثلاثة في العام ، لم يهن الحريري ولم يضع عليه الشروط فحسب، بل اتهمه بالتآمر مع الاميركيين والفرنسيين، أي مع صانعي القرار الذي صدر في العام .
وقدم السبع وصفا كاملا للحريري، فهو كان يعيش فعلا في جو احتمال الاغتيال، وذلك منذ أوائل العام حين نقل له شخص تحذيرا من جميل السيد بأن عليه أن يختار بين القتل والسجن والرحيل، فرد الحريري بأن المعروض عليه اما ان يكون رشيد كرامي ورينيه معوض آخر، واما السجن وهذا يتحمله، وإما ان يرحل وهو لن يرحل. كما ان الحريري، وعشية اغتياله قال للسبع ردا على امكان استهدافه ان «الحذر لا يلغي القدر»، كما انه اراد، قبيل اغتياله في مجلس النواب ان يلتقط له المصورون صورا وهو يضحك حتى يفهم الجميع بأنه ليس خائفا منهم.
كما ان الحريري، وكما «استنتج» السبع من نص اللقاء بين «سيد قريطم» وبين وليد المعلم، أراد ان يكتب بصوته مذكراته ويسجل فيها مطالعة عن اسباب خلافه مع القيادة السورية.
وعن لسان الحريري، رسم السبع صفتين لبشار الاسد: «ولد« سيخرب سوريا و«كذاب« لا يمكن التعامل معه.
ورؤية الحريري لمصيره كما نظرته الى الاسد، تجسدتا في السياسة، حين قرر الانضمام كليا الى المعارضة للفوز في الانتخابات النيابية على أساس برنامج واضح أطلقه بيان لقاء «البريستول« الثالث، بحضور ممثلين رسميين عن الحريري، وفيه مطالبة بخروج كامل للجيش السوري ومخابراته من لبنان، واعادة تكوين السلطة على اساس ارادة الشعب كمصدر وحيد للسلطة، ووجوب التعامل باحترام مع القرار بما لا يضع لبنان في مواجهة مع المجتمع الدولي.
وبذلك، يكون باسم السبع قد قدم للادعاء وقائع هو شاهد عيان عليها، بأن مشروع رفيق الحريري، عشية اغتياله وعلى الرغم من محاولات التواصل السورية معه سواء عبر رستم غزالي بواسطة الصحافي شارل ايوب ام مع وليد المعلم مبعوث بشار الاسد، كان في اكتساح الانتخابات النيابية، وهو أمر أكد تقرير كتبه ناصر قنديل « نائب المخابرات السورية»، وفق تعريف السبع نفسه، حتميته، بالاشتراك مع المعارضة المسيحية ووليد جنبلاط، بهدف التمكن من إخراج الجيش السوري من لبنان، وانهاء الهيمنة المخابراتية السورية وملحقاتها اللبنانية، واعادة تكوين سلطة لبنانية مستقلة، تنبع شرعيتها حصرا من ارادة الشعب اللبناني في انتخابات نيابية حرة ونزيهة.
ووفق السبع، فان الاسد كان يهدف من وراء كل ما بادر اليه تحقيق هدف واحد، وهو إخراج سوريا من المأزق الذي أدخلها فيها، بتسببه بصدور القرار ، لابقاء هيمنته على لبنان، ولكن الحريري واجه ذلك وأكمل انضواءه في المعارضة، بدليل وقائع لقائه مع مطران بيروت للموارنة بولس مطر، بحضور أحد عناوين التحدي للاسد، ممثلا بالدكتور داوود الصايغ الذي ظهر في الصورة بعد طول غياب فرضه « بروتوكول دمشق» في لقاء الحريري مع الاسد وضباطه الثلاثة.
وهنا بالتحديد، سقطت استراتيجية محامي الدفاع ميترو، لأنه بعد اكتمال المشهد الاستراتيجي الكبير لعداء الاسد للحريري، وهو يتصل بصراع بين محتل عنفي من جهة وبين مقاوم سياسي، من جهة أخرى، أراد تقزيم المشهد ليجعله مجرد صراع على النفوذ، بين خائفين على مناصبهم ومكتسباتهم، حيث تظهر صور الثلاثي لحود السيد – غزالي، وبين الطامح الى اكتساح السلطة بانتخابات نيابية.
ولعب السبع دورا كبيرا في اسقاط استراتيجية الدفاع، بأكبر قدر من الهدوء ومن الايجاز، بحيث كان يتولى رشق المسائل التي يثيرها بالثلج، والالتزام بثابتة واضحة في شهادته: المشكلة الحقيقية كانت مع بشار الاسد وليست مع ملحقاته من لبنانيين وسوريين.
والمعلومات التي قدمها السبع عن علاقة «حزب الله» بالحريري لم تؤثر سلبا في الادعاء العام الذي لم يثر هذا الملف اصلا معه، على اعتبار ان السبع، التزم حيادا صادقا في هذا الملف، على قاعدة أنه لا يعرف تفاصيله، وعلى قاعدة أنه لم يكن مخولا به، على اعتبار انه لا يملك محاضر اللقاءات بين الحريري ونصرالله.
ولعل المبدأ الذهبي الذي لفت اليه السبع، وتقاطع مع افادات أخرى، تتجلى في ما يسمى بسعي الحريري الى « لبننة» حزب الله. وهي المراهنة التي أعلنت جهات لبنانية كثيرة في وقت لاحق استحالة تحقيقها، لأن «حزب الله» ينفذ أجندة خارجية، كانت في البداية سورية، ثم اصبحت سورية – ايرانية قبل ان تصبح ايرانية بالكامل.
وعلى هذا الاساس يمكن فهم ما قاله السبع للمحكمة:» كان الحريري يرغب بعلاقة جيدة مع حزب الله. كان يراهن ويعمل على ذلك. ربما كان في ذهنه ان يكون هو شريك مع حزب الله كما مع أطراف مسيحية كما مع طرف درزي، لتشكيل حالة جديدة في لبنان. وقد كان الانفتاح على حزب الله في أشد لحظات التأزم بينه وبين القيادة السورية«.
والسبع لم يعترض على استغراب القاضي الايطالي نيكولا ليتييري، بل على العكس وافقه عليه، حين استغرب كيف يمكن ان تكون علاقة الحريري جيدة مع قائد حزب الله حسن نصرالله، حليف بشار الاسد، وتكون علاقة الحريري بهذا السوء مع الاسد، وماذا فعل نصرالله، طالما كان في حوار ايجابي مع الحريري، مع الاسد الذي كان يوجه تهديدات للحريري.»
افادة السبع انتهت، وحققت أهدافها، بموضوعية عالية.
واليوم يعود النائب غازي يوسف الى منصة الشهود، وهذه المرة من بيروت عبر نظام «الفيديو كونفرانس» من أجل مواجهة الاستجواب المضاد الذي تم إرجاؤه من الاسبوع الماضي.